الإرهاب صناعة «إسرائيلية» والهدف تفكيك عناصر القوة العربية والتوطين 1

بلال رفعت شرارة

في آخر نبأ ورد أثناء صياغة هذا البحث مساء الإثنين 27/11/2017 أنّ انتحاريين أطلقا النار على مدنيين قبل أن يُفجِّر أحدهما نفسه في منطقة النهروان جنوب شرق بغداد، وأنا إذ أنحاز إلى الآراء التي تتهم العديد من الدول بأنها لا تعمل وفق شعاراتها على تجفيف موارد الإرهاب ومصادره وتغضّ النظر أو تساهم في عمليات تهريب السلاح والمسلحين، إلا أنّ رأيي المتواضع وربما المجنون هو أنّ الجميع يحاولون في موضوع الإرهاب جعل «إسرائيل» فوق الشبهات في كلّ ما يحدث عندنا من المحيط إلى الخليج، فيما القتل دون وازع وتحت أسقف المساجد والكنائس والتفجيرات في الساحات العامة والأسواق والذبح والانتقام على هذا النحو لا يفعله إلا من يعتقد بـ شريعة قتل الأغيار ربما يفعل ذلك هو نفسه، أو بأيدينا أو بواسطتنا ويجعل شباناً وربما فتيات من عندنا يعتقدون أنّ عملياتهم الانغماسية ستأخذ بأيديهم إلى الجنة وأنهم إنما يقومون بفريضة الجهاد الغائب.

إنني بداية أوجّه عناية جميع المتابعين إلى أنّ الدعم «الإسرائيلي» المعروف للإرهاب لا يقتصر على تقديم معلومات استخبارية له على الجبهة السورية وتوجيه ضربات ممنهجة للجيش السوري وصولاً إلى قيام مروحيات ومدفعية الجيش «الإسرائيلي» بقصف بعض المواقع السورية بعد كلّ هزيمة تتكبّدها المجموعات الإرهابية بهدف بثّ الأمل ورفع معنوياتها، بالإضافة إلى تقديم المساعدات العسكرية لها من سلاح وعتاد وتدريب واستشفاء، وقيادة عمليات تضليل إعلامي، كما أنّ رئيس الأركان «الإسرائيلي» بيني غيتس زجّ وحدة عسكرية إقليمية خاصة باسم باشان في منطقة الجولان وحدة من جيش الاحتياط أُعيدت إلى الخدمة . وكلّ ما تقدّم هو قليل من كثير معلوم أو يكتنفه الغموض في ما يتعلق بالدور «الإسرائيلي» الذي يمتدّ نحو كردستان العراق ويتحمّل كذلك مسؤولية العمليات الأمنية التي اصطادت عشرات الخبراء العسكريين والنُخَب والعلماء النوويين العرب، وخصوصاً العراقيين وكذلك يمتدّ ليطرح جملة أسئلة حول الدور «الإسرائيلي» في تشكيل قوى مسلحة ضدّ الحكومة المركزية في مصر ومدّها بالسلاح والعتاد والمعلومات الاستخبارية. وفي الأنموذج اللبناني، ألم تشكل قوات الاحتلال «الإسرائيلية» منذ أواخر التسعينات من القرن الماضي إضافة إلى ما سمّي جيش لبنان الجنوبي وحدة من العملاء باسم الوحدة 504 في الشريط الحدودي من لبنان؟ ألم تنشئ وحدة المستعربين في الأراضي الفلسطينة المحتلة؟ كما أنشأت وحدة مختصّة بسيناء؟

ـ بالعودة إلى النتائج الكارثية للإرهاب نشير إلى أنّ الموت الناتج عن مجازر الإرهاب في مناطق العمليات الإرهابية والمجازر «الإسرائيلية» الناتجه سابقاً عن أساليب عمل العصابات الصهيونية والناتجة اليوم عن إرهاب الدولة في «إسرائيل» والذي تمارسه عن سابق إصرار وتصميم هما في الواقع وجهان لعملة واحدة تستدعي اتهام «إسرائيل» بالمسؤولية عن أغلب العمليات الإرهابية، إذا لم نقل عن إدارة عمليات الإرهاب.

وفي هذا ربما تستدعي الجريمة الكبرى المنظمة التي نفذها الإرهاب ضدّ مئات المصلين في مسجد قرية الروضة في محافظة العريش في سيناء – تستدعي – أن نقف ونفكر بمن هو المستفيد من زعزعة النظام السياسي العربي وتهديد النظام العام وصولاً إلى إمكانية الإطاحة بالأنظمة وإعادة رسم الجغرافيا السياسية وتفكيك أقطارنا بإيقاظ المشكلات النائمة التي تعقد علاقاتنا وتحدث التوترات السياسية والطائفية والمذهبية على مساحة أقطارنا وتهدّد النسيج الاجتماعي وتجعل التعايش في ما بيننا يكاد يكون مستحيلاً؟

نحن يجب أن لا ننكر أنّ الإرهاب يشكل وسيلة منظمة وأداة حربية وجدت لها قواعد ارتكاز وحاضناً شعبياً وحاضناً رسمياً عبر الاستثمار على المشروع الأيدولوجي لأنماط محدّدة من السلطات.

ونحن يجب أن لا ننكر أنّ بعضنا موّل الإرهاب وسلّحه ضدّ بعضنا بقصد الانتقام أو إضعاف النظام السياسي، وأنّ هناك من أشعل لدى دول إقليمية مثلاً الاعتقاد بإمكانية استعادة مجد السلطنة الغابر وبالتالي أقحمها في منافسة «إسرائيل» على القيادة والدور أو بالحدّ الأدنى لعب دور الشرطي لمصلحة نفسها والإدارة الأميركية ومخططات حلف شمال الأطلسي.

ونحن يجب أن لا ننكر أننا وجّهنا الاتهامات ضدّ بعضنا البعض في المسؤوليات عما يجري، وقفزنا فوق الوقائع وتناسينا الدور «الإسرائيلي» والحدّ الأدنى في إدخال أو تهريب السلاح والمسلحين وتهريب الأموال إليهم والتفتنا إلى أدوار غرفة عمليات موك في الأردن مثلاً وإلى ما يمكن أن نلاحظه عبر الحدود التركية طبعاً في مختلف الاتجاهات نحو سورية والعراق في حين تغافلنا عن الدور «الإسرائيلي» واعتبرنا مثلاً أنّ منبع الإرهاب والمسؤولية عنه مصرياً إنما تأتي من الجوار الليبي أو تقع مسؤولية على السودان أو حماس في غزة، وهذا الأمر وإنْ كان صحيحاً إلى حدّ معقول، إلا أنه لا يعني انتفاء المسؤولية «الإسرائيلية» وتدفق الأموال القطرية والأموال الرسمية الخيرية من دول بعينها.

وعليه فإنني أزعم أنّ المسؤولية الكاملة عن جريمة الإرهاب إنشاءً وتخطيطاً وأهدافاً إنما تقع على «إسرائيل» دون أن ننسى مسؤولية النظام العربي والغرب تمويل الانتحار كما في تعبير الجنرال ضاحي خلفان أحد مسؤولي الأمن في الإمارات عن تسهيل عمليات الإرهاب عبر تدريب وتسليح جيوشه وذئابه المنفردة وإسهام القمع وغياب فرص العمل والمشاركة الكاملة وحرمان الناس من حقوقها الأساسية وفي طليعتها حقّ الانتماء والتعبير في نشوء حاضن شعبي والانضمام للإرهاب.

ومما تجدر الإشارة إليه أنّ مصارفات أنظمتنا على بناء الأجهزة الأمنية وتجنيد العديد والتجهيزات الاستخباراتية للرقابة على حركة وهواتف المواطنين وغير ذلك هي أعلى بالتأكيد من المصارفات على حقوق التعليم والطبابة.

ولكن بالرغم مما تقدّم تبقى «إسرائيل» هي المسؤولة الأساس عن إرساء المخطط الإرهابي الكبير ومصلحتها تقع في ذلك. لأنّ هذا الأمر يؤدي في ما يؤدّي إليه إلى إضعاف الأنظمة المركزية وإنشاء «إسرائيليات» صغيرة تدور من حولها ولذلك فهي تستهدف بصورة رئيسية تحطيم العراق وسورية باعتبارهما دولتين معاديتين لـ«إسرائيل» ولديهما كذلك طموحات نووية وبالتأكيد فإنّ «إسرائيل» تستهدف بداية مصر باعتبارها الدولة القائدة عبر جرّها إلى توقيع اتفاقية سلام ثنائية وإدخالها في عملية تبديل لعقيدتها العسكرية وخلق مشاكل حياتية ـ اجتماعية ومشكلة إقليمية عبر تهديد مياه النيل. و»إسرائيل» لم تستثنِ أيّ بلد عربي آخر ووجدت لها أسباباً لمشاغلته بما في ذلك ليبيا التي تحوّلت إلى مستودع ضخم للسلاح وقاعدة للمنظمات المناوئة للكثير من النظم السياسية…

الدور قادم على الجزائر والخليج والمغرب

ـ وفي إطار المخطط، فإنّ الدور دون شكّ قادم على الجزائر والخليج والمغرب فيما تتخبّط السودان والصومال في مشكلاتهما التي أقلها الانقسامات والتشرذم الأفقي والعمودي، وعلى نفس الصعيد تحوّلت جيبوتي إلى قاعدة عسكرية وحاملة طائرات غربية إلخ…

إذن في الأسباب المصلحية التي تقف خلف جرائم الإرهاب، فإنّ لـ«إسرائيل» مصلحة سياسية وعسكرية واقتصادية كاملة حيث أنها هي المستفيد الأول من مخطط الشرق الأوسط الجديد الذي وضع لبناته الأولى شمعون بيريز، أحد أبرز الشخصيات «الإسرائيلية»، وهو مشروع يجعل من «إسرائيل» نقطة المركز في البنى التحتية وشبكات المواصلات والاتصالات والعمليات المالية ومنظومة الخدمات والتجارة والأسواق وقوى العمل والإنتاج، خصوصاً أنّ المشاريع المشتركة المؤجلة ستمكّنها من التحكم بـ أوبك المتوسطية على خلفية امتلاك دول المنطقة بما فيها مصر لثروات كبيرة من الغاز والنفط لا تزال كامنة في برّها أو مياهها الإقليمية.

في الأسباب تبيّن لـ«الإسرائيليين» أنّ من أكثر عناصر الجمع ما بين دول المنطقة في العالمين الإسلامي والعربي: اللغة العربية والإسلام. وإنّ اللغة نفسها هي لغة القرآن الكريم إنّا أنزلناه قرآناً عربياً كما أنّ صلاة المسلم تتمّ أو يجب أن تتمّ باللغة العربية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى أغلب المسائل العبادية والفقهية.

وقد لعبت اللغة العربية أدواراً هامة في تاريخ شعوب المنطقة وفي تشكيل الرابط أو اللاصق في ما بينها وفي التصدّي لمختلف الغزوات والتهديدات لشعوبها وكياناتها بوجه روما وجبروتها وكان الإسلام، ولا يزال، الجامع المشترك لشعوب المنطقة في التصدّي للغزوات الصليبية على سبيل المثال، وكانت اللغة من الأسباب التي حالت دون التتريك. وكان الإسلام واللغة، ولا يزالان، العنصر الأساس الذي يوحِّد في ما بين القوى التى تناضل ضدّ المشروع الصهيوني بكلّ أبعاده الأيدولوجية والثقافية والتنظيمية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية في كلّ الحالات هذه مسألة تحتاج لجهود مشتركة من مؤرّخين ومتبحّرين في الإسلام واللغة .

في التخطيط: بداية أشرت إلى أنني أكتب استناداً إلى المعلومات التي أجمعها وإلى تحليلي واستنتاجي ورأيي المتواضع أو المجنون، وإنني، بناء عليه، أرى أنّ ما يجري هو مشروع مؤامرة ومخطط كامل الأوصاف، وأن لا شيء يتمّ بالمصادفة وأنه توجد تدخلات متعارضة تؤدّي إلى التوتر السياسي إلى حدّ القطيعة بين من يعتقدون أنّ لهم يداً ورجلاً من دول وأجهزة، وأنه تقع اشتباكات وتعارضات بين القوى المتورّطة في المخطط وقد شهدت الساحة السورية مثلاً عدداً منها والجهة الوحيدة التي تبدو أنها بعيدة ولا تتأثر بالوقائع كانت ولا تزال «إسرائيل».

في الأسلوب والتنفيذ: اعتمد «داعش» ومن قبله «النصرة» أساليب العصابات الصهيونية نفسها، ففي مرحلة تأسيس الكيان الصهيوني داهمت تلك العصابات القرى والمدن وقتلت كلّ من وجدته على قيد الحياة دون وازع أو رحمة وهي لم توفر طفلاً ولا شيخاً ولا امرأة ولا رجلاً.

وقد اعتمدت تلك العصابات على مشروع أيدولوجي يعتبر الدم طريق الخلاص الذي لا يتمّ بأيّ طريقة أخرى غير الحرب كما عبّر عن ذلك أليعيزرا فالدمان ـ أحد تلامذة تسفي يهوذا زعيم غوش أيمونيم.

وبالنسبة لتعاليم جميع مصادر الإفتاء لدى الحركات والأحزاب «الإسرائيلية» فمن المفترض تعجيل عملية الخلاص ، فإذا كان العرب غير متجاوبين ولم يسهّلوا الأمر على الجيش «الإسرائيلي»، فماذا يبقى سوى قتلهم؟ وفي عام 1955 اهتزّت الولايات المتحده فزعاً من المذبحة التي ارتكبها «الإسرائيليون» بحقّ المدنيين العرب في غزة وكان ردّ فعل بن غوريون على الفزع والغضب الأميركي بأن هبّ من مقعده كنبيّ غاضب وصاح: لن أسمح لأي إنسان، لا ليهود أميركا ولا لغيرهم، أن يخبرني بما يجب أن أفعله لأضمن أمن شعبي .

هل المجزرة هي وسيلة لضمان الأمن؟ هل هي إجراء أمني أم أنها وسيلة لإقامة ملخوت يسرائيل أيّ إعادة السلطة إلى بيت داود على أرض إسرائيل الكاملة ؟

إنّ العنف الإسرائيلي الذي يسلك طريقه إلى المجزرة يثبت عجز «إسرائيل» عن الانفكاك عن شعاراتها وهذا العنف الذي يتركز على جغرافية مشروع أرض «إسرائيل» الكاملة يمكن أن يتمّ بأيد غير «إسرائيلية» تحت سقف شعارات واهية: الدولة الإسلامية في العراق وسورية و إمارة سيناء وغيرهما.

ـ إنّ جميع «الإسرائيلين»، بما في ذلك شمعون بيريز وجه «إسرائيل» الأكثر دبلوماسية، سلك بنفسه طريق المجزرة مجزرة قانا ـ جنوب لبنان 18 نيسان 1996 .

وتحت عنوان عقيدة القتل والإلغاء «الإسرائيلية»، يقول ثيودور هرتزل مؤسِّس الصهيونية: لنفترض على سبيل المثال، أننا أُجبرنا على أن نُخلي بلداً ما أنموذج سيناء بموجب اتفاقية الصلح المصرية ـ الإسرائيلية يجب علينا ألا نقوم بذلك وفقاً لأسلوب الأوروبيين في القرن الخامس، كأن نأخذ الرمح ونذهب كلّ من حدة للبحث عن الدببة ! يجب علينا تأليف صيدة كبيرة، ومن ثم نجمع الحيوانات كلها معاً ونلقي وسطها بالقنابل المميتة . أليس هذا ما حدث تماماً خلال المجزرة التي ارتكبت ضدّ المصلين في مسجد قرية الروضة ـ العريش 40 كلم غرب مدينة العريش في محافظة شمال سيناء ؟ ألم ينفذ سلاح الجو «الإسرائيلي» مجزرة مماثلة ضدّ المدنيين اللبنانيين الذين كانوا يحتمون في مسجد العباسية ـ جنوب لبنان أثناء ما أسمته «إسرائيل» عملية الليطاني ؟

يقول زئيف جابوتنسكي: عليكم أن تحتفظوا بالسيف لأنّ الاقتتال بالسيف ليس ابتكاراً ألمانياً، بل هو ملك لأجدادنا الاوائل . وحين قام بن غوريون مؤسّس دولة «إسرائيل»، بتأسيس جماعة هاشومير الحارس قبل عام 1948 وضع شعاراً لها: «بالدم والنار سقطت يهودا، وبالدم والنار ستقوم يهودا».

وكانت العصابات المسلحة الصهيونية مثل الهاغانا وشتيرن واتسل تقوم أثناء هجومها على القرى العربية في فلسطين بوضع شحنات ناسفة حول المنازل المبنية بالحجارة، وتبليل إطارات النوافذ والأبواب بالبنزين، وبمجرد أن يتم تنفيذ هذه الخطوة التحضيرية، يتم إطلاق نيران الأسلحة الرشاشة، وفي الوقت نفسه ينفجر الديناميت ويحرق السكان النائمين حتى الموت .

أليس هو نفسه الأسلوب الذي اتبعته المنظمات الإرهابية على مساحة العراق وسورية ومصر؟ أليس شبيهاً بتبادل الدمار في ليبيا وأيضاً تمهيد العراق بالنار؟ «لولا النصر في دير ياسين لما كانت هناك دولة إسرائيل»، على حدّ قول مناحيم بيغن.

وحول شريعة قتل الأغيار يقول د ٠ إسرائيل شاحاك في كتاب أصدره عام 1994 تحت عنوان «التاريخ اليهودي والديانة اليهودية»: «إنّ أهم ما يثير انتباه قارئ التوراة هو عدد المرات التي يذكر فيها بأنّ الله نفسه يأمر أطفال إسرائيل بعدم ترك أي واحد غير يهودي حياً على أرض إسرائيل».

كما أنّ الأنموذج يبدو واضحاً في سفر التثنية من الأصحاح 20، الذي يتحدث عن أنّ النبي موسى أصدر تعليماته التي تقضي بأنه في حالة المدن البعيدة التي لا تقبل الخضوع، والتي انتصر عليها أبناء «إسرائيل»، فقط جميع ذكورها سيتم قتلهم.

وفي المسؤولية «الإسرائيلية» الأيدولوجية والأخلاقية عن كلّ ما يجري ما تضمنه سفر العدد عندما لام النبي موسى جيش «إسرائيل»، لأنه ترك الأطفال الذكور والنساء المتزوجات على قيد الحياة ثم أنه ألقى بهذا الأمر بعد ذلك: فالآن اقتلوا كلّ ذكر من الأطفال كما ورد ذلك في الأصحاح 31 من الآيات 13 ـ 18 .

الإبادة الجماعية تفسير لثقافة القتل على مساحة المشروع «الإسرائيلي»

إنّ عمليات الإبادة الجماعية التي قام ويقوم بها الإرهاب هي تعبير عن مرض يهودي وتفسير لثقافة القتل على مساحة المشروع أو على الحدود المفتوحة للمشروع ـ مشروع «إسرائيل» ـ فما هي هذه الحدود؟ إنّ مدرسة الأدنويين من الحاخامات في تفسير التوراة ترى أنّ وادي العريش وسط سيناء، يشكل الحدود الجنوبية لأرض «إسرائيل» ومن الشرق نهر الأردن ويصعد أحياناً نحو الشمال حتى مدرسة الإسكندرون. أما مدرسة الأقصويين الأكثر كرماً فترى أنّ الحدود الجنوبية يرسمها ـ أحياناً ـ أحد فرعي نهر النيل وأحياناً مجراه الرئيسي حتى القاهرة تقريباً. وتقع الحدود الشرقية داخل السعودية، ومن ثم فإنّ الأردن يصبح قلب «إسرائيل»، وكثيراً ما تقضم الحدود الشمالية الشرقية جزءاً كبيراً من العراق، وأحياناً تبتلع الكويت وتلتف الحدود الشمالية حول سورية برمتها وتتقدم إلى عمق تركيا فتشمل بالطبع لبنان وسورية والأردن. وعلى هذا الأساس، فإنّ المؤمنين بتلك الحدود يتطلعون إلى يوم يطردون السكان من كلّ تلك البلاد كحد أدنى ويعتبرون ذلك حلاً إنسانياً للغاية، لأنّ البديل عندهم هو قتلهم وإبادتهم !

أما المفاجأة الحقيقية في تلك الجغرافية المقدسة فإنها تكمن في الحدود الغربية حيث تصبح قبرص جزءاً لا يتجزأ من أرض «إسرائيل» ويضيف إليها بعض الحاخامات النافذين من مدرسة الأقصويين جزر البحر المتوسط كصقلية وسردينيا.

إنّ وجهة النظر «الإسرائيلية» لا تعتبر المجزرة جريمة حرب وأنها وسيلة غايتها القتل بقصد التهجير وتفريغ الأرض واستيطانها. وهكذا فإنّ المجازر تتم في سياق التمهيد التدريجي لتفريغ مساحات المشروع من سكانهم.

يقول بوديا سيغال: جئنا إلى هذه الأرض لنرثها لأنها أرضنا، لا أرض مئات الألوف من العرب الذين يعيشون فيها كالورم الخبيث ـ كالورم السرطاني في قلب الدولة.

تعالوا نتذكر: ألم يقتل «الإسرائيليون» الأسرى المصريين أيام حرب الأيام الستة؟ يقول أوري أفنيري في معاريف 21 /8 / 1995: «ينبغي فوراً كسر الصمت حول اغتيال أسرى الحرب..»

ويضيف: «وخلال حرب الأيام الستة علمت أنّ مذبحة جماعية قد ارتكبت بحقّ أسرى وجنود مصريين غير مسلحين، كانوا يحتضرون من الظمأ بعد أن تاهوا في الصحراء أثناء محاولتهم الفاشلة للوصول ثانية إلى مصر».

ويقول أفنيري في مكان آخر: «فوراً بعد انتهاء حرب سيناء 1956، علمت أنّ الكتيبة التي يقودها رفائيل إيتان قامت بارتكاب مجزرة بحقّ مئات الجنود المصريين الذين طلبوا الاستسلام، بعد أن كان بعضهم يعاني من الظمأ في المنطقة الواقعة بين الطور وشرم الشيخ».

ويكشف أفنيري: «بعد انتهاء الحرب علمت أنّ عمليات قتل منظمة مورِست ضدّ اللاجئين الذين عبروا جسر الأردن متجهين شرقاً أثناء الحرب وحاولوا العودة».

جرائم «إسرائيلية» وإرهابية طبق الأصل

في الأمثلة عن الجرائم «الإسرائيلية» في فلسطين ولبنان وعلى مختلف الحدود مع المشروع «الإسرائيلي» الكثير التي تتطابق مع الجرائم الإرهابية التي ارتكبت حتى المذبحة في مسجد الروضة في سيناء ومنها على سبيل المثال وليس الحصر:

ـ مجزرة دير ياسين بتاريخ 9 نيسان 1948 والتي تأخذ مكان الرمز للمرحلة التي أنتجت نكبة فلسطين فيما تأخذ مجزرة بحر البقر مصر بتاريخ 8 نيسان 1970 استشهد خلالها 56 طفلا ًمكان الرمز لمرحلة السبعينات وتأخذ مجزرة صبرا وشاتيلا لبنان مكان الرمز لمرحلة الثمانينات ومجزرة قانا لبنان مكان الرمز لمرحلة التسعينات والمجازر «الإسرائيلية» التي تسببت بها الحروب «الإسرائيلية» ضدّ غزة ومجزرة قانا الثانية خلال الحرب «الإسرائيلية» ضد لبنان عام 2006 مكان الرمز للمرحلة الممتدة من مطلع الألفية الثانية حتى 2015 وبعد ذلك ورغم استمرار عمليات القتل والتصفية ومن الأمثلة.

ـ في 6 تموز 1936 قتلت قنبلة «إسرائيلية» أكثر من 21 مدنياً وجرحت 52 في سوق حيفا.

ـ في 9 نيسان 1948 ارتكبت العصابات الصهيونية مذبحة في دير ياسين قتلت 250 رجل وامرأة.

وقد نفذت العصابات الصهيونية عام 1955 نحو869 اعتداء و1956 نحو1146 وعام 1957 نحو1130 اعتداء، وبالإضافة إلى اعتداءاتها هدمت العصابات الصهيونية مئات البلدات والقرى والدساكر وشردت أهلها.

ـ مجزرة كفرقاسم في اليوم الأول من حرب سيناء وقد ارتكب الجنود «الإسرائليون» مجزرة فظيعة حيث اعدموا رمياً بالرصاص 48 مدنياً بينهم 10 أولاد وعدد من النسوة ثم أغمدوا الحراب في أجساد مدنيين آخرين.

وأيام العدوان الثلاثي على مصر وقعت جرائم «إسرائيلية» جماعية بدايتها اغتيال عمال تراحيل مصريين كانوا يقيمون في خيمتين قرب ممر متلا ثم اغتيال ركاب تكدسوا في شاحنة في رأس سدرا 40 – 50 شخصاً. وفي 4 / 11 1956 شوهدت العشرات من جثث الجنود المصريين متروكة على جانبي الطريق إلى شرم الشيخ وتقول المعلومات إنّ جنود المظليين «الإسرائليين» أحصوا 168 جثة تعود لجنود مصريين قتلوا رمياً بالرصاص وهم يهربون بلا قتال.

خلال عدوان 1967 أقدم الجيش «الإسرائيلي» على تدمير 80 في المئة من مدينة القنيطرة كما هدم 17 قرية وشهد قطاع غزة والضفة الغربية أعمال قتل ونهب وتدمير واسعة نحو950 شهيداً في الضفة الغربية وحدها ، كما تؤكد المصادر إعدام نحو900 جندي وكشفت إحدى البعثات الاستكشافية العثور على مقبرتين جماعيتين لأسرى حرب مصريين عزل قتلوا برصاص «الإسرائيليين» وتحدث شهود عيان عن مقتل ما يزيد عن 3000 جندي مصري عزل في منتصف شهر آب 1967 كما جرت تصفية 100 من الأسرى خلف فندق السلام في الشيخ زويد وكشف مواطنون في سيناء عن ارتكاب «الإسرائيليين» مجازر جماعية داخل مخابئ وخنادق موجودة تحت الأرض في مطار العريش عبر إطلاق النار على مدنيين جمعوا من المنازل، إضافة إلى وجود مقابر جماعية في المنطقة وسط أشجار النخيل.

ومنذ الخامس من حزيران67 إلى اليوم، تواصل «إسرائيل» القصف والنسف والتدمير الممنهج للبيوت في قطاع غزة ومخيماته، وفي السياق نفسه ارتكب سلاح الجو «الإسرائيلي» عشرات المجازر في الأردن السلط، العقبة، تل ترحبيل، وادي الأردن والزار في الكرك، وذلك في منظقة ميسلون السورية وفي مختلف المناطق اللبنانية بما فيها العاصمة اللبنانية الفاكهاني وفي مصر منطقة أبوزعبل، المنصورة، مدرسة بحر البقر، بور سعيد 8000 طن من المتفجرات .

وفي 8/10/1990، ارتكبت قوات الاحتلال مجزرة في الحرم القدسي الشريف.

وقد ارتكبت القوات «الإسرائيلية» مجازر على التوالي في: صلحة في الجليل الفلسطيني 1948 ، حولا جنوب لبنان 1948 ، مختلف البلدات والقرى الحدودية اللبنانية والمخيمات الفلسطينية ، حانين، بنت جبيل في جنوب لبنان 1976 ، العباسية، عدلون، الأوزاعي، راشيا الفحار، الخيام، حداثا، كونين، وبالإضافة إلى ما تقدم من جرائم، اسخدمت القوات «الإسرائيلية» الأسلحة الفتاكة والمحرمة دولياً مثل قنابل النابلم والمسمارية وقنابل الكانستر والفراغية.

يذكر أنّ قوات الاحتلال ارتكبت، إضافة إلى نتائج الاعتداءات، عدداً من جرائم الحرب خلال اجتياحتها لجنوب لبنان في أعوام 1973، 1978، 1982، 1993، 1996 و2006 والجرائم الإرهابية الجارية والتي جرت متشابهة ومنسوخة عن حمامات الدم «الإسرائيلية» التي ارتكبت خلال الاجتياحات والاعتداءات اليومية، خصوصاً على البقاع الغربي وضمناً العرقوب. وقد أوقع الاجتياح «الإسرائيلي» عام 1982 حوالي 73 ألف شهيد وجريح من اللبنانيين والفلسطينيين ودمر 33 مدينة وقرية و16 مخيماً واتصف عام 1985 بأنه عام المجازر «الإسرائيلية» في برج رحال، دير قانون، طيردبا، بدياس، عربصاليم، صير الغربية، معركة، بئر العبد تفجير سيارة مفخخة ، الزرارية، النبطية، معروب، إقليم التفاح، الدوير، جباع، كوثرية السياد، بنت جبيل، عيناثا، ياطر، شقرا، صفد، قبريخا، مجدل سلم، برعشيت.. وكلّ الجنوب.

وفي العام 1993 سقط عشرات الشهداء والجرحى خلال غارات جوية على مخيم البداوي و30 غارة على مدينة النبطية والمنصوري ولبايا في البقاع والغربي. وفي العام 1994 شهدت بلدة دير الزهراني مجزرة جوية. وعام 1996 شهد العالم مجزرة قانا التي وقعت جراء القصف «الإسرائيلي» بقذائف «هاوتزر» مسمارية وحارقة على معسكر دولي التجأ إليه الأهالي وهو معسكر تابع تابع لقوات «يونيفيل» ويرفع علم الأمم المتحدة. وقد أدت هذه المجزرة إلى استشهاد 105 جلهم من الأطفال.

ثم انتقل الجهد «الإسرائيلي» إلى الضفة الغربية التي جرى اجتياحها وعملياً احتلالها مجدّداً بالترافق مع قمة بيروت العربية وخطة السلام العربية وإلى التدمير المُمَنهج لقطاع غزة الذي شهد منذ مطلع الألفية الثالثة ثلاث حروب «إسرائيلية». وفي العام 2006 عادت «إسرائيل» إلى سيرتها اللبنانية وفشلت رغم الضحايا والتدمير والتشريد ورغم نشر نحو مليون ونصف مليون قنبلة عنقودية على الأراضي اللنانية في تحقيق أي من أهدافها.

وقد ارتاحت «إسرائيل» فيما بعد إلى ما وصف بالربيع العربي وأوقعت العراق وسورية ومصر تحت عناوين التغيير والإصلاح الشعارات التي شكلت قناعاً للعمل الإرهابي المسلح الجاري والذي فشل قي ترسيم وتثبيت دولته في أرض العراق وسورية واستمر بعض الوقت في الاحتفاظ بقواعده في السلسة الشرقية من جبال لبنان، مع الإشارة إلى أنّ خسارة «داعش» ومعه التنظيمات المسلحة الأخرى الحرب المباشرة لا تعني نهاية الحرب ذلك لأنّ مجموعات كبيرة من المسلحين لا تزال تحتمي بـ»إسرائيل» في منطقة الجولان ـ وهي المجموعات التي ستضغط «إسرائيل» بواسطتها على السلام السوري ـ فيما تنتشر مجموعات أخرى في وادي حوران ووادي الغدر والذي كان يضم مواقع معسكرات كبرى لجيش صدام حسين.

ـ في مقاربة الوسائل غير النظامية التي اتبعتها العصابات «الإسرائيلية» وأساليب الجيش النظامي وكرة النار التي استخدمها هذا الجيش، باستثناء الحرب الجوية التي تتخذ عنوان النسر مقابل الثعبان ، في مقاربة لتلك الخطط والأساليب والوسائل مع تلك التي ينفذها الإرهاب، باستثاء عمليات التفجير بالمفخخات والانغماسيين، فإنها تبدوعمليات طبق الأصل. ففي مقارنة بين العملية الإرهابية التي وقعت في سيناء مع مجزرة صبرا وشاتيلا التي نفذتها ميليشيات مدعومة «إسرائيلياً» والعملية الإرهابية التي وقعت في بشكمطاش في تركيا بتاريخ في 1/1/2017 وتفجير بورصة في 27/2/2016 نفس المشاهد الدموية والطريقة والأسلوب. فحسب الوصف «الإسرائيلي» في صبرا وشاتيلا بدأت المذبحة وفي ساعاتها الأولى قتل المسلحون مئات الأشخاص وكانوا يطلقون النار على كل ما يتحرك في الأزقة وقد حطموا أبواب المنازل وصفوا أُسراً بأكملها كانت تتناول العشاء. وقد قتل بعض الأهالي في أسِرّتِهم في لباس النوم، ووجد في العديد من المساكن أطفال في الثالثة أو الرابعة من العمر كانوا أيضاً في لباس النوم، تغطيهم بطانيات ملطخة بالدماء .. في حالات عديدة، كان المعتدون يبترون أعضاء ضحاياهم قبل القضاء عليهم، وكانوا يسحقون رؤوس الأطفال والرضع على الجدران، نساء وصبايا، اغتصبن قبل أن يُذبحن بالبلطات. أحياناً، كان الرجال يجرون من بيوتهم ليعدموا جماعياً وعلى عجل في الشارع بالبلطة والسكين.. وهذه المجزرة تمّت بتدبير وتسهيل من الجيش «الإسرائيلي»، وبإشراف من وزير الدفاع أرييل شارون ورئيس الأركان رافائيل إيتان، والشيء نفسه ينطبق على مجزرة قانا حيث يتساءل الصحافي «الإسرائيلي» أرييه شافيت: «كيف قتلناهم بسهولة من دون أن تذرف دمعة واحدة ومن دون أن تشكل لجنة تحقيق، ومن دون أن تملأ الشوارع التظاهرات»؟ ويتابع شافيت: «خلافاً لصبرا وشاتيلا لم نكلف رئيس المحكمة العليا التحقيق في الوقائع، وخلافاً لمذبحة الحرم الإبراهيمي لم نرسل إلى الصحف أسماء الضحايا وصورهم فمن المهم جداً أن يبقوا أشخاصاً ـ ضحايا قاناـ بلا وجوه وبلا أسماء وأن يبقوا غير حقيقيين بل من عالم آخر .

هذه بعض المشاهد الدموية «الإسرائيلية» والمشاهد الإرهابية خلال هجوم بنقردان في تونس بتاريخ 7/ 3/2016 تحت ستار تشكيل إمارة إسلامية تمثل تطابقاً في أساليب العصابات وقوات الكوماندوس «الإسرائيلية» وكذلك في صورة المشهد الإرهابي وعرس الدم الذي خلفه الإرهاب في المجزرة التي ارتكبت في مسجد الروضة في سيناء، كما أنّ الهجمات التي استهدفت أوروبا بواسطة مجموعات صغيرة أو ذئاب منفردة، إنما تسير على نفس نهج المدرسة «الإسرائيلية» في القتل !

لا بد من الانتباه إلى المسافة الجغرافية والهدف السياسي بين جريمة تفجير نفق منظمة الجهاد الإسلامي في رفح وعملية الإرهابيين في سيناء، إذ يبدو أن كلا العملين يمثلان شُبْهة جغرافية، إضافة إلى ما يثيراه من شبهه التوقيت المتزامن والأسئلة. فهل تريد هذه العمليات الانتقام من الأدوار المصرية الجارية لإجراء مصالحة فلسطينية والأدوار الساعية إلى تثبيت مناطق خفض التوتر في سورية أو الأدوار المصرية الجديدة لتثبيت الاستقرار السياسي والأمني والنقدي في لبنان؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى