الاغتراب عن الذات أهمّ أسباب تدمير سورية

الاغتراب عن الذات أهمّ أسباب تدمير سورية

لست من عشّاق السياسة ولا محلّليها، ولكنني، منذ بداية الأزمة على سورية حتى بوادر النصر التي سطّرها جيشنا السوري ولم يزل حتى اليوم، وأنا على استمرارية بمتابعة رحلتي البحثية الدائمة الغوص في أساليب الإدارة الحديثة من جهة ومكنونات علم النفس والذات والسلوكيّات والشخصية من جهة ثانية، وما زال يستوقفني إبحاري عند أي جواب قريب من المنطق والإقناع حول ماهية الأسباب الكامنة وراء هذه الحرب التي بدأت كمؤامرة على سورية بأدواتٍ داخلية.

فراودتني دوماً هذه الأسئلة ماذا لو أنّ البعض قد عانوا من حالة اغتراب عن الذات في بداية الحرب التي أعتبرها أحد أهم العوامل التي ساعدت الصهيو ـ أميركية في نسج خيوط مؤامرتها واللعب على أوتارها لدى البعض ممن استُخدموا كأدوات في بداية الحرب على سورية ، وماذا نسمّي الحالة العامّة اليوم؟ هل زال الاغتراب عن الذات أم بات الاغتراب عن المجتمعات؟ وإلى أين ستأخذنا الأيام؟ هل ثمة عينٍ ما تسلّط نورها على هذه الظاهرة لتقلّص من تفشيها؟ ثم، من المسؤول؟

يُستخدم مفهوم الاغتراب لوصف أزمة الإنسان في اغترابه عن ذاته وتحليل الشخصية الاجتماعية وانفصالها عن الآخر سواء كان الآخر عملاً أو شيئاً أو شخصاً أو مجتمعاً.

قد تحدث نتيجة ضغوطاً اجتماعيةً وتنشئة اجتماعية غير ملائمة، والسلوك المرضي في الفردية.

يبيّن الاغتراب انعزال الإنسان المعاصر بطريقة لم تحدث من قبل فيصبح كالنكرة، لا يتمتّع بشخصية مميزة، منفصل عن القيم، لا يثق بالقوانين الاجتماعية، كما لا يثق بالآخرين ولا حتى بنفسه. دائم الشعور بالتوتّر والوحدة، لا يكترث لمن حوله، سيمته تتجلّى في اللامبالاة والسلبية ومقاومة السلطة، يعاني من نقصٍ في التعلّق بالقيم والرموز والأخلاق والعادات التقليدية.

يخيّم عليه الشعور بالضياع ووجود فجوة بينه وبين مجتمعه، إلى أن أضحى الاغتراب عنده أسلوب حياة، يجعله ينبذ كلّ الثقافات حوله. كما يحاول التحرّر من الضغوطات والقيود الفعلية التي تواجهه فيتخبّط في تصرفاته ويصل إلى أن لا يجد معنى لحياته.

هذا الفقدان يترك داخل الشخص معايير متصارعة، فيشعر بالعجز خصوصاً عندما لا يجد الجزاء المتوقّع من أعماله وأفكاره وآرائه، فيغترب عن عمله ونفسه، ليرى نفسه غير جدير بالثقة، فينتابه إحساس النقص ويبدأ اعتماده على الآخرين ليمنحوه الشعور بالهويّة.

إلى جاتب كلّ ذلك تخفّ قدرته في التعبير عن ذاته من خلال عمله، وشعوره بفقدان مكانته يؤديان إلى عدم رضاه، الأمر الذي يجعله يعاني من حياة فُرضت عليه فيجد نفسه لا يعيش فيها ولا يفكر فيها ولا يتوقّعها، لأنه لا يجد نفسه فيها إلّا مكبّلاً.

كل ذلك ينعكس ليقلّل من كفاءته وفعاليته ويزيد من سلبيته ويفقده طموحه وحماسته وينحى به ليتخلّى عن مسؤولياته ومبادراته ويجمّد قدراته وأفعاله.

وتراودني أخيراًً أسئلة أخرى هل تُعتبر ظاهرة الاغتراب ظاهرة سلبية أم إيجابية؟ وما هي معاناة المجتمع الذي يعاني هذه الظاهرة؟ وإنّ كانت كيف يمكن استئصالها؟ هل تكفي إرادة الوجود وإرادة العطاء عند الإنسان للقضاء عليها؟ ومن المسؤول عن الشعور بتحقيق الذات وتحقيق الهوية؟

ريم شيخ حمدان

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى