موسكو وطهران: لا صفقات ثنائية مع أميركا وإطار التعاون الأمم المتحدة واشنطن: تسليم كوباني للبرزاني وأنقرة ترضخ… والنووي الإيراني يتقدم
كتب المحرر السياسي:
إذا كانت واشنطن قد عدّلت الكثير من منهجية تعاملها مع موسكو وطهران، وتنازلت من برجها العاجي وتعجرفها، وبدأت تقترب من تفكير واقعي يسلّم بفشل مشاريعها لمواجهة التحديات الدولية والإقليمية بالاكتفاء بالاستناد إلى قدراتها وقدرات حلفائها، وإذا كانت خصوصاً بعد ظهور «داعش» والتحديات التي حملتها مخاطر غياب جهة قادرة على المواجهة البرية من بين هؤلاء الحلفاء، تدرك أنّ ما تقوله عن «معارضة معتدلة» في سورية يمكن الرهان عليها هو مجرّد فانتازيا، وتدرك أنّ تركيا تخادع، وأنّ مشروع «داعش» هو الخلافة المصغرة التي يريد رجب أردوغان مقايضتها بالخلافة الأكبر، وتدرك أنّ السعودية هُزمت عسكرياً أمام الحوثيين قبل سنتين وطاردوا جيشها داخل الحدود السعودية، وهُزمت سياسياً وشعبياً بانتفاضتهم قبل أسابيع، وتسميتهم رئيساً للحكومة يناسبهم بعد إسقاط مرشح السعودية، وإذا كانت تعرف أكثر من غيرها أنّ «إسرائيل» صارت كياناً غير صالح للحروب، فإنّ تجارب الانخراط الثنائي مع واشنطن لا تطمئن ولا تبشر بخير، ففي اللحظة التي ترتفع سكين الخطر عن الرقبة الأميركية يبدأ الانقلاب، بحثاً عن الانفراد مجدّداً والعودة للمشاريع الاستعمارية النائمة، هذه هي الخلاصة التي توصّل إليها الدبلوماسيون الروس والإيرانيون الذين تشاوروا لتقييم العروض الثنائية التي وصلت إلى كليهما من واشنطن، كما عرضها لـ«البناء» مصدر واسع الإطلاع في طهران.
في مضمون الخلاصة أنّ موقف واشنطن من الرئيس بشار الأسد يجب أن يبقى المعيار الرئيسي، لصدق الاستعداد لعلاقات تعاونية، فما يقوله الأميركيون سراً لا يختلف عما يعتقده الروس والإيرانيون، لكن ما يقولونه علناً يتخطى حدود مجرّد مسايرتهم وإرضاء حلفائهم الذين يصفونهم بالعجزة والأغبياء، فلماذا يسايرونهم إلى درجة خلق مناخات سياسية تكاد توحي أنّ الحرب على سورية ستتمّ غداً، إنْ لم يكن في الأمر خداع؟
في مضمون الخلاصة أيضاً أن التعاون الثنائي في الشؤون الثنائية أمر طبيعي، مثل قضيتي الملف النووي الإيراني، وأوكرانيا، حيث تقود واشنطن الحلف الغربي الذي يسعى إلى إلحاق الأذى بالمصالح الروسية والإيرانية، والطبيعي أن يدور الحوار الثنائي للوصول إلى قواسم مشتركة، طالما معادلة الغرب لا تزال، إذا اتفقت مع واشنطن فلا داعي لإضاعة الوقت مع سواها، لكن في قضايا دولية وإقليمية كبرى كقضية الحرب على الإرهاب فلا يؤتمن جانب واشنطن في الثنائيات، التي تبقى أطراً للمناورات، على ضفة روسيا مرة بداعي تبادل المعلومات الاستخبارية، وعلى ضفة إيران مرة، بعنوان تسليح وتدريب الجيش العراقي، بينما في سورية تبقى واشنطن سنداً للتخريب.
قرّرت موسكو وطهران وفقاً للمصدر الإيراني الواسع الإطلاع، تقديم جواب موحد حول التعاون في الحرب على الإرهاب، التنسيق في قضية دولية خطيرة ومصيرية، تمسّ الأمن والسلم الدوليين كقضية مكافحة الإرهاب، تحتاج أطراً قانونية، وتعاوناً شاملاً، وتطاول سيادة الدول، يجب أن تكون الأمم المتحدة ومجلس الأمن الإطار الحصري للأحلاف.
يتزامن هذا الموقف مع تقدم المفاوضات حول الملف النووي الإيراني، بتعاون وتنسيق روسي ـ إيراني، حيث جرى تخطي العقبة الوحيدة التي كانت متبقية في الملف وتتعلق بعدد أجهزة الطرد المركزي التي ستشغّلها إيران، التي كانت تطلب تشغيل 7500 جهاز بينما تتراوح الموافقة الأوروبية والأميركية بين 3000 و4000 جهاز فقط، وتقدمت روسيا بمقترح جعل العدد 5000 حتى عام 2021 موعد نهاية التزام موسكو بتوريد الوقود النووي لإيران، فيرتفع العدد إلى 8000 جهاز ويبدو أنّ المقترح الروسي يقترب من التحوّل إلى أساس للتفاهم النهائي.
على الجبهة الأوكرانية اختار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، التصعيد على العقوبات بحق بلاده واعتبارها عدواناً، لا يتناسب مع لغة الحديث الأميركي عن طلب التعاون لبلورة حلّ سياسي بين الأطراف المتنازعة هناك.
تبقى قضية الحرب على «داعش»، مع الموقف الروسي ـ الإيراني، حيث بقيت واشنطن مضطرة إلى تقليع شوكها بأيديها، فكان التطور الأبرز، هو تسليم المواجهة دفاعاً عن كوباني للبيشمركة التي يقودها حليف واشنطن مسعود البرزاني، بعدما ترك الأكراد السوريون يستنزفون لأشهر ويفقدون الكثير من أسباب القوة، لأنهم ليسوا جزءاً من الروزنامة التركية أو «الإسرائيلية» أو الأميركية، وليسوا جزءاً عضوياً من الحرب على دولتهم وجيشهم، وحدود برنامجهم حلّ سياسي يمنح المناطق الكردية خصوصية إدارية وثقافية معينة.
في الحرب على «داعش» وخطر الإرهاب، لبنان في قلب الحرب، سواء بالمخاطر المتجدّدة كلّ يوم، أو بمصير العسكريين المخطوفين.
قضية العسكريين الحاضر اليومي، حضرت على طاولة مجلس الوزراء، وجرى الحديث عن مؤشرات إيجابية خلال اثنتين وسبعين ساعة، لكن الأبرز هو ما تناهي إلى مسامع المسؤولين عشية سفر وزير الدفاع سمير مقبل إلى طهران، أنّ الفيتو الأميركي على الهبة الإيرانية للجيش اللبناني، يطاول بصورة رئيسية صواريخ «التاو» المضادة للدروع، والتي تشكل خطراً على الدبابات «الإسرائيلية» إذا صارت بحوزة الجيش اللبناني، ولا قلق من وصول هذه الأسلحة إلى يد حزب الله الذي يملك ما هو أشدّ كفاءة منها، من صواريخ الكورنيت بأجيالها الثالثة والرابعة، وأنه إذا جرى تجنّب تضمين الهبة صواريخ «التاو» وبعض الأجهزة الإلكترونية فربما يتسهّل الموقف الأميركي.
على ضفة أخرى كان المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا يلتقي نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، طالباً باسم الأمم المتحدة للمرة الأولى مساعدة حزب الله في الحلّ السياسي للأزمة السورية.
لم تحمل الساعات الأربع والعشرين الماضية جديداً في ملف العسكريين المخطوفين باستثناء تطمينات بعدم قتلهم، فيما أطلق المبعوث الأممي الخاص لسورية ستيفان دي ميستورا مواقف في بيروت شدد فيها على الاهتمام الدولي باستقرار لبنان الذي يستدعي استقراراً في محيطه السياسي وتحديداً في سورية.
وكان موضوع المخطوفين أخذ الحيّز الأكبر من جلسة مجلس الوزراء التي عقدت في السراي الحكومية أمس برئاسة رئيس الحكومة تمام سلام. وأوضح مصدر وزاري لـ«البناء» أن سلام الذي أبدى تفاؤلاً بحصول ايجابيات في وقت قريب تحدث عن تراجع الوساطات الخارجية، مشيراً إلى أن «خلية الأزمة» هي التي تتولى متابعة الموضوع بطرق غير مباشرة مع المسلحين. وأكد المصدر أن الأمر الوحيد الذي تم التوصل إليه وتبلغه سلام عبر الوسطاء، هو عدم تصفية المجموعات المسلحة العسكريين المخطوفين.
وعلمت البناء «أن أهالي العسكريين تبلغوا من الأمين العام للهيئة العليا للإغاثة اللواء محمد خير الذي التقوه أمس، أن أخباراً جيدة تنتظرهم خلال مهلة 72 ساعة، على رغم تأكيد وزير الصحة وائل أبو فاعور «أن لا جديد في هذا الملف»، لكنه أشار في المقابل إلى «أن الدولة جدية وجادة وتريد مفاوضات منطقية، وهناك أكثر من خط اتصالات».
دي ميستورا: الاستقرار في لبنان مهم
ووسط التوترات الأمنية في لبنان والأوضاع المضطربة في المنطقة، ربط المبعوث الأممي الخاص لسورية ستيفان دي ميستورا الاستقرار في لبنان بمحيطه. وأشار الموفد الدولي الذي التقى سلام ووزير الخارجية جبران باسيل والنائب وليد جنبلاط ونائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، إلى أن «المجتمع الدولي قلق جداً حول استقرار لبنان الذي يدفع ثمناً باهظاً على حدوده نتيجة الصراع المستمر في سورية»، مؤكداً أن «المجتمع الدولي يقف بشدة إلى جانب لبنان ويثق أنه سيستطيع تجاوز هذه المرحلة». واعتبر «أن استقرار لبنان مهم جداً للمنطقة والمجتمع الدولي، وهذا يعني أن المحيط السياسي في لبنان يجب أن يكون مستقراً، والامتحان سيكون في مواجهة مرحلة مصيرية تؤدي إلى حل سياسي في سورية». كما أكد وجوب مساعدة لبنان لمواجهة أزمة النازحين «الصعبة» من ناحية أعدادهم وتجمعهم.
من جهته، أكد الشيخ قاسم خلال لقائه دي ميستورا أن «الحل الوحيد المتاح في سورية هو الحل السياسي بعيداً من الشروط المسبقة وعدم تجاوز الأطراف الفاعلين والمؤثرين في مثل هذا الحل»، لافتاً إلى أن «على الجميع أن يتوقعوا تنازلات مؤلمة في هذا الإطار، لكنه الحل الوحيد المتاح ولا حلَّ غيره».
وفيما أشار دي ميستورا إلى أن «زيارته لحزب الله والشيخ قاسم تأتي في إطار التشاور لأهمية التواصل مع كل الأطراف التي يمكن أن تساعد على الحل في المنطقة خصوصاً في سورية، أكدت مصادر حزب الله لـ«البناء» أن اللقاء كان جيداً. وأشارت إلى أن المبعوث الأممي استمع إلى وجهة نظر الحزب حيال الأحداث في سورية منذ بدايتها بتظاهرات مطالبة بإصلاحات استجاب لها الرئيس بشار الأسد، ثم انتقالها إلى عصابات مسلحة وصولاً إلى طور الإرهاب. وأوضحت المصادر أن دي ميستورا استمع إلى وجهة نظر حزب الله التي تقول إنه لا يمكن الوصول إلى تسوية في سورية من دون الحل السياسي، وإن هناك خطراً كبيراً يستدعي من الدول التوصل إلى هذا الحل.
زيارة مقبل الإيرانية استطلاعية
على خط آخر، يتوجه وزير الدفاع الوطني سمير مقبل برفقة ضابطين من الجيش اللبناني نهاية الأسبوع إلى إيران للقاء عدد من المسؤولين في طهران من بينهم نظيره حسين دهقان للتشاور في شؤون مشتركة، من بينها الهبة الإيرانية للجيش التي أعلن عنها الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني خلال زيارته الأخيرة إلى بيروت.
وأكدت مصادر مطلعة لـ«البناء «أن زيارة مقبل استطلاعية فقط للتحقق من ماهية العرض، خصوصاً أن السفارة الإيرانية في لبنان قدمت لمقبل لائحة بالأسلحة التي تنوي الجمهورية الإسلامية تقديمها للبنان وهي تتضمّن أسلحة رشاشة خفيفة ومتوسطة، صواريخ «تاو» مع القواذف المخصصة لها، مدافع الهاون، مدافع ميدان، وذخائر لكل الأسلحة». وأكدت المصادر «أنّ الهبة الإيرانية لم ترفض حتى الساعة إلا أنّ الأجواء غير مطمئنة، لا سيما أنه تمّ الاتفاق خلال لقاء سلام – شمخاني على أن يذهب وزير الدفاع إلى طهران للتوقيع والإتيان بالسلاح، إلا أنّ الأمور تبدّلت بسبب الضغط الأميركي، وتحوّلت زيارة مقبل إلى استطلاعية تمهيداً لرفع تقريره إلى الحكومة حول العرض الذي من المرجح أن لا يحظى بإجماع الحكومة لأسباب سياسية وإقليمية ودولية».
نقل النازحين من عرسال إلى البقاع الأوسط
في مجال آخر، أشار مصدر مطلع لـ«البناء» إلى أنّ ما طرحه وزير الداخلية نهاد المشنوق في شأن النازحين في عرسال لم يكن يعني إنشاء مخيمات للنازحين، إنما نقل هؤلاء من عرسال إلى البقاع الأوسط لقناعته بأنهم سيكونون بمثابة مشكلة داخل البلدة لما يحضر لـ«عرسال 2». وأكد المصدر أن المشنوق تشاور في هذا الأمر مع الأفرقاء السياسيين، ولا سيما مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري وحزب الله و التيار الوطني الحر ، وجرى التوافق على ذلك.
وفي هذا السياق قدّر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أن «كلفة النازحين السوريين المباشرة وغير المباشرة على لبنان بنحو 7.5 مليار دولار في خلال عامين».
وذكر سلامة أنّ»المساهمات في صندوق البنك الدولي لدعم لبنان لا تتجاوز 30 مليون دولار»، مؤكداً أنه أجرى «اتصالات مع المسؤولين لجمع التبرّعات».
مصادر قضائية: الحجيري ينتمي إلى «النصرة «
في غضون ذلك، لا يزال مصطفى الحجيري أبو طاقية فاراً من وجه العدالة وكذلك شادي المولوي وأسامة منصور المطلوبين بدورهما إلى القضاء. وعلمت «البناء» من مصادر قضائية أنّ بحق الحجيري أكثر من عشرين بلاغ بحث وتحرّ في تهم لها علاقة بالانتماء أو التعاون مع مجموعات إرهابية. وتؤكد المصادر أنّ الحجيري الذي ينتمي إلى «جبهة النصرة» كان هو الأب الروحي لهذه المجموعات خلال وجودها في عرسال، وكان هو الذي يوزّع المال على المسلّحين وما زال حتى اليوم على تواصل عملاني مع هذه المجموعات، على رغم أنه يحاول تبرير هذا التواصل بأنه بطلب من الحكومة للتوسط لإطلاق العسكريين المخطوفين. كما أكدت المصادر أن نجل مصطفى الحجيري المدعو قتيبة والموقوف في سجن رومية شارك في القتال ضدّ الجيش في عرسال.
سجال بين زعيتر وباسيل
وبالعودة إلى الشأن الداخلي، شهدت جلسة مجلس الوزراء بحسب ما أبلغت مصادر وزارية «البناء» خلافاً بين وزير الأشغال العامة غازي زعيتر من جهة والوزير باسيل من جهة أخرى، على خلفية طلب زعيتر «تجزئة المشاريع وبسقف 4 مليارات ليرة لتنفيذها من دون العودة إلى أحد». واعتبر معظم الوزراء «أن ما يطلبه وزير الأشغال غير قانوني، ولا سيما في ظلّ ما يشكو منه النواب من عدم التوازن في الإنماء والصرف غير المتوازن»، إلا أنّ زعيتر قرّر عدم الردّ إلا على باسيل الذي أيّده وزير المال علي حسن خليل بأن سقف الـ4 مليارات غير قانوني من دون العودة إلى الحكومة. وعلى ضوء المشادة الكلامية قرّر رئيس الحكومة تأجيل البحث في الأمر إلى جلسة مقبلة.