شكران بلال: الفنّ التشكيلي السوري يملك هويّة متفرّدة

حاورها: محمد سمير طحّان

تعتبِر التشكيلية شكران بلال أنّ لوحتها كأحد أبنائها تربطها بها علاقة روحية، فلا تنفصل عنها وعن أحاسيسها ووجدانها، بما فيها من تكوين وترابط وقيم لونية لتعبّر خلالها عمّا يدور في خاطرها.

وللوقوف على تجربة التشكيلية بلال كان هذا الحوار معها.

لماذا اخترت الإنسان موضوعاً أساساً للوحتك وخصوصاً الأطفال والنساء؟

ـ الإنسان هو محور الحياة والوجود، المرأة والطفل يجسدان الاستمرارية في الحياة والوجود. كوني امرأة يجعلني أتحسّس مدى عطاء النساء اللا محدود من دون مقابل، بالتالي فإنني أراقب الأنثى التي طحنها الزمن بعاداته وتقاليده. أما الأطفال فإنهم في سنين الحرب على بلدنا لم يعرفوا معنى الطفولة ولم يعيشوها. لذلك كنت أراقبهم وأتحسّس معاناتهم فكانوا عناوين لبعض لوحاتي.

هل جاء اختيارك الأسلوب الواقعي لسهولة تسويق اللوحة أم لسبب آخر؟

ـ ألتقي بكلّ طبقات المجتمع المتنوعة ما يجعلني أعيش الواقع بكل تفاصيله وأدخل إلى دهاليز أفكار الناس وحياتهم، أدرس ما يفكّرون وكيف يعيشون والجماليات بداخلهم. أنحاز دائماً للتعابير الصادقة على وجه الإنسان من مشاعر الفرح والحزن من دون أي «رتوشات»، لذلك أحب المدرسة الواقعية بالأسلوب الانطباعي التعبيري، وأجد نفسي في داخله. كما أنني من الفنانين الذين لا يرغبون بتسويق لوحتهم بل أفضل أن أتركها إرثاً لأولادي وأحفادي لكوني قليلة الإنتاج.

كيف أثّرت الأزمة في عملك الفنّي من النواحي كافة؟

ـ في بداية الأزمة كنت منشغلة بعملي لأني مدرّسة مادة الرسم في «معهد حلب» و«كلّية الفنون التطبيقية»، فكانت أولوياتي تأمين مستلزمات الحياة. وكنّا نعيش في مدينة حلب كغيرنا بقلق وتوتر وحالة رعب يومية، من جرّاء القذائف التي كانت تنهمر على أحياء المدينة من قبل الإرهابيين. كنت في بعض الأوقات أحاول أن أمسك الريشة وأرسم، لكنني لم أرسم بما فيه الكفاية. وبعد تقاعدي من التدريس منذ ثلاث سنوات تركت مدينة حلب وسكنت في مسقط رأسي عفرين واستعدت بعض نشاطي الفنّي وتفرّغت له.

كيف أثّرت الأزمة برأيك في التشكيل في مدينة حلب… وكيف ترين واقع الحركة التشكيلية فيها اليوم؟

ـ كان للأزمة وقع أليم على الفنانين التشكيليين في مدينة حلب. إلّا أنّ القليلين منهم ظلّوا عاكفين على عملهم الفنّي ضمن مراسمهم. غالبيتهم دُمّرت بيوتهم ومراسمهم وسُرقت لوحاتهم وأُحرقت من قبل الإرهابيين، ما جعل كثيرين منهم يغادرون المدينة مرغمين. وتوقفت صالات العرض تماماً عن العمل. ولكن بعد إعادة الأمان إلى ربوع حلب، رجع غالبية الفنانين إلى العمل والإنتاج واستعادت الفعاليات والمعارض الفنّية نشاطها بقوّة وبتواتر جميل، لتعود مدينتنا إلى سابق عهدها وألقها.

كيف تقيمين واقع السوق الفنّية داخل سورية حالياً؟

ـ قبل الأزمة كانت حركة السوق الفنية نشطة، والاقتناء يحقّق مردوداً جيداً للفنان. إلّا أنّها توقّفت مع سنوات الحرب الإرهابية. عودتها إلى نشاطها تحتاج إلى بعض الوقت للتعافي وتحقيق الجودة في تقديم الأعمال الفنّية المعروضة، حتى تنال حظّها من الاقتناء.

كيف تقيّمين أداء وزارة الثقافة و«اتحاد التشكيليين» أثناء الأزمة في ما يخصّ الفنّ التشكيلي؟ وأين دور الصالات الخاصة؟

ـ وزارة الثقافة وافقت في بداية سنوات الأزمة على عرض أعمالي في «المركز الثقافي السوري» في باريس، الذي شهد مضايقات ومحاولات تعطيل من أفراد منخرطين في الحرب على سورية. أمّا داخل الوطن فالإرهاب عطّل كل شيء في حياتنا، وحاول اغتيال كلّ ما هو جميل في بلادنا، لذلك كان أداء فرع اتحاد التشكيليين في حلب متوقّفاً تماماً في السنوات الماضية بسبب الإرهاب لكنه بدأ بالانطلاق منذ تحرير المدينة، كما سيكون لانتصارات الجيش السوري في كل أرجاء سورية الأثر الأكبر في تعافي كل مفاصل الحياة في بلدنا.

هل ساعد وجود عدد من التشكيليين السوريين في الخارج في التعريف بالتشكيل السوري وتسويقه بشكلٍ أكبر؟

ـ الفنانون السوريون في الخارج يقدّمون اللوحة المرتبطة بالأرض والتراث والثقافة السورية، يبدعون في تقديم لوحاتهم التي تلاقي الترحيب في الأوساط الفنّية التي تقتنيها بأسعار عالية، هذا يساعد في إيصال صورة عن الفنّ السوري إلى العالم.

برأيك… هل يملك الفنّ التشكيليّ السوريّ هوية خاصّة به؟

ـ الفنّ السوري يملك هوية متفرّدة وخاصة به، فكلّ الفنانين السوريين يقدّمون اللوحة السورية بمدارسها واتجاهاتها، نشعر برائحة التراب السوري تنبعث من أعمالهم. إنّ سورية برجالها ونسائها وأطفالها وصمودهم في وجه الإرهاب وتمسّكهم بأرض الوطن من أساسيات اللوحة التي يقدّمها الفنان السوري أنّى حلّ.

هل ثمة فرق بين لوحة الفنانة الأنثى عن لوحة الفنان الرجل، وهل يختلف تقييمها من قبل الناقد أو الجمهور؟

ـ تبقى لوحة الأنثى مميّزة بمواضيعها ومفرداتها وألوانها فنرى الفنانة تعبّر دائماً عن مكنونات نفسها وما تعانيه من المحيط المجتمعي من خلال إحساسها وتبصّرها بمشاكل مجتمعها، وقدرتها أكثر من الرجل على اقتناصها وتحويلها إلى عمل فنّي، وبالتالي هي قادرة على إيجاد الجماليّات في لوحتها.

يذكر أنّ الفنانة شكران بلال هي من مواليد عفرين عام 1954، خرّيجة «معهد المدرّسين قسم الرسم»، وخرّيجة «مركز فتحي محمد للفنون التشكيلية» في حلب عام 1972، ولها عدد من المعارض الجماعية والفردية داخل سورية وخارجها، نالت جوائز عدّة. منتسبة إلى «الأكاديمية العالمية للفنون والعلوم والآداب» في باريس عام 2011.

«سانا»

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى