التشويه الخُلُقي: دول العائلة الحاكمة ودول الأيديولوجيا
د. رائد المصري
بهدوء، وبعيداً عن الاتهامات الجاهزة نتيجة الوقوف مع محور المقاومة والدّفاع عن مشروعه، والحرص بأن لا يُصيب إيران أيّ مكروه تفتيتيّ تدميري، حتى لو كان ذلك صعب التحقق وبعيداً عن التنفيذ، بما عرفناه وبما خبرناه عن هذه الدولة الداعمة لفلسطين، والرافعة علمها والمُثبّتة سفارتها في طهران بدلاً من السفارة الصهيونية أقلّه منذ عام 1979 بعد انتصار الثورة الإسلامية. وهنا نتحدّث عن أيديولوجيا الدولة الحاكمة واستراتيجيتها تجاه قضايا المنطقة والكيان الصهيوني والغرب الأميركي الاستعماري، بدلاً من سياسة حكم العائلات النفطية ومزاجها الخاضع للتقلب السريع على الطريقة الجاهلية…
فإذا أمعنّا النّظر وبتأنّ في وجوه المعارضات في أغلب دول الإقليم، المرتهنة والمراهنة على مشاريع الخارج الاستعمارية، والعاملة دوماً على استجلاب التدخُّل الخارجي لضرب دولها والتدخُّل في شؤونها الداخلية، وتجهيز الأحصنة البيضاء لهم لركوب موجات الحكم الجديدة من الباب الاستعماري الذي يرسُمه لها «الإسرائيلي» والأميركي والخليجي، فماذا نقول…؟
لن ندخل إلى أسماء هؤلاء المعارضين المشوّهين خلقاً حتى لو كان بفعل الإرادة الإلهية. وهو أمر لا بدّ من التسليم به، حتى لا يأخذوا مساحة من صفحات الكتابة ومن المواضيع التي نريد أن نخطّ بها ونُظْهر ما يدور حولنا، لا سيّما أنّه لم يعدْ هناك متّسع من الوقت حتى لهؤلاء الذين يسمّون أنفسهم معارضات أو عملاء لإفساح المجال في لمْلمة ثيابهم وما يستروا به عوراتهم بعد نزعها أمام المستعمر الأميركي والصهيوني. فيكفينا التحديق في قسمات وجوههم الذليلة التي تُنبئ بأنهم خُلقوا وجُبلوا ليكونوا على هذه الشاكلة المشوّهة.. ولا اعتراض على إرادة الله…
يبدو أنّ هناك مدرسة متْقنة التفنُّن بتخريج المعارضات وعملاء الخارج، هذه المدرسة النيوليبرالية المعولمة التي فرّخت آلاف الجمعيات الحقوقية كأدوات تسهيل إحكام القبضة الأميركية الاستعمارية على الشعوب أولاً، وهي حتى الآن قد برعت في تفريخ وتعليم وتخريج دفعات متتالية من الكليات الحربية برتبة خدّام وحملة مناشف ومستجْدي الأجنبي وتدخلاته في ضرب سيادة الدول ودولهم.
على الفور نعثُر عليهم في لبنان مثلاً حتى لو كانوا من ضمن المعادلة السياسية في هذا البلد الطوائفي والمذهبي، فهم ينأون ويحيدون بأنفسهم عن الغير ليشكّلوا علامات فارقة، نتيجة العقدة الذاتية في التشويه الخلقي قبل التشويه الداخلي، وللتدليل على الامتهان والحرفية في التوظيف الخارجي وبعثرة الإستقرار الداخلي خدمة للأجنبي أو تحقيقاً لأجندات استعمارية قاتلة ومُزهقة للأرواح…
كيف يستطيع العقل الجمعي العربي مثلاً الذي استساغ واستلطف وفرح واغتبط بما يجري في إيران أن ينظر الى المعارضة الإيرانية مريم رجوي مثلاً التي طلبت التدخُّل الأميركي لضرب بلادها؟ وهي التي قتلت زوجها زعيم منظمة مجاهدي خلق مسعود رجوي وسمّمته ببطء لتحلّ محلّه… وكيف يهضم النظام الغربي الرأسمالي الاستعماري احتضان معارضة مسلّحة كحركة مجاهدي خلق تدين بالفكر الماركسي الاشتراكي والشيوعي؟
أو حتى نجل الشاه من آل بهلوي الذي أراد من أميركا الأفعال لا الأقوال بالتدخُّل العسكري في إيران بعد الأحداث التي حصلت مؤخراً… هذه هي مدارس الإمبريالية المنظّمة في ضرب وتفتيت الدول وقتل الشعوب… من دون أن نُسقط طبعاً حقّ الإنسان أن يكون معارضاً سياسياً وحقّ حمايته وحق الحرية في تنقلاته وفي التعبير عن رأيه…
وكذا الحال بالنسبة لأغلب المعارضين في سورية على مسرح الأحداث الدامية التي بقيت ولا زالت زهاء سبع سنين، لم يتعلّموا منها سطراً واحداً في أدبيات السياسة الوطنية والحفاظ على السيادة الوطنية وحضور سورية الإقليمي ودورها في الصراع في المنطقة، متناسين وعن قصد بأنّ دور الدولة الوطنية وقوتّها تزيد من قوة ومن عضد الفرد والمواطن المؤسّس في هذه الدولة، والتساهل في استباحتها يجعله عرضة لانتهاكات الأجنبي المستعمر حتى لو كان مشغّله، ليصبح مجرّد رقم يوازي الصفر في لعبة الحسابات الدولية وفي لعبة الأمم…
وهي الحال نفسها في المعارضين اليمنيين الذين ارتضوا منذ أكثر من ألف يوم ضرب شعبهم وقتله واستباحة أرضهم والبُنى التحتية من قبل التحالف العربي بقيادة السعودية، من أجل إعادة رئيس مأزوم ومهزوم الى الحكم مظفراً. ونقصد به هنا عبد ربه منصور هادي، المُلْتحف بالعباءة السعودية والمنتظر المكرمة الملكية بإعادته رئيساً لليمن، مُسقطاً من حساباته أنّ معيار الولوج الى حكْم الأمم المشرقية والعربية هو العداء بالموقف القومي والديني والسياسي لكيان مغتصب لا إنساني ولا أخلاقي ولا قيمي اسمه «إسرائيل»… وهذا ما مكّن الرئيس السوري بشار الأسد من الصُّمود في وجه مئة دولة أرادت ضرب سورية وتدميرها بقوى الإرهاب والإجرام، لتحميه بوصلة فلسطين والقدس كمعيار أولي للوقوف بوجه مغول العصر ومن ورائهم دول الاستعمار ورجعياتهم العربية…
هل رأى منكم أحداً مصطفى محمد عبد الجليل رئيس المجلس الوطني الانتقالي في ليبيا، والذي كان رئيساً مؤقتاً بعد اندلاع ما أسمُوه زوراً ثورة 17 فبراير الليبية وممثل مدينة البيضاء في المجلس الوطني الانتقالي، وهو يأخذ التعليمات والأوامر والتطمينات من منظّر الثورات المعولمة الصهيوني برنار هنري ليفي في كيفية حكم ليبيا والاشتغال على إثارة العصبيات القبلية والعشائرية؟
إنها المأساة بحدّ ذاتها في تعزيز دولة العائلة وضرب دولة الأيديولوجيا، المتلازمة مع المكابرة في العنجهية والعنصرية العربية بعدم الاعتراف بوجود فراغ فكري، في أزمة أضاعوا معها طريق فلسطين، بعد أن ألْغاه تنظيم داعش وبعْثر معالمه بجرف الحدود من أجل التمدُّد التكفيري وعولمة الإرهاب ليستبيح معها الأوطان والشعوب والقضية والفكر…
أستاذ في العلوم السياسية والعلاقات الدولية