الوطن الجديد للجهاد… لماذا تزدهر الجماعات الإرهابية في أفريقيا؟

استعرضت مجلة «ذا ويك» البريطانية في تقرير نشرته مؤخراً، أسباب انتشار الجماعات الإرهابية في أفريقيا، ومستقبل هذه الجماعات في ظلّ التدخل الأميركي لمواجهتها.

لماذا أفريقيا؟

يدّعي التقرير إنَّ الفساد المستشري، وسوء أنظمة الحكم، والعدد الكبير من الشباب الفقراء الذين خاب أملهم في المجتمع قد جعل أجزاءً واسعة من أفريقيا تربة خصبة لـ«الجهاد»، إذ روّعت «جماعة الشباب»، المرتبطة بـ«القاعدة»، الصومال وجارتها كينيا لأكثر من عقد من الزمان وبدأت «بوكو حرام» في محاولة إطاحة الحكومة النيجيرية، وأقامت «دولتها الإسلامية» المصغّرة عام 2002.

وفي السنوات الأخيرة، توسّعت الجماعات الإرهابية الأفريقية وأصبحت أكثر شراسة. إذ سجّل مركز «IHS جاين للإرهاب والتمرّد» 171 هجوماً إسلاموياً مسلحاً في أفريقيا عام 2009، نتج منها 541 من الوفيات. وفي عام 2015، تصاعد عدد الهجمات ليصل إلى 738 هجوماً أودت بحياة 4600 شخص. وقد فاقمت هزيمة تنظيم «داعش» في الشرق الأوسط، السنة الماضية، من هذه المشكلة، إذ بدأ الآلاف من الجهاديين الأفريقيين بالعودة إلى ديارهم.

وقد كانت تونس وحدها مسؤولة عن عدد يصل إلى 6500 مقاتل أجنبي في «داعش» ـ وهو عدد أكبر من عدد مقاتلي أيّ دولة أخرى في العالم ـ وقال السيناتور توم تيليس الجمهوري عن نورث كارولينا : «كلما نجحنا في الشرق الأوسط، فسوف نرى الثعابين تجري إلى أفريقيا».

إلى أين يذهب مقاتلو «داعش»؟

وقال التقرير إنَّ المعقل الأساس لمقاتلي «داعش» في أفريقيا موجود في ليبيا التي ما تزال غارقة في فوضى الحرب الأهلية. وكان «داعش» قد استولى على مدينة سرت الساحلية عام 2015 ـ وهي أكبر قواعد التنظيم خارج سورية والعراق ـ وطُردت الجماعة من المدينة في العام التالي، على يد ميليشيات مدعومة بضربات جوية أميركية، لكنهم أعادوا التجمّع في المناطق الريفية النائية.

وقال التقرير إنَّ المركز الحيوي الثاني لـ«داعش» في شمال أفريقيا موجود في شبه جزيرة سيناء إذ أعلنت جماعة تابعة لـ«داعش» تدعى «ولاية سيناء» مسؤوليتها عن 800 هجوم منذ عام 2013، واتُّهمت الجماعة، بشكل موسع، بارتكاب مذبحة وقعت في مسجد صوفي في تشرين الثاني، قُتل فيها أكثر من 300 مصلّ. وقال مختار عوض، الزميل الباحث في برنامج «جامعة جورج واشنطن» حول الإرهاب: إنَّ «داعش» يحاول إشعال فتنة طائفية في مصر أملاً في أن يؤدي ذلك إلى تفكّك البلاد».

هل ما تزال «القاعدة» تشكّل قوةً؟

قال التقرير إنَّ قوة «القاعدة» في ازدياد فبينما تركّز انتباه العالم على «داعش»، كانت «القاعدة» تسعى إلى العودة، ويعدّ قادتها ابن أسامة بن لادن، حمزة، لدور محوري بوصفه قائداً ملهماً. ويُعد تنظيم الشباب، وهو الجناح الشبابي الراديكالي السابق للمنظمة الإسلامية التي كانت تتحكم في العاصمة الصومالية، مقديشو، أبرز أفرع التنظيم. وقد نفذ تنظيم الشباب هجوم 2013 في مول «ويستجيت» في نيروبي، ومذبحة جامعة «غاريسا» الكينية عام 2015.

ونسب إليه أيضاً تفجير شاحنة مقديشو في شهر تشرين الأول الماضي الذي أودى بحياة أكثر من 350 شخصاً. ولم تعد الجماعة، التي تطبق نسخة وهابية متشددة من الإسلام، تتحكم بأيّ بلدات أو مدن كبيرة، بعد أن طردها هجوم، بقيادة الاتحاد الأفريقي، من مقديشو عام 2011، لكنَّها ما تزال تحافظ على وجود كبير في المناطق الريفية الجنوبية.

أما تنظيم «القاعدة» في دوب المغرب العربي، الذي يقوم بعمليات في الجزائر ومالي بشكل أساس، فهو أكثر أفرع الجماعة ربحية: إذ كسب الفرع 100 مليون دولار، منذ عام 2003، من خلال الاختطاف وتهريب المخدرات والابتزاز.

ما الذي تفعله الولايات المتحدة؟

قال التقرير إنَّ لدى الولايات المتحدة قرابة 6 آلاف جندي يعملون في بعثات أمن ومكافحة إرهاب في أفريقيا، ثلثا هذه القوات متمركز في جيبوتي، موطن القاعدة العسكرية الأميركية الوحيدة في القارة وثمة 800 جندي آخرين في النيجر، و400 غيرهم في الصومال، والباقون متفرقون في 47 بلداً آخر.

وقد ارتفعت هذه الأرقام بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة ففي عام 2008، نفذت القوات الأميركية 172 مهمة، أو تدريباً أو أنشطة أخرى في أفريقيا، والعام الماضي اشتركت هذه القوات في 3500 مهمة. وينتمي ما لا يقل عن 1700 من أصل 6 آلاف جندي أميركي إلى القوات الخاصة، ودورها الرسمي «تقديم المشورة والمساعدة»، مثل: تدريب الجنود المحليين، وتقديم إرشاد لهم في أرض المعركة.

لكنَّ هذه القوات تشارك في مدى أوسع من المهمات، يشمل استعادة أراضي العدو، وأسر قادة الإرهابيين. ويزيد البنتاغون أيضاً من استخدامه الطائرات من دون طيار بغرض المراقبة واستهداف الأفراد ومعسكرات التدريب بالضربات الجوية. وقد نفّذت الولايات المتحدة ما لا يقل عن 30 ضربة جوية في الصومال عام 2017، مقارنة بـ34 خلال السنوات الثماني الماضية.

ما هي الاستراتيجية طويلة المدى؟

قال التقرير إنَّ الهدف الأساس للبنتاغون منع جماعة إسلاموية من الاستيلاء على مساحات واسعة من الأراضي، كما فعل «داعش» في العراق وسورية، لكنَّ هذه الاستراتيجية تنطوي على مخاطر فالجيوش المحلية تكافح من أجل الحفاظ على سيطرتها على المناطق التي أعادت الاستيلاء عليها من المسلحين. وضربات الطائرات من دون طيار تؤدي، قطعاً، إلى وقوع ضحايا بين المدنيين، وهو ما يمكن أن يؤدّي إلى استعداء السكان المحليين، ويشكل أداة تجنيد للجماعة الإرهابية.

وفوق كل شيء، فثمة مخاوف على كلا الجانبين من المحيط الأطلسي من أنَّ الولايات المتحدة ربما يتم استدراجها في صراع خارجي آخر طويل المدى. وقال العميد دونالد بولدوك، الذي كان رئيساً لقيادة العمليات الخاصية في أفريقيا العام الماضي: «لا تريد الحكومات الأفريقية تأثيراً أميركياً كبيراً. فهم يشاهدون ما فعلناه في أماكن أخرى، ويخفيهم ذلك كثيراً. وبكل صراحة، فهو أمر يخيفني كثيراً أنا أيضاً: أن ينتهي بك المطاف في معركة أكبر بكثير مما كنت تفضل».

كمين قاتل في النيجر

صعد الوجود العسكري الأميركي المتزايد في أفريقيا إلى الواجهة في تشرين الأول الماضي، عندما قُتل أربعة جنود من القوات الخاصة في كمين في النيجر. إذ تعرض الفريق الأميركي المكوّن من 12 جندياً، والذي كان يصاحب 30 جندياً نيجريين، في مهمة استطلاعية، لهجوم ثقيل من 50 مقاتلاً من «داعش» مسلّحين بقنابل صاروخية، وقذائف «هاون»، ورشاشات ثقيلة. قاتل الأميركيون ساعة قبل أن يستدعوا دعماً جوياً فوصلت طائرات نفاثة ومروحيات فرنسية بعد ساعة من ذلك، وقد استعيدت أجساد ثلاثة من الجنود القتلى ذلك اليوم.

لكنّ جسد الرقيب لافيد جونسون لم يستعد إلا بعد 48 ساعة، على بعد ميل من موقع الكمين، وجرى اكتشاف المزيد من رفاته بعد شهر من ذلك. وقال أحد القرويين إنَّ يديه كانتا موثقتين وكان ثمة جرح عميق في مؤخرة رأسه، وهو ما يرجح أنه قد أسر، وضرب وأعدم. ومن المقرر صدور تحقيق للبنتاغون الشهر الحالي، ومع ذلك، فقد قيل إنه سوف يخلص إلى القول إنَّ جونسون قتل بوابل من طلقات الرصاص. وسوف يفحص التحقيق أيضاً سبب مفاجأة الإرهابيين للقوات الأميركية على غفلة، وقلّة الدعم المتاح لهم.

ترجمة: «ساسة بوست»

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى