تحسّن اقتصاد أميركا رفع شعبية رؤساء سابقين… فلماذا حدث العكس مع ترامب؟

عبد الرحمن النجّار

قال نايت كون في مقال له في صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية: على رغم تحسّن أوضاع اقتصاد أميركا في السنة الأولى من عهد ترامب ـ بوصول البطالة إلى 4 في المئة تقريباً على سبيل المثال ـ ونجاح الحملة الدولية في كسر شوكة تنظيم «داعش»، إلّا أنّ معدّلات شعبية الرئيس الأميركي لا تتعدّى 40 في المئة.

وأوضح كون أنّ هذه أسوأ معدّلات يحصل عليها رئيس أميركي على الإطلاق في سنته الأولى.

مع سيل التغريدات المثيرة للجدل التي أطلقها ترامب في بداية العام الجديد، يتواصل الجدال حول مدى أهلية الرئيس الأميركي. لكن المحلّلين يستبعدون أنّ يؤثر ضعف معدّلات التأييد التي يحظى بها الآن على مسيرته كرئيس، أخذاً في الاعتبار النجاح المدويّ الذي حقّقه في السباق الرئاسي.

بيد أنّ كون يرى معدّلات التأييد المعلنة خادعة. فمع وصول معدّلات البطالة إلى أدنى مستوياتها خلال قرابة العقدين، من الطبيعي الافتراض أنّ معدّلات التأييد التي يحظى بها ترامب تفوق 60 في المئة، أخذاً في الاعتبار أنّه في مدّته الرئاسية الأولى.

كان ليندون جونسون الرئيس الأميركي الوحيد الذي انخفضت شعبيته خلال مدّته الرئاسية الأولى، إلى أقل من 50 في المئة، لكنه كان قد أمضى خمس سنوات في الحكم بالفعل، ثم أتت حرب فييتنام لتطيح بمعدّلات التأييد له.

لكن بداية المدة الرئاسية لترامب كانت سيئة للغاية إذ كانت معدّلات التأييد لا تتعدّى 50 في المئة. إذ كان من المتوقّع أنّ يرتفع هذا المعدّل مع تحسّن الأحوال الاقتصادية. وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار بيانات تحليل معدّلات التأييد وعلاقتها بالأداء الاقتصادي المسجّلة منذ أواسط القرن الماضي، بحسب كون، فمن المفترض ارتفاع شعبيته إلى أكثر من 50 في المئة.

من المرجّح للغاية أنّ يتسبّب تحسّن الوضع الاقتصادي في رفع معدّلات التأييد له. ولكن يبدو أيضاً أنّ ترامب سيواجه صعوبات خلال رئاسته. ففي المتوسّط تنخفض نسبة التأييد للرئيس في مدة رئاسته الأولى بمقدار نقطة كل ثلاثة أشهر حتى بعد السيطرة على معدّلات التضخّم والبطالة.

يؤكّد كون أنّ ترامب لا يزال يحتفظ بقاعدة تأييد كبيرة ودعم طيف واسع من الجمهوريين. ولا تزال معدّلات التأييد له أعلى مما كانت عليه وقت الحملة الانتخابية.

وقد تكون معدّلات التأييد له بين الناخبين أعلى منها لدى جميع البالغين فقد يجري استطلاع رأي غير الأميركيين، لکن لا يحقّ لهم التصويت، ولا يحظى ترامب بتأييد كبير من الناخبين السود والشباب، كما أنّ معدّلات تصويتهم منخفضة. وقد لا تكون البيانات الوطنية ممثلة تماماً للمناطق التي يعيش فيها البيض.

يضيف كون: كلّ هذا يفسر تحفّظ عددٍ من المحلّلين في شأن تقييم معدّلات ترشيح ترامب المنخفضة، فإذا كانت نِسب تأييده أفضل اليوم مما كانت عليه عندما فاز في السباق الرئاسي، وعندما احتفظ الجمهوريون بسيطرتهم على مجلس الشيوخ ومجلس النواب، فما الذي يمنعه من أنّ يفوز مرة أخرى؟

لكن الفرق بين اليوم وعام 2016 بسيط، فترامب هو الرئيس الآن، وينظر إلى الانتخابات على أنّها استفتاءات على شعبية الحزب في السلطة. وعادة ما يكون معدّل التأييد لرئيس الجمهورية مؤشّراً قوياً جدّاً لنتائج الانتخابات الرئاسية، حتى انتخابات الكونغرس.

منذ منتصف القرن الماضي، لم يسيطر أيّ حزب على الكونغرس في انتخابات التجديد النصفي عندما يكون معدّل التأييد للرئيس أقلّ من 40 في المئة. ومن شأن المزايا الهيكلية الكبيرة للحزب الجمهوري في الكونغرس أنّ تمنحه فرصة من أجل الصمود هذه المرة، لكن ارتفاع نِسب التأييد للحزب الديمقراطي والضعف الذي يسيطر على الحزب الجمهوري في انتخابات الكونغرس الخاصة هذه السنة، يشيران إلى أنّ معدّلات التأييد للرئيس تلقي بظلالها على فرص الحزب.

لكن انتصار ترامب غير المتوقّع في عام 2016 ـ في مخالفة لنتائج استطلاعات الرأي السابقة للانتخابات ـ جعله يعاني كثيراً، إذ لم يُثر فوزه الإعجاب بمعظم المعايير.

إنّ النماذج القائمة على أساس جوهري ـ من دون أخذ المرشّحين في الحسبان ـ أظهرت أنّ الحزب الجمهوري كان من غير المرجّح أنّ يحقّق الانتصار في عام 2016 بحسب كون. إذ إنّ وتيرة النموّ الاقتصادي ومعدّلات التأييد للرئيس أوباما كانت ترجّح كفّة الديمقراطيين، ولكن هذا لم يكن كافياً للحزب الديمقراطي كي ينتصر بسبب انشغاله بمحاولة الفوز برئاسة الجمهورية لولاية ثالثة على التوالي.

كان لترامب ميزة إضافية على كلينتون، التي كانت تخضع للتحقيق من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي في معظم فترات الحملة وانتهى بها المطاف بالحصول على أسوأ نِسب تأييد حصل عليها أيّ مرشح فاز بترشيح حزبه غير ترامب، وفقاً لـ«مؤسسة غالوب للبحوث».

لكن في النهاية، انخفض التصويت لترامب نقطتين مئويتين، ليبلغ 46 في المئة. وهي ثاني أسوأ نتيجة منذ عام 1948 لمرشّح الحزب خارج السلطة ضدّ حزب يسعى على الأقل إلى فترة رئاسية ثالثة على التوالي.

يختم كون بالقول: لا شيء من هذا يعني أنّ معدّلات تأييد ترامب لن ترتفع، لكنه بحاجة إلى دعمها بشكّلٍ فوري.

«ساسة بوست»

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى