ساعة يد
ذرّات من الألم تتساقط على يومي من غيمة سوداء تبخّرت من بحر الوجع. روحي تطوف حزناً فينبع جسدي حنينا، أظنّ هذا الصيف كان عليّ قاسياً، سيلتقي وهني ويصبحان أصدقاء أوفياء في تعذيبي، فأنا أعاني مرضاً يعشق البقاء معي فيجالسني تارةً وتارةً يتركني اختباراً منه لوفائي.
في كلّ صباح أجالس القمر وعلى فنجان قهوتي أستمع لصوت موسيقى هادئة أُخفض صوتها خوفاً من أنّ أقلق راحتهم، فكلّهم نيام أسأل نفسي أحياناً كيف يستطيعون نكران الصباح وكيف يغلقون أعينهم عن رؤية القمر. كلّ ما أخشاه عليهم أنّ يكون هذا غضباً أجلس بخشوع أدعو لهم بالمعافاة وأقوم لمعاشي ورفقة بحالهم أرتب فوضاهم بهدوء.
أنتهي، وأجلس منهكة أقرأ كتاباً. وما هي إلّا لحظات حتى يطرق بابي الليل فتشعّ في وجهي شمسه. أذهب إلى غرفتي وأستلقي على فراش الأماني أغمض عيوني حالمة بصيف دافئ ينزع مني برد أضلعي. وما إنّ أغفو حتى أسمع ضجيجاً أصواتهم ونداء باسمي يعلو يدعونني إلى شرب فنجان قهوة.
افتح عينيّ وقد غلبني النوم، فلِمَ التعب وقد رقدت ليلي الطويل.
عشرات الأسئلة تراودني؟
أنهض إليهم لتتبعني عيونهم وترميني بنظرة شفقة.
وشاحٌ أسود من الحيرة يلتف حولي، صوت يخبرني أنّ اليوم هو الخامس عشر من الشهر، وقد أخذوا لي موعداً عند الطبيب، في نجواي حديث يدور هل يا ترى يتحدثون معي؟
أمضي معهم مُسيّرة دونما اعتراض لأقف أمام رجل يبدؤون أمامه بسرد قصة لامرأة قد أصابها فجأة، فقدان ذاكرة مؤقّت ويتحدثون عن مأساتها، وأنا دونما أن أعرفها يتقطّع قلبي عليها حزناً وتبكي لأجل عذابها روحي.
يلتفت الرجل إليّ ويسألني بماذا تشعرين؟ علمت حينها أنّي أنا هي المريضة. عاود السؤال مجدداً، نظرت إليه وبصوت من أنين أخبرته: «قد ماتت ذاكرتي منذ اللحظة التي طعنني بها بسكين الغياب، قد خانت ذاكرتي عندما التفت عني وتركني للعذاب. ضيّعت ذاكرتي بعدما كان قمري في الليل وشمسي في النهار
فجأة غاب صوتي، فصورته تجسّدت أمامي جعلتني عيونه. أقع وأنهار لأصحو على صوت الطبيب يقرأ وصفة العلاج. وبصوت خافت يقول: هي بخير لكنها تحتاج أن يعود حبيب وعلى معصمه ساعة يد يضبط أوقات يومها عليها، فتعود برؤيته ذاكرتها من جديد.
نعم، سأشفى بعودته، فقلبي كان ينبض على دقّات ساعة يده المصنوعة من حديد.