«واشنطن بوست»: لغزٌ جديدٌ في حرب سورية… مَن يهاجم القواعد العسكريّة الروسيّة هناك؟
نشرت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية مقالاً جاء فيه أنّ سلسلة من الهجمات الغامضة ضدّ القاعدة العسكرية الروسية الرئيسة في سورية قد كُشفت، بما في ذلك الهجوم الذي شنّه سرب من طائرات عسكرية من دون طيار. وبذلك، إنّ روسيا صارت عرضة بشكل مستمرٍّ للهجمات في البلاد على رغم قول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالانتصار في الحرب.
كما أثارت الهجمات موجة من الأسئلة حول الجهة المسؤولة عمّا يشكّل أكبر تحدٍ عسكري حتى الآن لدور روسيا في سورية، في الوقت الذي تسعى فيه موسكو إلى تقليص تواجدها العسكري في البلاد، وفق تقرير نشرته صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية.
وفي الهجمات الأخيرة وغير المعتادة، شنّت أكثر من 12 طائرة من دون طيار من موقع مجهول هجوماً على قاعدة حميميم الجويّة الروسية شمال غرب منطقة اللاذقية، ومقرّ العمليات العسكرية الروسية في سورية، وعلى القاعدة البحرية الروسية القريبة في طرطوس.
وقالت روسيا إنها أسقطت سبع طائرات من 13 طائرة من دون طيار، واتخذت إجراءات إلكترونية مضادة لإسقاط الطائرات الست الأخرى.
وأضافت أنّه لم تُسجل خسائر خطيرة، غير أنّ هجوم الطائرات من دون طيار جاء بعد أقل من أسبوع من مقتل جنديين روسيين في هجوم بقذائف «هاون» على القاعدة نفسها، وهو الهجوم الذي يبدو أنّه تسبّب في بعض الأضرار بالأصول العسكرية الروسية.
وزارة الدفاع الروسية كانت قد نفت تقريراً نشرته صحيفة «كومرسانت» الروسية، أشار إلى أنّ سبع طائرات حربية قد تعطّلت بعد استهدافها في هجوم بقذائف «هاون»، من بينها اثنتان من طراز «سو ـ 35»، وأربع طائرات هجومية من طراز «سو ـ 24»، وهي الخسائر الأكثر فداحة التي تتعرّض لها القوات الجوية الروسية منذ عقود. وقد نشر صحافي روسي صوراً تظهر الأضرار التي أصابت على الأقل بعض الطائرات.
وقال تقرير الصحيفة: «يبدو أنّ هجمات الطائرات من دون طيار وقذائف هاون تمثل معاً أكبر الاعتداءات التي تستهدف مقرّ القوات الروسية في سورية منذ التدخل العسكري في أيلول 2015، الذي نجح بشكل عام في تحقيق هدفه المتمثل في دعم معركة الرئيس بشار الأسد لقمع الإرهابيين منذ سبع سنوات.
وقد أفادت وسائل الإعلام الروسية بوقوع هجومين بطيارات بلا طيار ضدّ مواقع روسية في منطقتَي حمص واللاذقية، فضلاً عن هجوم آخر على حميميم خلال الأسبوعين الماضيين».
تورّط أميركي
ونقل التقرير عن مكسيم سوتشكوف من المجلس الروسي للشؤون الدولية، إنّ قاعدة حميميم، التي تشكّل قلب العمليات العسكرية الروسية في سورية، تقع في عمق الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة السورية، وحتى الآن يبدو أنّها محصّنة من الهجوم.
وقال سوتشكوف: «اعتقدوا أنّ القاعدة كانت آمنة، لكن الآن يبدو أنّها معرّضة للخطر. ومن بين التساؤلات المطروحة في موسكو هناك سؤالاً في شأن ما إذا كان الجيش الروسي قد أمّن القاعدة بالشكل المناسب، وإذا ما كان قد فشل في الكشف عن امتلاك خصومه تقنيات حديثة».
وقالت جنيفر كافاريلا من «معهد دراسات الحرب» في واشنطن: إنّ الهجمات تثير أيضاً تساؤلات حول استدامة المكاسب الروسية في سورية. وفي كانون الأول، زار بوتين قاعدة حميميم، وقال إنّ روسيا ستبدأ في تقليص وجودها لأن الحرب في سورية قد انتهت بشكل أساسي.
وقالت كافاريلا: إنّ الأحداث التي وقعت في الأيام الأخيرة تظهر أنّ أياً من قام بهذه الهجمات فهو لا يزال بإمكانه اختراق مناطق النظام وفرض خسائر على الروس. إنّ المكاسب التي حقّقها النظام ليست في مأمن، ومعرضة لخطر التواجد مؤقتاً».
ولعلّ السؤال الأكبر من ذلك كلّه يتعلّق بهوية الجهة المسؤولة عن تنفيذ الهجمات. ما يجعل الهجمات غير عادية على وجه الخصوص هو أنّه لم يكن هناك أي ادّعاء ما أثار موجة من التكهنات في وسائل الإعلام الروسية والسورية حول الجهة التي نفّذت الهجمات.
لمّحت موسكو إلى احتمال تورّط أميركي في هجوم بطائرات مسيّرة على مواقع روسية في سورية السبت الماضي، بينما نفت واشنطن علمها بهذا الهجوم.
قالت وزارة الدفاع الروسية في بيان إنّها قلقة إزاء تصريحات وزارة الدفاع الأميركية التي قالت إنّ التقنيات المستعملة أثناء هجوم طائرات مسيّرة على القاعدتين الروسيتين في سورية الأسبوع الماضي يمكن الحصول عليها من السوق.
وقال المتحدّث بِاسم البنتاغون إريك باهون: «إنّ هذا الادّعاء كاذب تماماً»، وأضاف أنّ تنظيم «داعش» كثيراً ما استخدم طائرات مسلّحة من دون طيار ضدّ القوات المتحالفة مع الولايات المتحدة في شرق سورية والعراق، من دون أنّ يحدث ذلك تأثيراً كبيراً.
لكن أقرب مواقع لتنظيم «داعش» تقع على بعد مئات الأميال من المنطقة الساحلية الغربية التي تقع فيها حميميم ما يجعل احتمال أنّ يكون التنظيم هو الجهة المنفّذة للهجمات احتمالاً بعيداً، وفق ما أورده التقرير.
جماعات المعارضة
وعلاوة على ذلك، فإنّ معظم الطائرات من دون طيار التي استخدمها تنظيم «داعش» ضدّ حلفاء الولايات المتحدة، كان نطاقها لا يزيد على كيلومتر واحد إلى كيلومترين، وفقاً لتحليل مجموعة «IHS Markit» للاستشارات.
وذكر بيان لوزارة الدفاع الروسية أنّ الطائرات من دون طيار التي استخدمت في هجوم حميميم انطلقت من مسافة تتراوح ما بين 50 إلى 100 كم ما يجعلها أكثر تعقيداً، ويوسّع دائرة المشتبه بهم المحتملين.
وقال سوتشكوف: إنّ احتمال أنّ تكون إحدى جماعات «المعارضة السورية» التي لا تعدّ ولا تحصى، هي الجهة المنفّذة للهجوم هو الاحتمال الأكثر ترجيحاً.
كما ذكر تقرير صدر مؤخراً في صحيفة «كراسنايا زفيزدا» الرسمية في وزارة الدفاع الروسية إنه تم إطلاق الطائرات من دون طيار من قرية تسيطر عليها «المعارضة المعتدلة»، تدعى «موزارا» في منطقة إدلب الجنوبية.
وقال التقرير: إنّ روسيا بعثت برسالة إلى السلطات التركية تحثها على الالتزام بالالتزمات في المنطقة بموجب اتفاقيات وقف إطلاق النار مع روسيا.
غير أنّ ذلك يترك علامة استفهام حول أي من جماعات المعارضة يمكن أنّ تكون متورطّة في الهجوم. وقال سوتشكوف: «في حال كانت جماعات المعارضة مسؤولة عن الهجمات، فمن المعتاد أنّ تعلن مسؤوليتها وتتباهى بالتنفيذ».
ومن بين النظريات التي تنتشر على نطاق واسع ـ بحسب التقرير ـ «أنّ العلويين الساخطين من الأقلية التابعة للأسد هم المسؤولون عن تنفيذ الهجوم».
هذا وقد كان بيان عن الهجمات على القاعدة، التي تقع في منطقة علوية في الغالب، قد نشر على الإنترنت باسم مجموعة غامضة تدعى «الحركة العلوية الحرّة». وحذّر البيان العلويين الذين يؤيدون النظام السوري من أنّ الهجمات أثبتت أنّ قبضة الأسد على السلطة ليست في مأمن، لكن البيان لم يشر صراحة إلى تنفيذ الهجمات.
وقال عدد من أعضاء المعارضة العلوية إنّهم لا يعتقدون أنّ المجموعة حقيقية، وتكهنوا بأن وكالات استخبارات أجنبية تسعى إلى خلق انطباع بوجود صراع بين الموالين للنظام.
هناك ادّعاء آخر في وسائل الإعلام السورية «المعارِضة» يشير إلى أنّ ميليشيات تدعمها إيران هي المسؤولة عن الهجمات.
وفقاً لهذه النظرية، فإنّ إيران تريد إحباط جهود روسيا لفرض تسوية سلمية على سورية، من شأنها أنّ تقوض المصالح الإيرانية. وقال سوتشكوف: «هناك الكثير من النظريات. لكن ثمة غموضاً في الوقت الراهن».