خطة ترامب لـ «تطعيم» الاتفاق النووي… فكيف ستواجه إيران؟
حسن شقير
… وبعد كثير من حبس الأنفاس، عاد العديد من القادة السياسيين في العالم إلى التنفّس من جديد، وذلك بعد المصادقة الأخيرة، والمشروطة، للرئيس الأميركي دونالد ترامب على تمديد رفع العقوبات المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني.
أضفى ترامب على توقيعه ذاك، صفة الأخير، وذلك في حال عدم تلبية إيران لمجموعة من الشروط النووية – لم تدرج في بنود الاتفاق – وغير النووية أيضاً، في ما خصّ الصواريخ البالستية، إضافة إلى دور إيران في الإقليم، ودعمها لـ«الإرهاب» على حدّ زعمه… وهذه الشروط في حقيقتها، ما هي إلا مطالب صهيونية صرفة، كان قد أخفق نتنياهو بإرفاقها بذاك الاتفاق الأوّلي في العام 2013، وكذلك النهائي في العام 2015.
منذ بدايات التفاوض الإيراني مع الخمسة زائد واحد، كان هناك يقين بأنّ المطلوب صهيونياً وأميركياً، ومن ثم إقليمياً لدى بعض الدول المتخاصمة مع إيران، أن تربط السلة النووية للحلّ في المنطقة، بسلة الحلّ الكبرى فيها، والتي يندرج ضمنها، توافقٌ حول كافة الملفات الإقليمية، والتي يتربّع في محورها، ملفّ الأمن الصهيوني، و«حقه الشرعي والقانوني» في الوجود، فضلاً عن التوافق على مستويات التطبيع معه… إلاّ أنّ الرفض الإيراني الجازم لربط هذه السلال ببعضها، وحشر الولايات المتحدة ومعها باقي القوى الكبرى، في مدرسةٍ تفاوضيةٍ، عمادها «عدم التخيير في البدائل المتاحة«، جعل من كلّ أولئك بأن رضخوا لفصل السلال عن بعضها البعض، وكان الاتفاق – الحدث، والذي ابتلعه نتنياهو على مضض، وكثر من خلفه في هذا العالم.
إذاً، باتت الأمور واضحة، توقيع ترامب، سيكون الأخير في حال لم يتمّ تحقيق رؤى وتطلعات نتنياهو، سواء أكانت نووية فتح المدى الزمني لسقف درجة تخصيب اليورانيوم الإيرانية، والتفتيش المفاجئ لأية منشأة يُعتقد بأنها نووية ، أو ما دون نووية وذلك فيما يتعلق بالصواريخ البالستية، ودور إيران في الإقليم، ناهيك عن دعمها لحركات المقاومة في المنطقة .
أردف ترامب، توقيعه بالأمس، بتهديدٍ وطلبٍ، وإشارة، فهو من ناحية، سيمتنع عن المصادقة في المرّة المقبلة، وذلك في حال عدم تعديل الاتفاق وتطعيمه، مرفقاً وعيده هذا، باقتراح مشروع على الكونغرس، يعفيه من بروتوكول المصادقة الدورية عليه وهذا الأمر له دلالات ، مشيراً إلى أنّ تفاوضه لن يكون مع الطرف المعني، أيّ إيران! إنما سيكون مع الدول الأوروبية، والتي يعتبرها خط الدفاع الأول عن بنود الاتفاق، والحفاظ عليه دون أية تعديلات.
مربط الفرس هنا، فترامب المتعجرف، في العلن، لا يعترف بإيران، كجهة ينبغي التفاوض معها، في قضية تخصها!، و«ترامب – الإستراتيجي» بحسب استراتيجيته للأمن القومي ، لم يلجأ إلى خصمي أميركا اللدودين في العالم الصين وروسيا ، واللذين دفعا بقوةٍ للوصول إلى هذا الاتفاق، واللذين تبنيا الرؤية الإيرانية في ما خصّ عدم ربط الملفات ببعضها! ولكنه – أيّ ترامب – توجه إلى أوروبا، والتي يختلف معها في ضرورة تعديل الاتفاق النووي، ويتفق معها نسبياً، في ضرورة الدخول مع إيران في حوار، حول الملفات الأخرى، والتي لا تزال، ترفض إيران النقاش حولها، باعتبارها، مسّاً وتدخلاً في السيادة والأمن القومي الإيرانيين.
عشية التوقيع المرتقب لترامب في تشرين الأول من العام الماضي، نشرت بعض وسائل الإعلام الصهيونية، دراسةً لمدير مركز دراسات الأمن القومي في «إسرائيل» عاموس يادلين والباحث في المركز أفنر غالوب، دراسةً بعنوان «ليس هذا وقت إلغاء الإتفاق مع إيران، بل وقت توفير شروط استراتيجية لإلغائه مستقبلاً» مباط عال 9/10/2017 ، بحيث يوصي فيها هذان الباحثان، الإدارة الأميركية، بضرورة «… أن يكون تعديل الاتفاق وتطويل فترة التفكير في البديل المفضّل هدفاً إسرائيلياً – أميركياً، ومن أجل تحقيق هذا الهدف، ومواجهة التهديدات التي ينطوي عليها الاتفاق الحالي، هناك حاجة إلى معركة دبلوماسية وتنسيق إسرائيلي – أميركي محكم »، مردفين بأنّ «.. من المهمّ أن نتذكر أنّ القيام بخطوة ملموسة قبل أن تكون الظروف الدولية ملائمة يضع الدولتين في مواجهة تهديدات خطيرة أكثر من تلك التي تنبع من الإتفاق الحالي..» وتخلص توصية هذه الدراسة، بأنّ هناك مدييْن زمنيّيْن للتعامل مع هذا الاتفاق، مدى قصير، «… يتعيّن على واشنطن توجيه سياستها، بحيث يأتي إلغاء الاتفاق نتيجة قرار إيراني، أو خرق إيراني فاضح…» وفي المدى البعيد «.. وعندما يفقد الاتفاق ميزاته المركزية، يتعيّن على واشنطن أن تقود نحو تغيير الإتفاق…»
يبدو أنّ ترامب، قد عمل بتوجيهات هذين الباحثين الصهيونيين، وذلك من خلال وضع العالم، والدول الأوروبية على وجه التحديد، تحت شفرة سيفٍ مصلت، وذلك بتوجيه خطابه نحوهم، إضافة إلى إرفاقه التوقيع، بإطلاقه حزمة جديدة من العقوبات على كيانات وشخصيات إيرانية، بحجة ارتباطها بسياسات إيران الداخلية! أو الخارجية، فإنه، ومن خلال ذلك يهدف إلى ضرب عصفورين بحجرٍ واحد، فمن ناحية، يريد زرع الشقاق في الداخل الإيراني، حول جدوى الإتفاق النووي، في إمكانية تحقيقه لرفاهٍ اقتصادي «موعود» للشعب الإيراني، مما يدفع أصحاب القرار في إيران، لتفعيل الاستثمار الداخلي مجدّداً، والذي ربما يكون على حساب الاستثمار الأجنبي، وذلك لتعويض ما تفقده إيران من جرّاء استمرار العقوبات عليها، وربما يكون الهدف الترامبي، إفقاد الاتفاق لميزاته، سواء لإيران أو للدول الأوروبية المستثمرة بقوة في السوق الإيرانية من جهة أخرى وذلك لتحقيق ما جاءت به توصية تلك الدراسة المُشار إليها أعلاه ، وذلك بهدف دفع إيران وأوروبا معاً، لاتخاذ إجراءات، قد تُعتبر خرقاً للاتفاق وبنوده وملحقاته الأساسية أيضاً.
من ناحية أخرى، فإنّ هذه السياسات الأميركية المرتقبة في فترة «تطويل التفكير في البديل«، ستتوجه أيضاً نحو الأسواق الإيرانية الأخرى في آسيا الهند، تركيا، كوريا الجنوبية… وأوروبا، إضافة إلى تلك الدول الموقعة عليه، وذلك بهدف تهديدها تارةً، وإغرائها وإغوائها تارةً أخرى، وذلك سيكون، ليس من الجيب الأميركي بالتأكيد، إنما من «حلمات البقر الحلوب » في المنطقة، التي ستكون في خدمة هذه السياسة الترامبية تجاه إيران، لأنها تعتقد بأنّ هذه الأخيرة، تصبّ في خدمة «أهدافها السامية» في محاربة إيران وإثارة القلاقل فيها!
السؤال الأساسي: كيف ستواجه إيران هذه السياسات الأميركية المرتقبة، على داخلها من جهة، وفي العالم من جهة أخرى؟ وكيف ستعمل على إفشال ترامب في محاولاته المرتقبة للعمل على تصديع التكاتف الدولي – الإيراني النووي؟ وكيف ستؤازن إيران – الداخل لإفشال استراتيجيته في فرض المزيد والمزيد من العقوبات، وذلك لمنع إفقاد «الاتفاق ميزاته الأساسية«؟ وما هو يا ترى الدور المرتقب لكلّ من روسيا والصين؟ وذلك في إفشال ترامب لضرب الاقتصاد والنظام السياسي الإيراني الحليف، وسدّ الباب مجدّداً أمام استراتيجيته الأولية، والتي أطلقها عند وصوله إلى البيت الأبيض، في محاولاته لضرب مشروع نظام تعدّد الأقطاب في العالم، وتحايله على روسيا في حينه، بإغرائها بالثنائية الزائفة، تمهيداً للعودة إلى نظام الأحادية – المستدامة، وذلك بالاستفراد بأعدائه وخصومه، وأخذهم كلّ على حدا، بعد إضعافهم الواحد تلو الأخر.
خلاصة القول الأسابيع والأشهر المقبلة، ستكون – ربما – حبلى بالمفاجأت السياسية وغير السياسية، وسيعتريها الكثير الكثير من المدّ والجزر على الصعيد الدولي، والتي لا شك بأنّ إيران ستخرج من معركتها النووية المرتقبة، بنتائج، لن تكون أقلّ دسامةً مما حصّلته في السابق، وعلى كافة الأصعدة النووية، وما دون النووية أيضاً…
باحث وكاتب سياسي