الجيش «الإسرائيلي» يقدّر ازدياد خطر اشتعال فتيل الحرب

كتب عاموس هرئيله في صحيفة «هاآرتس» العبريّة:

أشارت صحيفة «هاآرتس» العبرية في مقالٍ نشرته منذ يومين، إلى أنّ تقديرات الاستخبارات في الجيش «الإسرائيلي» لعام 2018 طرحت في الأسبوع الماضي على وزير الدفاع آفيغادور ليبرمان ورئيس الأركان غادي آيزنكوت. الجمل الافتتاحية لهذا التقدير، تشبه جداً تقدير العام 2017. احتمالات أنّ تقوم دولة مجاورة أو أحد التنظيمات الإرهابية النشيطة فيها بالمبادرة في العام المقبل إلى شنّ حرب مع «إسرائيل» هي احتمالات ضئيلة تصل إلى الصفر تقريباً. إذ لم يبق الكثير من الجيوش العربية، فالأنظمة المجاورة تنشغل بنفسها، أما حزب الله وحماس فينشغلان بصورة مستمرة بالمشكلات الداخلية.

أين يكمن الفرق؟

رئيس الأركان في بداية سنته الرابعة والأخيرة في منصبه وصف الوضع كالتالي: ازداد جداً خطر التدهور، حتى إلى درجة الوصول إلى حرب. جهاز الاستخبارات ورئيس الأركان قلقون جداً من سيناريوين محتملين. أولاً، نتيجة ردّ أحد الأعداء على استخدام القوة «الإسرائيلية». والثاني، بسبب اشتعال الساحة الفلسطينية. هناك، عندما يخرج المارد من القمقم يحتاج الأمر أشهراً كثيرة وأحياناً سنوات لإعادته إليه.

في السيناريو الأول آيزنكوت يتناول ما يسميه الجيش «الحرب بين الحروب»، الجهد «الإسرائيلي» نفسه لإحباط تسلّح الأعداء بالسلاح المتطوّر بهدف نزع القدرة التنفيذية التي يمكنها أنّ تخدمهم عند اندلاع الحرب المقبلة.

معظم هذا النشاط يتم بعيداً عن حدود «إسرائيل» وتحت الرادار. بشكل عام تحظى بالقليل من التغطية الإعلامية، وفي الجزء الأكبر من الحالات لا تعلن «إسرائيل» مسؤوليتها عن الهجمات.

رئيس سلاح الجوّ السابق أمير أيشل قال في آب الماضي في مقابلة مع «هاآرتس» إنّه في السنوات الخمس في منصبه كانت هناك 100 هجمة تقريباً مثل هذه الهجمات في الجبهة الشمالية، وفي ساحات أخرى أيضاً.

كلّما زادت هجمات «إسرائيل» بحسب مصادر أجنبية وهي تقوم بذلك بوسائل متطوّرة أكثر، يزداد الاحتكاك المحتمل مع دول وتنظيمات ويزداد الخطر الذي في نهاية المطاف قد يستدعي ردّاً هاماً.

أمر مشابه جداً يحدث على حدود القطاع. بناء العائق ضدّ الانفاق الهجومية هناك، في الوقت الذي تطور فيه «إسرائيل» طرقاً مُحكمة أكثر لاكتشافها. يبدو أنّ ثلاثة أنفاق تم الكشف عنها وتدميرها قرب الجدار في الأشهر الأخيرة، ولكن هذا النجاح يحتمل أنّ يكون له ثمن أيضاً، إذا قررت حماس أو الجهاد الإسلامي محاولة استخدام السلاح الهجومي للانفاق قبل أنّ يتمّ سحبه منهما بصورة مطلقة.

على الأغلب يكون مطلوب انتقاد الاستخبارات للخطأ في التوقّعات، لكن في الأسبوعين الأخيرين وجدنا أمثلة على كل هذه التوجّهات في جبهات مختلفة. اجتمع الكابنت الأسبوع الماضي في جلسة مطولة لبحث الوضع في الجبهة الشمالية. وفي فجر يوم الثلاثاء الماضي نشرت وسائل الإعلام العربية أنباء عن هجوم «إسرائيلي» ضدّ مخازن أسلحة للجيش السوري في دمشق. في المنطقة نفسها كان قصف جوّي في بداية كانون الأول الماضي لقاعدة أقامتها إيران لصالح مليشيا شيعية. عدد كبير من الهجمات الأخيرة جاءت أنباء عن إطلاق مضادات للطائرات سورية في محاولة لضرب الطائرات «الإسرائيلية». مؤخراً السوريون يقولون إنّ الهجمات أصبحت أكثر إحكاماً، عدد من الطلعات التي تضمّ حتى صواريخ أرض ـ أرض.

قبل بضعة أيام من ذلك، جاءت أنباء عن هجوم جوّي «إسرائيلي» ـ كما يبدو لنفق قرب الحدود في قطاع غزة. أما في الضفة الغربية فهناك كان يبدو أنّ تظاهرات الاحتجاج على تصريح ترامب في طريقها إلى التلاشي بسبب عدم اهتمام الجمهور، ولكن قتل الحاخام رزئيل شيفح من بؤرة حفات جلعاد في عملية لإطلاق النار في غرب نابلس. وردّاً على ذلك قام الجيش «الإسرائيلي» بنشر قواته وحاصر قرى عدّة ووضع للمرة الأولى منذ سنتين حواجز حول نابلس ـ خطوات عقابية جماعية يفضّل رئيس الأركان الامتناع عنها في الايام العادية، لكنه صادَق عليها الآن بشكل محدود بسبب قتل «المواطن الإسرائيلي».

رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أعطى إشارات الأسبوع الفائت إلى أنّ الشاباك يقترب من حلّ لغز عملية القتل. لكنه لم يتم بعد الإعلان عن منفّذ العملية. حماس والجهاد الإسلامي نشرا إعلانات تأييد للعملية، وبصورة استثنائية نشر أيضاً إعلان بِاسم كتائب شهداء الأقصى تتحمّل فيه المسؤولية، الذراع العسكرية لفتح، التي لم تنشّط في الضفة الغربية في العقد الأخير.

الإعلان الذي نشر في صفحات «فايسبوك» ينسب العملية إلى خلية بِاسم الشهيد رائد الكرمي، لمناسبة ذكرى استشهاده. الكرمي هو رئيس الذراع العسكرية في طولكرم، الذي كان مسؤولاً عن قتل مواطنين وجنود كثيرين في الانتفاضة الثانية. وقد تمت تصفيته في 14 كانون الثاني 2002.

المشاكل التي تواجه محمود عباس

السلطة الفلسطينية التي امتنعت قيادتها عن التنديد بقتل «المواطن الإسرائيلي» تبذل مع ذلك جهودها للعثور على منفّذي العملية في المناطق «أ» الواقعة تحت سيطرتها الأمنية في نابلس. الخطوات «الإسرائيلية» في المنطقة زادت حرج السلطة التي تبدو في هذه الاثناء كمن أدخلت نفسها إلى طريق مسدود.

صحيح أنّ تصريح ترامب قدّم لرئيس السلطة إمكانية التملّص الموقت، لكنه ما زال في ضائقة. ففي تشرين الثاني الماضي وصلت معلومات مقلقة للفلسطينيين بأن مبادرة السلام التي تطبخها إدارة ترامب تميل بصورة كبيرة لصالح «إسرائيل». صفقة القرن التي يتفاخر بها الرئيس الأميركي ستتضمّن اقتراح بإبقاء المستوطنات على حالها والإعلان عن أبوديس كمدينة القدس الفلسطينية، عاصمة الدولة العتيدة. بالنسبة إلى عباس هذه تنازلات غير مقبولة.

تصريح الرئيس الأميركي مكّنه من اتّهام الأميركيين بأنّهم توقفوا عن أنّ يكونوا وسطاء نزيهين، وأنّ يجد له ملجأ في أحضان المشاركين في «المؤتمر الإسلامي» في تركيا، وأنّ يتهرّب من أي نقاش حول استئناف المفاوضات. لكن تأجيل إجراء المحادثات إلى موعد غير معروف لم يوقف سيل المشاكل الواقعة على رأس الزعيم الفلسطيني. فوكالة «غوث وتشغيل اللاجئين» التابعة للأمم المتحدة وقعت في أزمة اقتصادية خطيرة حتى قبل تهديدات الإدارة الأميركية بتجميد نصيبها فيها. هذه الأزمة، بالمناسبة، تقلق الأردن ايضاً الذي يعيش فيه على الأقل ثلاثة ملايين لاجئ فلسطيني وأحفادهم. إنّ تدفّق الاموال من الدول المانحة إلى المناطق آخذ في النقصان، في الوقت الذي توقّفت فيه فعلياً المصالحة بين السلطة الفلسطينية وحماس، وادّعاء عباس أنّه لا يرى أيّ مكسب يمكن أنّ يأتيه منها.

في الوقت نفسه يزداد اليأس في فتح، بدءاً من صفوف النشطاء الميدانيين وحتى القيادة القديمة، من احتمال تطبيق حل الدولتين.

«إسرائيل» تحتجّ على تصريحات شخصيات رفيعة في فتح لصالح الكفاح المسلّح. مؤخراً قامت «إسرائيل» باعتقال جنرال فلسطيني متقاعد بزعم أنّه نظّم تظاهرات احتجاج في شرق القدس. في الأسبوع المقبل يتم التخطيط لعقد اجتماع للمجلس المركزي في فتح، يتوقّع أنّ يظهر المشاركون فيه خطّاً قتالياً.

عباس نفسه يشعر يوماً بعد يوم بتأثير سنه الكبير في آذار سيبلغ 83 سنة من عمره ، صحته ضعفت ومعها أيضاً صبره والقدرة على العمل، رغم أنّه يبدو عليه أنّ حبه للسفر لم يتضرّر.

في السلطة الفلسطينية تزداد الشكاوى من أعمال الفساد المنتشرة التي يشارك فيها أبناء عائلته. القوى الأخرى في الضفّة الغربية تعرف وضعه، حماس تشجّع بشدّة العمليات ضدّ «إسرائيل»، ويبدو أيضاً على فرض أنّ تحرج هذه العمليات السلطة الفلسطينية. في الأسبوع الماضي نشر الشباك عن حادثة فريدة في نوعها، فيها بحسب ادّعائه، قام «عميل إيراني» بتشغيل خليّة إرهابية فلسطينية في الخليل.

في قطاع غزة تبذل في هذه الأثناء جهود كبيرة يشارك فيها الكثيرون من أجل احتواء العنف والامتناع عن تدهوره إلى مواجهة عسكرية. في ظلّ إطلاق الصواريخ من قبل التنظيمات السلفية، أعلنت «إسرائيل» والسلطة الفلسطينية عن تحويل أموال إضافية من السلطة لتمويل تزويد الكهرباء من «إسرائيل» إلى القطاع. منذ بداية الأسبوع لم يكن أي إطلاق للصواريخ، لكن الوضع بقي هشّاً. الجيش «الإسرائيلي» زاد أجهزة الحماية حول المستوطنات قرب الحدود، ويزيد إجراء المناورات التي يتمّ من خلالها فحص التعامل مع تسلّل «مخرّبين» للقيام بعمليات اختطاف وقتل داخل «إسرائيل» عن طريق نفق. رئيس الأركان شاهد مناورة لإرسال وحدة خاصة للتعامل مع سيناريو كهذا في هذا الأسبوع.

في خلفية هذه الأحداث بقي حساب مفتوح للجهاد على قتل نشطائه ونشطاء حماس في تفجير النفق على الحدود في تشرين الأول الماضي. في نهاية تشرين الثاني أطلق نشطاء الجهاد الإسلامي أكثر من عشرين قذيفة بقطر 120 ميلليمتراً خلال أربع دقائق تقريباً على موقع مراقبة للجيش «الإسرائيلي» قرب سدروت الجنود كانوا موجودين في موقع محصن ولم يصب أحد . بعد شهر تقريباً تم إطلاق قذائف، كما يبدو للجهاد، على كيبوتس كفار عزة اثناء الاحتفال بذكرى الرقيب أورن شاؤول. افتراض الجيش هو أنه ستكون هناك محاولات أخرى.

عدد الطائرات من دون طيار الكبير التي يطلقها مؤخراً الفلسطينيون في السماء قرب الحدود من شأنه أنّ يشير إلى جمع معلومات تمهيداً لعمليات. في «إسرائيل» يقظين أيضاً للتقارير الأخيرة التي تأتي من سورية حول هجمات من طائرات من دون طيار غامضة، تم استخدامها ضدّ قاعدة جوية روسية في شمال الدولة. هذه تكنولوجيا توجد الآن أيضاً في متناول يد التنظيمات في قطاع غزة.

سورية على سبيل المثال

الحرب في سورية التي ستدخل في آذار السنة الثامنة لم تنته تماماً. «نظام الأسد» الذي أعاد سيطرته على معظم التجمّعات السكانية في الدولة ما زال يتصادم مع «المتمرّدين» في جيب إدلب في شمال سورية، ويستعدّ لهجوم مستقبلي لإقصاء «المتمرّدين» عن المناطق الحدودية مع «إسرائيل» في هضبة الجولان.

إنّ الهجومين على القاعدة الروسية في حميميم سبق الطائرات من دون طيار قصف من راجمات، أصيب فيها عدد من الطائرات والطائرات المروحية يبرهنان على أنّ جزء من التنظيمات مصمّم على مواصلة القتال ضدّ الأسد وحلفائه.

أحياناً، هناك حالة الحرب المستمرة تداعيات على عالم الطبيعة أيضاً. في الأشهر الأخيرة حدثت زيادة في عدد حالات داء الكَلَب في «إسرائيل»، في الأساس في شمال البلاد. أحد التفسيرات المحتملة يرتبط بانتقال الثعالب المصابة من الأراضي الأردنية والسورية. سورية شهدت في هذه السنوات انهيار كامل للسلطات المدنية، وبالتأكيد الخدمات البيطرية. في الوقت الذي لا يوجد فيه تحصين منهجي، أيضاً فإنّ الدولة المجاورة ستتضرّر.

الدولة الشرق أوسطية الثانية التي تشهد حرب أهلية خطيرة، بصعوبة تحظى بعشر الاهتمام الذي تحظى به الحرب في سورية، هي اليمن. الحرب في اليمن تجري منذ ثلاث سنوات تقريباً. حوالى ثلاثة ملايين من بين 28 مليون من السكان غادروا الدولة وتحوّلوا إلى لاجئين. أكثر من نصف الباقين يعانون من مشكلات في التزود المنتظم بالمواد الغذائية. ومؤخراً قدّرت الأمم المتحدة أنّه على الأقل هناك مليون مواطن أصيبوا بمرض الكوليرا، وهو مرض ينتقل بسبب المياه الملوثة أو الغذاء الملوث.

هذه أمور قد تحدث بسهولة أيضاً قريباً من البيت. في نهاية الشهر الحالي من المتوقّع أنّ يُجري الاتحاد الأوروبي نقاشاً طارئاً في بروكسل حول الأزمة الإنسانية الشديدة في قطاع غزة. في جهاز الأمن «الإسرائيلي» يصادقون على التقارير المتواصلة للمؤسسات الدولية في شأن استمرار انهيار البنى التحتية المدنية في القطاع، وعلى رأسها المياه والصرف الصحي. مياه المجاري من غزة التي تتدفّق مباشرة إلى البحر تصل أيضاً إلى شواطئ عسقلان وأسدود.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى