دول أوروبا أمام سؤال محرج: ماذا نفعل بإرهابيين من مواطنينا معتقلين في دول عربية؟
د. عصام نعمان
تقف دول أوروبية عدّة أمام سؤال محيّر ومحرج: ماذا نفعل بإرهابيات وإرهابيين سابقين و«متقاعدين»، معتقلين في دول عربية أو طلقاء في دنيا الله الواسعة، يحملون أو يحملن جنسيات دولنا؟
بعضٌ من الجماعات الإرهابية، ذكوراً وإناثاً، تائب أو يدّعي ذلك. بعضهم الآخر «تقاعد» منذ زمن طويل وهو يروم الآن المغفرة من سلطات الدولة الأوروبية التي يحمل جنسيتها ويأمل بالحصول على عفوٍ منها أو محاكمة عادلة بعد عودته اليها أو استرداده من حيث هو مسجون أو موقوف.
دول أوروبا المبتلية بهؤلاء الإرهابيين المعتقلين و«المتقاعدين» حائرة، لا تدري كيف تخرج من هذه الورطة. ثمة بين مسؤوليها مَن يجاهر بدعوة الدول التي يقبع بعض من هؤلاء في سجونها الى أن تتولى محاكمتهم وفق قوانينها النافذة. بعضهم الآخر يدعو الى استردادهم ومحاكمتهم في دولة الموطن الأصلي. لكن، ماذا عن أولئك «المتقاعدين» الطلقاء السارحين في شتى انحاء العالم بعدما جرى «صرفهم من الخدمة» أو فرّوا من مشغّليهم ولم تصدر بحقهم اية احكام قضائية؟ أليسوا عناصر مرشّحة الى معاودة سيرتها الاولى أو الى تشكيل «خلايا نائمة» أو التحوّل الى «ذئاب منفردة» تنقضّ على فريستها في الزمان والمكان المناسبين؟ ثم ماذا عن أطفال هؤلاء الإرهابيين والإرهابيات؟ أنهم أبناؤهم وبناتهم لهم ولهنّ الحق في جنسية آبائهم وأمهاتهم بحكم القانون، فهل يجوز ان يُترَك مصيرهم لدولٍ ولسلطات أمرٍ واقع تحتجز ذويهم المتهمين بارتكاب جرائم هم غير مسؤولين عنها؟
هذه عيّنة من أسئلة كثيرة يطرحها مسؤولون في دول أوروبية مبتلية بوجود مئات بل آلاف من مواطنيها كانوا أو ما زالوا منضوين في صفوف تنظيمات إرهابية ناشطة في سورية والعراق وليبيا ولبنان وسواها.
ثمة أسئلة أخرى تتعلّق بدول عربية تعتقل إرهابيات وإرهابيين يحملون جنسيات أوروبية؟ هل تقبل بتسليمهم الى دولة الموطن الأصلي الأوروبية اذا طلبت هذه الدولة استردادهم؟ وكيف تتصرف دولة الموطن الأوروبية اذا اكتشفت أن مواطنيها الموقوفين بتهمة الإرهاب موجودون لدى إحدى سلطات الأمر الواقع التي لا يشكّل كيانها دولةً بحسب احكام القانون الدولي كـقوات سورية الديمقراطية «قسد» الكردية التي تحتجز الكثير من إرهابيي «داعش» وإرهابياتها في بلدات محافظة الرقة السورية التي تسيطر عليها بدعمٍ من قواتٍ أميركية منتشرة في مناطقها؟
الى ذلك، ثمة مشكلة أخرى أكثر تعقيداً: ماذا لو قامت دولة كسورية أو العراق بمحاكمة إرهابيين أمام محاكمها بموجب قوانينها النافذة وتكشّفت المحاكمة عن وجود أحكام قضائية صادرة بحقهم في الدول الأوروبية التي يحمل هؤلاء الإرهابيون جنسياتها تقضي بإدانتهم لارتكابهم أفعالاً إرهابية، ومع ذلك قامت بمنحهم سمات خروج من أراضيها أو أخرى تجيز لهم السفر الى سورية والعراق أو الى دول مجاورة لهاتين الدولتين ضالعة بتوريد المقاتلين والسلاح والعتاد الى تنظيمات متمردة عليهما بل تحتل مناطق حدودية شاسعة من ترابهما الوطني؟ وماذا سيكون الأثر القانوني والعملي لأحكام قضائية صادرة عن محاكم في سورية والعراق تقضي بإدانة تلك الدول الأوروبية لثبوت وجود صلة جرمية لها بهؤلاء الإرهابيين المحكومين بارتكاب جرائم موصوفة في أراضيها؟ وماذا لو تضمّنت تلك الأحكام القضائية إلزامات لمصلحة تلك الدول العربية بدفع تعويضات مالية للمتضررين من مواطنيها نتيجةَ افعالٍ جرمية ارتكبها إرهابيون منتمون الى تلك الدول الأوروبية ويحملون جنسياتها؟
الى ذلك، يتضح من تحقيق نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» في عددها الأسبوعي الصادر بتاريخ 13-14 يناير/كانون الثاني 2018 أن هناك أكثر من 4300 مواطن من مختلف دول أوروبا غادروا الى سورية والعراق منذ العام 2016، وذلك بحسب دراسة أعدّها مؤخراً المركز الدولي لمناهضة الإرهاب الكائن في لاهاي هولندا ، وأن ضباط الشرطة القضائية الفرنسية يقدّرون ان بين هؤلاء نحو 690 فرنسياً، 295 منهم نساء. حسناً، هل طلبت الحكومة الفرنسية من الحكومة السورية تسليمها مواطنيها الإرهابيين المعتقلين لديها؟ وكيف ستنظر المحاكم السورية الى مسألة امتناع الحكومة الفرنسية عن طلب استردادهم؟ هل ستعتبر ذلك دليلاً او، في الاقل، قرينة على وجود صلة مريبة بين السلطات الفرنسية والإرهابيين الجارية محاكمتهم؟ وهل تترتب على الحكومة الفرنسية وموظفيها أية مسؤولية جزائية في هذا المجال؟ وهل ينشأ نتيجة ذلك حقٌ للحكومة السورية بملاحقتهم قانونياً وسياسياً امام الامم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية؟
لم يصدر عن حكومتي سورية والعراق حتى الأن موقف يشير الى ما تنتويان إجراءه في هذا المجال. لكن الأمر الوحيد الثابت حتى إشعار آخر أنهما تعتزمان محاكمة الإرهابيين والإرهابيات المعتقلين والمعتقلات لديهما أمام محاكمهما الوطنية المختصة.