«المومياء» للأميركي آلِكس كورتزمان… كثير من التقنية والصخب وقليل من التاريخ!

عبد الله الساورة

لا تخلو سنة من فيلم «مومياء» في السينما العالمية منذ عام 1932 مع بوريس كالوف، حتى أضحت قاعدة سينمائية. اختلفت التصوّرات والرؤية لعوالم المومياء والفراعنة وحضارة نهر النيل القديمة ولعوالم من صراع الآلهة والأشباح. رغم تعدّد العناوين، أي جديد تحمله السنوات في تعاقبها؟ وأيّ جديد حمله فيلم «المومياء 2017»، مع جملة من النجوم العالميين في طليعتهم توم كروز، صوفيا بوتيا، وراسل كرو؟

يقدّم الفيلم الأخير على أنّه الفيلم الضجّة والمنتظر وفيلم الصخب الإعلامي. لكن في السينما كلّ شيء يتوقّف على سؤال الجمالية وروعة السرد.

بناء سردي غير منتظم

ينطلق فيلم «المومياء» من إخراج آلِكس كورتزمان، من الموصل عام 2016 مع «داعش» والحرب على أشدّها. الجنود الأميركيون يساندون الجنود العراقيين بينما يكتسح «الدواعش» المنطقة ويحاصرون الجنديّين توم كروز ورفيقه فوق سطح منزل، لتأتي طائرة حربية تقصف جميع «الدواعش» وتخلّف خلفها حفرة كبيرة تظهر منها آثار رأس تمثال كبير وقديم، من هنا تنطلق الحكاية نحو الماضي السحيق نحو المومياء الملعونة التي وجدت في تابوت في الحفرة ذاتها وكذلك نحو الحاضر.

الفضاء المكاني

يقدّم «المومياء» نوعين من الأمكنة، أمكنة مفتوحة وأخرى مغلقة، يتعلّق النوع الأول بفضاءات مفتوحة وبلقطات بانورامية، كما هو الأمر في بداية الفيلم ونهايته، مدينة الموصل وصحراؤها كفضاء للصراع وأرض تزخر بالآثار والحضارات القديمة. فضاء مدينة لندن المنفتحة بشوارعها حينما تشعر المومياء برغبة كبيرة في تعقّب توم كروز، وكذلك مشاهد الصراع داخل الغابة.

في هذه الأمكنة يقلّ الحوار وتحضر الحركة والصراعات والمجابهات الجسدية، والرغبة في السيطرة. في النوع الثاني من الأمكنة وهي الأمكنة المغلقة مثال الحفرة الكبيرة، حيث وجد تابوت المومياء وهو فضاء هندسي بديع صُمّم بدقّة عالية وفنّية عالية. ثم مختبرات الشركة المنقبة عن آثار المومياء في لندن تحت الأرض، وهي أمكنة ضيّقة وعليها حراسة مشدّدة يكثر فيها الحوار والجدل، وتتطوّر فيها حبكة الفيلم.

كما ثمة أمكنة تضيق أكثر، كمكان سقوط الطائرة العسكرية المسافرة من العراق والمتوجّهة إلى أميركا التي تسقط في المملكة المتحدة. هذا المكان الضيق هو تابوت المومياء وهو مكان يحفل بتاريخ المومياء ولعنتها وسجنها فيه وعذاباتها الكبيرة ومحاولتها الخروج لتحقيق حلمها في السيطرة. تعبّر الأمكنة الضيّقة في الفيلم عن قلق وعذابات الشخصيات الفيلمية في التابوت والطائرة والحفرة والمختبر.

توم كروز المختلف

يدور الفيلم بلا شك حول «تايلر كولت» الذي أدى دوره توم كروز، جندي في القوات الخاصة الأميركية في العراق. يظهر الفيلم بشكل مبالغ فيه، حجم الكاريزما التي يتمتّع بها توم كروز وحيويته في مشاهد الحركة، عبر عدد من المشاهد في رحلة طويلة ومظلمة مع ترك عدد من الأسئلة في نهاية الفيلم كمؤشر على جزء ثانٍ منه، كما يظهر في المشهد الأخير بطل الفيلم منطلقاً مع صديقه ممتطيّاً صهوة فرسه في الصحراء الشاسعة. تم التركيز على شخصية كروز في حضور قوي وتغيّرات متباينة بين المشاهد الأولى والمشاهد الأخيرة في الفيلم بينما تم إنتاج شخصية عالمة الآثار «آنابيل واليس» كشخصية نمطية مرافقة تفتقد الكثير من الكاريزما، يعمل بطل الفيلم على إنقاذها رغم معرفته القصيرة بها.

البطل الذي لا يموت

على مستوى البناء الفيلمي، هذه الوحوش، الأشباح، المسوخ ليسوا أوغاداً بل إنّهم أبطال، وبالتالي تغيير النوع والبعد الفيلمي. فالممثل راسل كرو في دور الدكتور ومختصّ في الحضارة الفرعونية وخباياها، يمثّل حلقة الوصل بين مقدّمة الفيلم وما تبقى منه، لأنه يترأس «Prodigium»، وهي منظّمة غامضة مهمتها دراسة الوحوش في العالم المعاصر، وهو المسؤول عن محاكمتها وتدميرها، في أي لحظة من لحظات الفيلم هناك تخوف حقيقي أو خوف من المستقبل من نموّ الشخصيات وتطوّرها، ويعود ذلك في جزء منه إلى كروز الذي لديه تردّد خاص للموت في أفلامه، وأكثر من ذلك طبيعة النص الفيلمي ومراهناته.

هو نصّ يفتقد إلى العمق جداً ويسافر في تطوّر سردي غير منتظم، بل من المستحيل أن يخلق تعاطفاً مع الشخصيات أو مع دوافعها. كل هذه الدوافع الداخلية والخارجية لها علاقة بتسويق الفيلم وترويجه لصورة النجم كروز.

لماذا آلِكس كورتزمان؟

لماذا تقدّم شركة سينمائية عملاقة على تقديم المخرج آلِكس كورتزمان، من مواليد 1973 لوس أنجلوس، مخرجاً لفيلم «المومياء»؟

بدايةً، لأن كورتزمان هو مؤلف من الطراز الرفيع للكثير من القصص السينمائية التي لقيت نجاحاً تلفزيونياً وسينمائياً، على رغم أنّه لم يثخرج سوى فيلمين «مرحباً بكم إلى الشعب» عام 2011، وفيلم «المومياء» عام 2017. لكن أعمالاً سينمائية كبيرة حضر فيها المخرج كمؤلف وقاصّ أبدع فيها بشكلٍ كبير، إضافةً إلى حضوره الكبير في مسلسلات تلفزيونية لقيت نجاحاً مدويّاً على المستوى العالمي، سواء عندما كان مخرجاً أو مؤلّفاً أو منتجاً منذ 1996.

سينما المومياء: ما الإضافة؟

في العدد الهائل من أفلام المومياء والحضارة الفرعونية القديمة منذ 1931 إلى اليوم، في كل سنة نرى أكثر من نموذج لفيلم سينمائي موميائي في قوالب مختلفة بأبعاد تاريخية واجتماعية وسياسية، لكن السؤال المطروح: ما الإضافة النوعية لفيلم المومياء؟ على المستوى التقنّي قدّمت شركة «يونيفرسال» جديدها في الفيلم مدشنة عودتها لأفلام المسوخ والأشباح، وهو فيلم مثير بتقنياته الجديدة وقدرته المونتاجية والماكياجية ولكنه لا يقدّم أيّ إجابة فكرية عميقة لسؤال لعنة الفراعنة، أو إضاءات عن تاريخ الفرعونية. فقط هناك بعد تجاري وتسويقي محضّ في إطار التكالب والتنافس بين شركات الإنتاج العملاقة على المواضيع الجذابة التي يتلهّف لها الجمهور الغربي بصفة عامة، وفي مقدّمتها أسرار وألغاز المومياء والحضارة الفرعونية. في الفيلم الكثير من الطلقات النارية والانفجارات وقليل من التاريخ. لم تسرد الحكاية بشكلٍ جيد وظلّت غامضة إلى حدّ بعيد وزائفة.

في فيلم «المومياء» داخل أجواء الإثارة هناك تاريخ بعيون أميركية، ولعنة المومياء فقط لم تراوح مكانها وظلّت في العراق وفي المملكة المتحدة.

كاتب مغربي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى