بَلَّلْتُ وجهي حينما المَطَرُ انْهَمَرْ
بَلَّلْتُ وجهي حينما المَطَرُ انْهَمَرْ
فإذا بهِ دَمعُ الشَّدائِدَ لا مَطَرْ
قُلتُ غَضَباً..
قالَ وَيْحُكَ يا فتى
لا مَوتَ يُغْضِبُني أنا وجه القدر
حدّقتُ فيهِ بنظرةٍ شرقيّةٍ
علّهُ يراني كيفَ أمعنتُ النَّظَرْ
وزجَرتُ فيهِ بنبرةٍ عصبيّةٍ
متكابرٌ أنتَ .. تمايلَ فانكَسَرْ
وابتَسَمَ في وجهي أخالهُ قائِلاً
قَدْ ماتَ مَنْ كانَ الوَفيَّ بِمُخْتَصَرْ
قَدْ ماتَ مَنْ كانَ الوفيَّ
للمبادئ .. للقضية
أرزة الجبل الأشمّ
صخرة الجرد العصيّة
صورة الحزب الأتمّ
قدوة النفس الأبيّة
في الملاعب .. والمتاعب
والمصاعب والأذية
في المواجع .. والمواقع
في الأمانة والمكانةِ
والقيادةِ .. في الخطوط الأوليّة
غابَ نسراً جنحه حبرُ الوصيّة
عزمهُ سُحُبٌ عتيّة
ما تهَيَّبَ .. ما تغَيَّبَ .. ماتَ حيّا
كلّما نادتهُ ريحٌ قالَ هيّا
بلِّل وجوهنا يا مطرْ
واذرف دموعك يا قدرْ
قد ماتَ مَنْ كانَ الوفيَّ بمختصرْ
أنْ نحتكم للعقلِ فهذا شرعنا
أن نلتجئ للصبر فهذا محتَّمُ
أن نَفقِدَ الأبطال كَذا تاريخنا
أبطالنا في الموتِ عَهداً أقسموا
أن تُرفَعَ الرّاياتُ حزناً على الفقيدْ
أن تَغتسِلْ بالدَّمعِ ألحان النّشيدْ
لو مسَّنا هذا المصابُ المؤلِمُ
أن ننحني لغيابِكَ مُتألّمينْ
أن نبكي وقفاتَ المراحلَ والسّنين
أن نَعْتَصِرْ حُزناً وشوقاً يا أمين
وتحزُّ في الصَّدرِ الجراحُ وتَعظُمُ
أن نرتدي ثوبَ المصائب والألمْ
أن ينسدل حبرُ الوداعِ بلا قلمْ
أن تعتصم حُمرُ الزّوابعَ في العلم
وتُكَمُّ أفواهُ القُلوبِ وتُكْتَمُ
أن تُخنَقَ النَّهداتُ في خيطِ الحناجِرْ
وتُشَلُّ أقدام المواقعِ والمنابرْ
أنْ يرتمي في نعشِكَ عطرُ العنابرْ
والنارُ في ماءِ المآقي تُضْرَمُ
يا موتُ لا تَسخَرْ بنا إنْ جئتنا
أحياءَ نحنُ نشعُرُ نتألَّمُ
مَنْ غابَ عنّا كانَ فينا مقدَّماً
منهُ المواقفَ بالصّعابِ تعلّموا
مَنْ غابَ قد كانَ الأمينَ المؤتَمنْ
بعزيمةٍ تزدادُ لا تتحطَّمُ
وَهَبَ السنينَ الغالياتِ بلا ثمنْ
إلّا بعزّةِ شعبهِ لا يحلمُ
قَدْ كانَ في كلّ المواقعِ فيصلاً
لو كانَ للدَّهرِ فمٌ يتكَلَّمُ
يخبركَ عن كفِّ الوزيرِ الأنصَعِ
يخبِركَ عن ذاكَ القيادي الأنصَعِ
يخبركَ عن نفسٍ تضحّي فَتُحْرَمُ
منْ غابَ عنّا كانَ رَعداً في سَماهْ
إنعامُ يَعرفهُ ويعرفُ ما حواهْ
واليومَ أعلمكم بما لم تَعْلموا
قَدْ كانَ رابِعَ مَنْ أعادوا لأمّتي
زَمَنَ الكرامةَ والعمالةِ أعدموا
فلتَعلَموا ..
كانَ الوفيَّ للعميدِ محمَّدٍ
وبهِ النّبيلُ والحبيبُ أعلَمُ
يا موتُ لا تسخَرْ بنا لو جئتنا
أحياءَ نحنُ نشعُرُ نتألَّمُ
نبكي ونأسف نرتجف ما همّنا
لكننا لا نُكسَرُ لا نُهْزَمُ
أنْ نَبكيَ الأبطال .. فهذا حقّنا
أن نَرتَجِفْ للموتْ فذاكَ مُحَرَّمُ
مُذْ غابَ مَنْ وَهَبَ الحياةَ لحزبنا
أنّا أتانا الموتُ فينا يُكَرَّمُ