الحملة الأميركية الفرنسية تزيد روسيا تمسكاً بدورها في رعاية الحل… بين سوتشي وفيينا نهاية ماراتون التجاذبات حول تعديل المهل… والجميع إلى ماكيناتهم… إلى الانتخابات در
كتب المحرّر السياسي
في اليوم السادس للحرب التركية على الأكراد لا جديد نوعي في جبهات القتال سوى المزيد من الاستناف المتبادل الذي يترجم بمزيد من الضحايا المدنيين في عفرين وجوارها، ومزيد من حشود المعارضة المسلّحة التابعة لتركيا، تحاول التقدم في مناطق السيطرة الكردية من دون نتائج نوعية، فيما الارتباك الغربي يتزايد بين عجز عن تقديم وساطة بين الحليفين التركي والكردي، والعجز عن تقديم العون والدعم لنصرة أحد الفريقين، فتنصبّ الضغوط الفرنسية والأميركية على روسيا وحليفتها الدولة السورية لمنعهما من قطف ثمار مأزق قوى التحالف الذي قاد الحرب على سورية، حيث بدت القيادات الكردية أكثر قرباً من إجراء مراجعة تعيدها إلى الاستثمار على علاقتها بالدولة السورية لضرورات ميدانية وسياسية. فالحرب كتهديد يفوق قدراتها، في ظل التغاضي الروسي الأميركي وقوة آلة الحرب التركية، تفرض البحث عن خطوط إمداد وهوامش مناورة ميدانية لا تتوافر إلا عبر خطوط انتشار الدولة السورية من جهة، كما الطريق المسدود للحرب والعجز عن حماية الخصوصية الكردية المتطرّفة حدّ الانفصال يستدعيان البحث بخيار سياسي يحمي من الانهزام أمام الأتراك ويتيح الانفتاح على فرص الحل السياسي التي تشكل الدولة السورية إطارها، وفقاً لما صرّح به قادة أكراد أعلنوا رفضهم أي مشروع انفصالي، وعدم استعدادهم للتحوّل إلى ورقة أميركية، وتطلعهم لحجز مقعد في معادلة الحل السياسي كمكون سوري أصيل من بين مكوّنات النسيج الوطني للمجتمع السوري، بينما الأتراك الذين يستشعرون خطر الوقوع في مستنقع الاستنزاف ويدركون حجم أهمية الموقف الروسي في هذه المواجهة، فيسعون لمقايضة روسيا المزيد من المهل للتقدم العسكري بالمزيد من الاستعداد لدفع قيادات المعارضة للمشاركة تحت المظلة الروسية في محادثات سوتشي، كما عبرت التصريحات الصادرة عن قادة هيئة التفاوض، ومن بينها ما قاله رئيس منصة موسكو قدري جميل، عن مؤشرات لتفاهم توافقي في هيئة التفاوض على المشاركة في سوتشي، مقابل أصوات من جسم المعارضة تتّهم رئيس هيئة التفاوض نصر الحريري بترجمة مصالح تركية بدلاً من مصلحة المعارضة.
روسيا تقطف ثمار النجاحات بين مساري فيينا الذي يقوده المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا بالتنسيق معها، وسوتشي الذي توسّعت الدعوات للمشاركة فيه وصار شبه مؤكد تحوّله لمناسبة احتفالية بنجاح الدور الروسي في رعاية الحل السياسي رغم مساعي العرقلة الغربية.
لبنانياً، بقيت الخلافات الكامنة في مكانها، وترحّلت جميعها نحو ما بعد الانتخابات النيابية، بعدما تمّ التسليم بزوال الفرص لتعديلات على مهل قانون الانتخاب، وبدأ الجميع يتصرّف وفقاً لمعادلة أن لا وقت للتعديل ولا للتأجيل، فأقلعت الماكينات الانتخابية وبدأت ورش التحالفات ومباحثات تشكيل اللوائح، وجاء كلام رئيس المجلس النيابي نبيه بري عن مواعيد الترشيح وتشكيل اللوائح إشارة كافية في هذا الاتجاه، إلى الانتخابات در.
بري: باب التعديلات أُقفِل
على رغم التجاذب السياسي الذي يُخيم على المشهد الداخلي حيال جملة من العناوين كمرسوم الأقدمية والناجحين في مجلس الخدمة المدنية والتعديلات الانتخابية وأزمة النفايات، غير أن تأكيد إجراء الانتخابات النيابية في موعدها شكّل نقطة التقاء بين أركان الدولة.
وغداة توقيع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، وتأكيده إجراء الانتخابات في موعدها، نقل النواب عن رئيس المجلس النيابي نبيه بري بعد لقاء الأربعاء أن «الإرادة اللبنانية الجامعة تؤكد ضرورة إجراء الانتخابات النيابية في موعدها، وهذا الموضوع أصبح أمراً واقعاً لا شك فيه». وأضاف: «أن كل اللبنانيين مصرّون على إجراء هذه الانتخابات في موعدها المحدّد رغم معارضة بعض الخارج. والروزنامة المحدّدة في القانون تؤكد أننا دخلنا في مرحلة الانتخابات بكل معنى الكلمة، وأن أيّ محاولة أو حديث عن تعديل أصبح وراءنا وهو في غير محلّه، ولو كنا دخلنا المجلس لأي تعديل كان لشكل ذلك خطراً على القانون».
وأطلع بري النواب على المواقيت المحددة في القانون لجهة فتح باب الترشيحات في 5 شباط وإقفالها في 7 آذار، مشيراً الى أن «الحملات الانتخابية تبدأ مع بداية هذا التاريخ، أي 5 شباط».
ونقل زوار رئيس المجلس عنه قوله لـ «البناء» الى أن «الانتخابات النيابية سلكت طريقها ولا جدوى من اجتماع اللجنة الوزارية الانتخابية، بعد أن أُقفِل الباب أمام التعديلات الانتخابية»، وجدّد بري اتهامه لدولتين لم يسمِهما تعارضان إجراء الانتخابات، ولفت الزوار الى أن «مقابل المادة 84 في قانون الانتخاب نفسه هناك المادة 95 التي تحدّثت عن إجازة الاقتراع ببطاقة الهوية أو جواز السفر»، مشيرين الى أن «القانون ليس مثالياً بل تعتريه بعض الثغرات وتم إقراره على عجل تجنباً للفراغ التشريعي».
ونقل زوار الرئيس بري أيضاً أنه «لا جديد في أزمة المرسوم التي تراوح مكانها في ظل إصرار الرئيسين بري وميشال عون على موقفهما من الأزمة المفتوحة الى ما بعد الانتخابات النيابية، فالقضية ليست قضية مرسوم فقط، بل إن الممارسة السياسية والدستورية منذ بداية العهد حتى الآن في ملفات عدة لا تتوافق مع القوانين والأعراف ودستور الطائف من أزمة المرسوم إلى تجميد مرسوم الناجحين في مجلس الخدمة المدنية إلى موضوع الانتخابات النيابية».
ونفت مصادر مقرّبة من عين التينة لـ «البناء» أن «يكون الرئيس بري يُعِد ورئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط لتشكيل جبهة ضد بعبدا تتظهر بشكلٍ فعلي بعد الانتخابات النيابية»، مؤكدة أن «العلاقة بين بري وجنبلاط تاريخية وهناك تنسيق وزيارات متبادلة دائمة بينهما ورئيس المجلس حريص على الاستقرار الداخلي في البلد، وفي الوقت نفسه حريص على حسن تطبيق اتفاق الطائف الذي يرعى التوافق والتوازن في البلد».
ووصفت المصادر العلاقة بين بري ورئيس الحكومة سعد الحريري، بـ «الباردة» وأن التواصل المباشر بينهما مقطوع منذ الاتصال الأخير من حوالي الأسبوعين ويقتصر التواصل مع الحريري عبر وزراء حركة أمل في جلسات مجلس الوزراء».
في المقابل اعتبر وزير العدل سليم جريصاتي كلام الرئيس برّي عن تخطّي رئيس الجمهورية الدستور هو «كلام خطير ولا يتحمّله البلد ولا علاقة لوزير المال بمرسوم الأقدمية»، مؤكداً في حديث تلفزيوني أن «رئيس الجمهورية ميشال عون جسّد الطائف بحقيقته وروحيته ونصه، لأن الطائف هو عملية تشاركية بين مكوّنات وطنية والهدف منه هو دولة مدنية أما الطريق لذلك فهي شاقة»، معتبراً أن «هذا التجسيد جاء عن طريق هذا الرئيس القوي ونحن خرجنا من الكهف وعلى البعض أن يعتاد أننا خرجنا من الكهف الى النور».
التطمينات الرئاسية، واكبها وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي أكد جهوزية وزارة الداخلية والبلديات لهذا الاستحقاق من خلال تكثيف وتفعيل التحضيرات اللوجستية والإدارية والتقنية، رغم تعقيداتها المضنية ورغم التأخر في الإقرار العملي للميزانية الانتخابية. كما شدد المشنوق على «أهمية مشاركة اللبنانيين المقيمين في الخارج وللمرة الأولى في الاقتراع وهي فرصة للمنتشرين لإسماع صوتهم وتعزيز حضورهم في الحياة العامة اللبنانية والعملية الديمقراطية».
فشل مبادرة جنبلاط!
ومع دخول البلاد في الفلك الانتخابي، كثفت القوى والأحزاب السياسية اجتماعاتها على المستوى الحزبي الداخلي وعلى صعيد الحوار مع القوى الأخرى تمهيداً لحسم الترشيحات الداخلية والتحالفات الانتخابية. وفي سياق ذلك، أرجأ النائب وليد جنبلاط مؤتمره الصحافي الذي كان مقرّراً الأحد المقبل لإعلان أسماء مرشحي الحزب التقدمي الاشتراكي بانتظار استكمال التشاور مع القوى التي يتشارك معها الحزب في عدد من الدوائر، أما التردّد الجنبلاطي في الحسم، مرده بحسب مصادر الى فشل مبادرة رئيس الاشتراكي في تشكيل ائتلاف انتخابي يضم تيار المستقبل والتيار الوطني الحر وحزب «القوات اللبنانية». ولفتت المصادر إلى أن «شكل التحالفات في دائرة الشوف عاليه سينعكس على التحالف في مختلف الدوائر لا سيما في دائرتي بيروت الثانية والبقاع الغربي»، ويتزامن ذلك مع استمرار الاتصالات بين التيار الوطني الحر و»القوات» وسط تأكيد مصادر «التيار» لــ «البناء» بأن «التواصل واللقاءات بين الوزير ملحم رياشي والنائب إبراهيم كنعان يهدفان للحفاظ على العلاقة السياسية بين الحزبين وإنقاذ ورقة النيات، لكن لم تتضح معالم التحالف الانتخابي بينهما حتى الآن»، مستبعِدة أن يتّجه التيار الى «إعلان التحالف مع «القوات»، إذ لا مصلحة له بتضخيم حجم القوات اللبنانية التي تستطيع كحدٍ أقصى الحفاظ على حجم كتلتها النيابية».
كما ينتظر جنبلاط، بحسب مطلعين نتائج الحراك على خط معراب بيت الوسط، لعقد لقاء بين الحريري ورئيس القوات سمير جعجع، لكن مصادر الفريقين «تستبعد أن تنعكس اللقاءات بين الوزير رياشي والوزير غطاس خوري على الصعيد الانتخابي».
الحريري يتخطّى الألغام
في غضون ذلك، ورغم الطابع الاقتصادي لمشاركته في مؤتمر دافوس وقبل عودته الى حقل المطبات الداخلية، استطاع الرئيس سعد الحريري تجاوز الألغام السياسية السعودية و»الإسرائيلية» التي زرعت له على هامش المؤتمر، فقد رُصِدت دردشة على هامش المؤتمر بين الحريري ووزير الخارجية السعودي عادل الجبير. وهذا اللقاء الأول بينهما منذ أزمة احتجاز الحريري الذي ظهر مبتسماً خلال اللقاء، أما اللغم الثاني فهو محاولة «إسرائيلية» لبث الفتنة في الداخل من خلال إيقاع الحريري بفخ التطبيع الإعلامي مع العدو «الإسرائيلي»، فقد ادعت إحدى وسائل إعلام العدو أنها أجرت حديثاً صحافياً مع الحريري الذي سارع مكتبه الإعلامي الى نفي الخبر، مؤكداً أن «الرئيس الحريري لم يدل بأي تصريح لأي وسيلة «إسرائيلية»، لا في دافوس ولا في غيرها».
وقد رفض رئيس الحكومة بحسب مصادر إعلامية الإقامة في فندق انتركونتننتال بسبب إقامة الوفد «الإسرائيلي» فيه.
وأكّد رئيس الحكومة أنّ «علاقتي بالسعودية على أفضل ما يرام والسبب الذي دفعني للعودة عن استقالتي هو أن الأطراف اللبنانية اتفقت على النأي بالنفس والمضي به»، مشيراً إلى أنّه «منذ انتخاب رئيس الجمهورية باتت لدينا فرصة اكثر اليوم لإبعاد لبنان عن العواصف التي تهب حوله».
واعتبر الحريري في حديث صحافي في منتدى دافس الاقتصادي أنّ «الولايات المتحدة لا تستهدف لبنان والاقتصاد اللبناني، إنما تركز على حزب الله، ونحن لا يمكن أن نلوم الشعب اللبناني على هذه المشكلة المرتبطة بالمنطقة ككل»، لافتاً إلى أنّ لبنان والعالم العربي بحاجة لتشكيل شراكة وقال: «يجب أن نستثمر في مصر والعكس».
أمّا عن العلاقة مع إيران، فقال الحريري: «نريد أفضل العلاقات مع إيران من دولة إلى دولة، ولا بدّ أن تتوقف طهران عن التدخل في اليمن، وهذا ما سيفتح باب الحوار في المنطقة».
عون أنهى زيارته الكويت
على صعيد آخر، أنهى رئيس الجمهورية زيارته الرسمية الى الكويت. وخلال الخلوة التي عقدها مع أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح في قصر بيان في ختام الزيارة، أطلع عون أمير الكويت على نتائج اللقاءات مع المسؤولين الكويتيين، شاكراً له التوجيهات التي أعطاها لتفعيل التعاون بين اللبنانيين والكويتيين. وردّ أمير الكويت، مؤكداً المكانة الخاصة التي يكنّها والشعب الكويتي للبنان واللبنانيين، إضافة الى العلاقة القديمة التي جمعته بالرئيس عون.
وفي حين تمكّن الرئيس عون من إعادة العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين الى طبيعتها، وقطع المدير العام للأمن العام شوطاً هاماً على طريق إنهاء ملف «خلية العبدلي»، لا يزال ملف العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين غامضاً مع إصرار الكويت على رفض قبول اعتماد السفير اللبناني الجديد لديها، وعلمت «البناء» من مصادر مطلعة أن «الرئيس بري مصرّ على تعيين السفير اللبناني في الكويت ريان سعيد ويرفض تعيين آخر مكانه، لأن أي تعديل سيمسّ بالتوازن الطائفي في التشكيلات الدبلوماسية وكان الأجدر بالحكومة أن تلتفت الى هذه النقطة منذ البداية». وتساءلت المصادر عن سبب رفض السلطات الكويتية للسفير، مشيرة الى أن السبب الطائفي غير مقنع ولا أسباب أخرى موضوعية، مؤكدة أن «إصرار لبنان على اعتماد السفير سعيد هو قرار سيادي لا يجوز التنازل عنه».