«الميادين» تضيء على «نسور الزوبعة» في وثائقي بعنوان «سوريانا» تعرضه الأحد التاسعة مساء حماة الحضارة والتاريخ والثقافة والإنسان… من بيروت إلى الشام وفلسطين وكلّ أرضنا

عبير حمدان

تسقط الحدود في مواجهة من يؤمن بأنّ الحياة وقفة عزّ فقط، وأنّ التقسيم بدعة لم يُعترَف بها يوماً في فكر أبناء الحياة. هم ألوان الطيف، والأرض هي الركيزة، والحقّ هو فعل البقاء، والدماء لا تختلف، والعقيدة هي الشعلة التي لا يمكن أن تذوي مهما أحاط بنا الظلام.

همّهم يمتدّ من بيروت إلى الشام وفلسطين وكلّ بقعة من أرضنا. وحين يناديهم الواجب لا تقصيهم الأسلاك الشائكة، ولا يبحثون عن الضوء. فهم يحلّقون عالياً فوق الاعتبارات والمعاهدات والتقسيمات كلّها…

لم يسعوا يوماً ليكونوا مادة إعلاميّة رغم حضورهم القويّ ولو بإمكانيات عسكرية محدودة منذ بداية الحرب على سورية. ولعلّ غيابهم القسريّ عن المشهد الإعلاميّ مُستفزّ لمن يراقب قصص الميدان ويحاكيها من موقع المصداقية في التعاطي لا الاستنسابية. انهم منتشرون على الجبهات كافة، من السويداء الى أثريا وفي كلّ قرية ودسكرة، يدافعون عن أرضهم وشعبهم يقاتلون الإرهاب، ويقوّضون مشاريع التفتيت والتقسيم.

من هنا، اختارت المخرجة يارا أبو حيدر توثيق دور الحزب السوري القومي الاجتماعي في مواجهة الإرهاب على الصعد كافة، العسكرية والثقافية والإنسانية، وقد أطلّت في هذا العمل التوثيقي من نافذة «نسور الزوبعة»، فكان عنوان الوثائقيّ «سوريانا»، الذي تنتجه قناة «الميادين» وتعرضه غداً الأحد.

إضاءة بديهية على الإنجازات

لم تدخل أبو حيدر في السرد التاريخي حول تأسيس «نسور الزوبعة»، ربما لأنّ الواقع يفرض البحث في ما يشهده الميدان السوري من مواجهات وكيفية التصدّي للهجمة الإرهابية على ثقافتنا وتاريخنا وحضارتنا وإنساننا. وتركّز في طرحها على ضرورة إنصاف كلّ من شارك في قتال «داعش» والإرهاب بمسميّاته كافة، التي هدّدت وجودنا. ولأنّ الحزب السوري القومي الاجتماعي كان ولما يزل حاضراً وبقوّة في سورية وفي كلّ مكان يتطلّب منه الوجود والتصدّي ومقاومة العدوّ، ترى أبو حيدر أنه من البديهي الإضاءة على إنجازاته حيث أنه قدّم شهداء كثيرين، ومنح الأمن والأمان للناس، ولم يغفل أيضاً عن حماية التاريخ حيث تطلّب منه الأمر ذلك.

العدوّ الواضح

ننطلق مع أبو حيدر من بيروت، وبرفقة عناصر من نسور الزوبعة بزيّهم العسكريّ، تجول في السويداء، تتوقف أكثر عند سير الشهيدين فيصل الأطرش ورشوان مشرف اللذين سارا على درب الانتصار. وتبرع أبو حيدر في مزج صدى عباراتهما مع حجم الدمار الذي خلّفته الحرب.

إشارة سريعة إلى تاريخ تأسيس «نسور الزوبعة» في مواجهة العدوّ الصهيوني، للتأكيد على أنّ هذا التشكيل العسكريّ جاهز في كلّ مكان وزمان، للذوْد عن الأرض وناسها، وعدوُّه واضح. وطبعاً، في سورية، يحارب الإرهاب وبتنسيق كامل مع الجيش السوري.

العفوية المشدودة إلى الفكر

لم تعتمد أبو حيدر اللقاءات التقليدية بإطار سرديّ، إنما جعلت للصورة روحاً مختلفة. جمعت بين الحجر والبشر والطبيعة، وحافظت على عفوية التعبير لدى المقاتلين القوميّين، عفوية مشدودة إلى الفكر القومي الاجتماعي الذي هو الأساس، ومشدودة الى هدف واضح، هو الدفاع عن سورية، سورية الطبيعية بلا أيّ حدود مخترعة، لأنهم سوريون قوميون اجتماعيون، ولا داعي للبحث في ما هو مكتوب على بطاقات هوّيتهم.

صبحي العيد وسامي سعادة وفواز الشيخ ووليد الخوري وبشار شاهين، أسماء تحفر عميقاً في وجدان أهالي القرى التي لأجلها ارتقى هؤلاء شهداء في مواجهة الإرهاب والتطرّف، ومنعاً لقطع طريق حمص ـ دمشق. والعيد المعروف بـ«الوطواط»، قاتَل العدوّ الصهيونيّ في جنوب لبنان، ثم استشهد على أرض سورية. هم بكلّ بساطة شباب جمعتهم العقيدة.

أحد النسور الذي رافق أبو حيدر في جولتها الميدانية، يتحدّث عن القائد محمد عوّاد الذي استشهد في حمص، ويسير بين المباني التي طاولها الدمار بشكل كبير بحثاً عن ركن افتراضي قد نزف عنده عوّاد، قبل أن يردّ الوديعة. ويقول: «تمنّيت لو كنت برفقته لأسمع كلماته الأخيرة، لا أخشى الموت لكنّني أخشى أن أموت قبل تحرير فلسطين، وأرى أنّ اليوم الذي سنكون فيه على أرضها قريبٌ».

مطلب الناس…

إلى جانب الشقّ العسكري، حمى «نسور الزوبعة» التاريخ والحضارة، إذ يقول نهاد سمعان منفذ عام منفذية حمص في الحزب السوري القومي الاجتماعي: «بقينا في حمص وأصبحنا مطلباً لدى الناس لأننا نحميهم، وحين بدأ المسلّحون بحرق كلّ شيء لهم من مكاتب وأوراق وسيارات، كنّا نخشى أن يلتهم الحريق أشياء تهمّنا، وكان دورنا تنظيف المنطقة من القنابل والمفخّخات. وطلبنا من المعنيّين وضع الحواجز والسواتر الترابية حول حمص القديمة بهدف الحفاظ على الأماكن التراثية فيها، خشية تعرّضها لأيّ خطأ بشريّ محتمل. لم نترك حمص القديمة إلّا في بداية أيلول عام 2017».

بين التاريخ والبندقية صلة خفيّة قوامها العين التي تسجّل وتحفظ كلّ ما أمكنها من مَشاهد كذخيرة لأجيال جديدة من حقّها أن تعرف ماذا حصل على أرض سورية، وكيف تصدّى أهل هذه الأرض للمشاريع التدميرية كلٌّ من موقعه… ويصدح صوت الشهيد فيقول: «أنا أدونيس أسعد نصر مواليد 1981 في الشويفات… انضممت وقاتلت واستُشهدت مع نسور الزوبعة وقدوتي كلّ قوميّ اجتماعيّ قاتل وحمل السلاح واستشهد من أجل هذا الوطن».

وبعد…

إيمان لا يتزعزع

وجوه كثيرة لم يتزعزع إيمانها بأنّ سوريانا تستحقّ الحياة، وكلّ هذه الوجوه تؤمن بفكر قومي وقّاد ونهج مقاوِم، وهي تعرف العدوّ جيّداً وتتمسّك بعقيدتها الصراعية حتى الطلقة الأخيرة.

وثائقي «الميادين» يضيء على جوانب أساسية من دور نسور الزوبعة في الجغرافيا السورية، وإنْ لم تشمل الجولة الميدانية مناطق أساسية في الحصن وحماه وريف اللاذقية، حيث كانت هناك أيضاً ملاحم بطولية.

«سوريانا… نسور الزوبعة»، وثائقيّ من إنتاج «الميادين»، إخراج يارا أبو حيدر، يُعرض مساء غدٍ الأحد في تمام الساعة 9:00 بتوقيت بيروت.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى