ولأن في التاريخ بدايات المستقبل…
ولأن في التاريخ بدايات المستقبل…
تُخصّصُ هذه الصفحة صبيحة كل يوم سبت، لتحتضنَ محطات لامعات من تاريخ الحزب السوري القومي الاجتماعي، صنعها قوميون اجتماعيون في مراحل صعبة من مسار الحزب، فأضافوا عبرها إلى تراث حزبهم وتاريخه التماعات نضالية هي خطوات راسخات على طريق النصر العظيم.
وحتى يبقى المستقبل في دائرة رؤيتنا، يجب أن لا يسقط من تاريخنا تفصيل واحد، ذلك أننا كأمّة، استمرار مادي روحي راح يتدفق منذ ما قبل التاريخ الجلي، وبالتالي فإن إبراز محطات الحزب النضالية، هو في الوقت عينه تأكيد وحدة الوجود القومي منذ انبثاقه وإلى أن تنطفئ الشمس.
كتابة تاريخنا مهمة بحجم الأمة.
إعداد: لبيب ناصيف
إذا رغبنا أن نستعرض أسماء الشعراء الذين أغنوا الأدب الشعبي في لبنان، وكان لهم حضورهم اللافت على المنابر وفي المجلات المتخصصة، ومعظمهم أصدر دواوين شعر، لوجدنا أن الكثيرين منهم عرفوا الحزب السوري القومي الاجتماعي وناضلوا فيه، وكان لهم الكثير من القصائد القومية التي كان يرددها القوميون الاجتماعيون في مناسباتهم.
من هؤلاء الشعراء نذكر على سبيل المثال، الراحلين منهم: الأمناء عجاج المهتار، خطار أبو إبراهيم وفؤاد ذبيان، والرفقاء وليم صعب، رفعت مبارك، يوسف حاتم، قاسم نجد، سليمان العنداري، إيليا أبو شديد، ميشال أبو شديد، رضا صعب، أديب حداد أبو ملحم ، فوزي عبد الخالق، وسليمان سليقه.
عرف المواطنون الشاعر والممثل والناقد الاجتماعي، اديب حداد، في حلقاته التلفزيونية باسم «أبو ملحم». إنما قبل ذلك فقد عرفه القوميون الاجتماعيون والأصدقاء شاعراً قومياً اجتماعياً، وناظراً لإذاعة منفذية الغرب، ومشاركاً في الكثير من المناسبات الحزبية التي كانت تنشر عنها صحف الحزب في الأربعينات وأوائل الخمسينات.
حين انتقل الرفيق أديب حداد إلى التلفزيون ممثلاً قديراً ينتظره اللبنانيون بلهفة، ويستمعون باهتمام وشغف إلى حلقاته التوجيهية مع رفيقة حياته سلوى الحاج «أم ملحم»، آثر التوقف عن إشهار هويته الحزبية، منصرفاً إلى التوجيه العام مجسداً فيه قيم النهضة القومية الاجتماعية وفضائلها.
هنا بعض من أديب حداد الذي لا تفيه حقه مقالة ولا كتاب، فهو باق في ضمير الملايين الذين استمعوا إليه وطربوا لحلقاته النقدية التوجيهية ولقصائده، وخالد في المجتمع الذي أعطاه بصدق وتفان وبكثير من الالتزام الأخلاقي.
ولد أديب إبراهيم حداد في مدينة عالية، في شباط عام 1912.
بعد أن درس في عالية، زاول التعليم في «الجامعة الوطنية» في عالية، في الأعوام 1932 1939، انتقل بعدها للعمل مع أخويه في الأردن خلال السنوات 1941 1943.
باكراً راح ينظم الزجل كتابة ويرتجله أحياناً، كما انصرف إلى الفن المسرحي مشاركاً في تمثيل روايات بالعامية كان يكتبها احد شعراء الزجل المرموقين الرفيق وليم صعب في الفترة 1935 1943 وهي: علي بك الأسعد، الأجنحة المتكسرة، يوسف بك كرم، ابن الفن، عمر بن الخطاب، فجر الاستقلال.
وكتب بدوره ما بين العأمين 1942 1945 تمثيلياته بالعامية: «الحب في الضيعة»، «الحما والكنة»، «خالتي القومية» ، «ليلى بنت الجبل». وهذه الروايات مثلت مرات متعددة.
في 5 شباط 1939 عقدت خطبته على الفتاة المثقفة سلوى فارس الحاج، من عالية أيضاً. وعام 1941 تمّ الزواج بينهما.
كانت سلوى قد درّست في الجامعة الوطنية في عالية وغيرها من المعاهد قبل أن تلتقي أديب في المدرسة الأرثوذكسية في عالية، فتعارفا وتحابا ورزقا ثلاثة أبناء: زياد، دنيا وراغدة.
يقول الشاعر الرفيق وليم صعب في مقدمته لكتاب «زجليات أبو ملحم»: « كان موظفاً في شركة «الشل» عام 1952 عندما قدمناه إلى «محطة الشرق الأدنى» ليقدم برنامج «جولات الميكروفون» فأبدع في وصفه وتمثيله. وسنة 1958 تعاقدت معه محطة الإذاعة اللبنانية ليقدم برنامج «صباح الخير» مرتين في الأسبوع، وبلغت حلقاته فيه الثلاثمئة والتسعين. كما قدم في الإذاعة اللبنانية أيضاً برنامج «الدنيا صور» الذي سجل فيه مئتي حلقة. وسنة 1959 استدعته شركة التلفزيون اللبنانية «القنال 7» فقدم في برنامج «أبو ملحم» حتى سنة 1965 مئتين وخمسين حلقة.
انتقل «أبو ملحم» بعدها إلى تقديم برنامج «يسعد مساكم» وكان يقدم في الوقت نفسه من حين إلى آخر برنامج «الجندي» بناء على تعاقد مع الجيش.
ومن مقدمته المشار إليها أنفاً يروي الرفيق وليم صعب أن: « أول قطعة زجلية نظمها أديب حداد نشرناها في مجلتنا «بلبل الأرز» في عددها الصادر يوم الاثنين في 17 حزيران 1935 وكانت بعنوان «دوران الأرض» وهي فكاهية».
ويضيف: « سنة 1938 بدأت موهبة أديب حداد الشعرية تتبلور ألفاظاً وتعابير وبيوتاً وعبراً ومجموعة ووحدة. فكانت فاتحة هذا العهد الجديد فكاهة «فروج دحروج» التي نشرناها في عدد «بلبل الأرز» الصادر في 17 كانون الثاني 1938 «.
بتاريخ 20 حزيران 1966 صدر المرسوم رقم 82 عن رئاسة الجمهورية اللبنانية بمنح الرفيق أديب حداد وسام الأرز الوطني من درجة فارس، وفي مادته الأولى: « فنان أديب تميّزت رواياته وتمثيلياته بمعالجة المشاكل الاجتماعية والأخلاقية بحكمة وروية، فأدى بذلك عن طريق الفن، الخدمات الجلى، في مجال التثقيف الاجتماعي والأخلاقي والتهذيبي».
أورد كتاب «وجه لبنان الأبيض» عن «أبو ملحم» إنه « منح في العام 1965 وسام البابوية الفني الفرنسي من باريس 1 . انتخب مرتين نقيباً للفنانين اللبنانيين، ونال جائزة أفضل برنامج تلفزيوني، وأحرز الجائزة الأولى في مباراة زجلية ونال الجائزة الأولى في مباراة شعرية حول الجمال. وفي 11 كانون الثاني سنة 1987 وفي حفلة الأربعين على وفاته منحته الدولة اللبنانية وسام المعارف المذهب «.
في مقدمته لديوان «زجليات أبو ملحم» يورد الرفيق وليم صعب التالي: « ومن البراهين على تفوقه في نظم غير الشعر الفكاهي انتزاعه الفوز في مباريات زجلية كثيرة خاضها، منها: «مباراة وصف صيف لبنان» التي اقترحت موضوعها جمعية إمارة الزجل، واشترك فيها عشرات الشعراء فكان الفائز الأول أديب الحداد. وقد تليت قصائد المتبارين أمام لجنة من كبار أدباء لبنان وشعرائه، وذلك في مهرجان ضخم أقيم في قاعة «التياترو الكبير» صباح الأحد في 22 تشرين أول سنة 1944.
من أرشيفنا الحزبي نورد بعض ما جاء عن الرفيق أديب حداد:
ـ في عددها بتاريخ 12 حزيران 1946 أوردت «صدى النهضة» الخبر التالي: «توفي في عالية المرحوم إبراهيم ناصيف حداد والد الشاعر القومي وناظر الإذاعة في منفذية الغرب للحزب القومي أديب حداد، عن 75 عاماً قضاها في العمل الصالح، فإننا نتقدم من الرفيق أديب وإخوانه السادة ملحم، اسبيريدون، جرجي وإيليا بأحرّ تعازينا في مصابهم الأليم طالبين للفقيد الكريم الرحمة والرضوان.
نشر الرفيق حداد شعره الزجلي في مجلات «بلبل الأرز» و «أمير الزجل» و«البيدر» وهذه كلها كان أصدرها الرفيق الشاعر وليم صعب. في «البيدر» نجد أروع قصائده التي عبّر بها عن انتمائه إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي، منها قوله:
وكانت يقظة قومية
عا أنغام الحرّية
وكانت حرب عمومية
بين العز وبين العار
قمنا تا نحرّر أجزاء
الأمة من أخطر أعداء
قمنا حتى نعالج داء
التفريق المرّ القهّار
وأيضاً:
كل نقطة دم يهدرها شهيد
في سما الأوطان نجمة مشعشعة
كل نقطة دم يهدرها شهيد
نغمة حماسية لكسب الموقعة
كل نقطة دم يهدرها شهيد
بسمة أمل في وجه أمة مضعضعة
كل نقطة دم يهدرها شهيد
قطبة تحرر في نسيج الزوبعة
كل نقطة دم يهدرها شهيد
قلعة جديدة للرموز الأربعة
في 15 آذار 1954 نشرت جريدة الحزب «الزوابع» قصيدة طويلة بعنوان «أم وأمة» قدمت لها بالكلمات التالية:
« ألقى الرفيق الشاعر أديب حداد هذه الرائعة الزجلية في أول آذار في بيصور وعالية وكان لها الوقع الكبير في نفوس الرفقاء لما جاء فيها من تعبير صادق وتصوير جميل لحالة الأمة «.
منها اخترنا الأبيات التالية:
هبوا سوى أخوان
بقوة وفا وإيمان
ولا تجعلوا الأديان
آلة تحرّكنا
غاية تفكّكنا
الدين لله الأحد والأرض للفوقها ترعرع
القائد سعاده جاء
حيّوه بلا استثناء
بالزوبعة الحمراء
حيّوه فادينا
حيّوه هادينا
ـ وفي عددها 84 بتاريخ 12 نيسان 1954 نشرت الزوابع» قصيدة أخرى للرفيق الشاعر أديب الحداد بعنوان «على الدرب»، بدأها بالقول:
لا تخاف يا رفيقي إذا اضطهدوك
ومن دون علّة وذنب يتهموك
ظل ثابت، حرّ، يضطهدوا
ويبرهنوا قدّيش بيخافوك
ظل ثابت راسخة قدامك
ما دام كلّ الحقّ قدّامك
ولا تخضع لعبسات ظلّامك
بيعلا مقامك كلما ظلموك
يتذكر رفيق لنا أن في مهرجان حزبي أقيم في بلدة الرملية الغرب ألقى الرفيق أديب حداد قصيدة زجلية، مطلعها:
عجب ما في عجب كيف اجتمعنا
وما في مرحلة علينا بعيدة
شارك الرفيق أديب حداد في حفل التأبين الذي أقيم للرفيق الشهيد هادي عاصي في الهرمل 2 بقصيدة زجلية مطلعها:
قالوا عصابة شرّ متمادي
اغتالت حبيب الزوبعة هادي
قلتلهم يا ويلهم وبالأمس
نفس العصابة اغتالت سعاده
نشر الدكتور جورج شبلي في عدد «الانوار» بتاريخ 03/01/2014 مقالاً جيداً بعنوان «أبو ملحم حكمة واقعية ومقامات في زمن مرّ»، اخترنا منه المقطع التالي:
«أبو ملحم لا يُمَثِّل صُوَراً لأَشباه الحقائق، إنّه صانِع الصّورة بِبَساطة بعيداً عن التعقيد الدِّعائيّ، هَمُّه أن يوصِل الى جمهوره عِبرةً لا أن يُفْصِحَ عن مَقدِرته وثقافته، وهو الذي لم تَخْبُ معه جَذوَةُ الإبداع. نِتاجُه مِرآةٌ مُستَوِيَة تَعكِس مَقاصدَه وليس نِظامَ رموزٍ ودلالات وأداةَ تعبيرٍ طَبَقيّة، إنّه صِياغةٌ لتجربة إنسانيّة عميقة تَعود بنا الى ذلك الزَّمان المَجهول الذي بَدَأ فيه الإنسان يُعَبِّر عن أفكاره وعن ارتباطه بالجَماعة، وكأنّ أديب قَرَأَ حكماء اليونان الذين كانوا أوائل مَن أشاروا الى هذه العلائق في خطاباتهم الفلسفيّة. وكالفلسفة التي لم يحتَجِزْها زَمنٌ أو مَطرَح، لم يكن أدبُ أديب سِمَةَ عصره بل تَمَدَّد فوق جَسَد الأيام ليصبِح، وبلا مُنازِع، سِمَة اليوم الحاضِر».
ونشرت حفيدته نضال حداد في جريدة «النهار» بتاريخ 29/05/2007 كلمة موجّهة الى «جدّي أبو ملحم»، ومما قالته:
«عملت يا جدي طوال عمرك في الحقل التربوي بداية والفني لاحقاً، وأعطيت من صميم قلبك عصارة فكرك أعمالاً فنية مهمة، كانت مرآة حية لتراثنا اللبناني فكراً وتوجهاً، سياسة واجتماعاً واقتصاداً. وأصبح اسمك «أبو ملحم» مرادفاً لكل مصلح اجتماعي عادل وشفاف، ولكل عمل خيّر بنّاء. أفرحتني وأحزنتني في آن كثرة الكلام عنك في الآونة الاخيرة، وهذا خير برهان على ان مدرستك اتت ثمارها في هذا الشعب اللبناني العظيم، ويا ليتها فعلت ذلك ايضاً في سياسيينا لكنا اليوم ولبناننا الحبيب في مصاف الدول الراقية سلماً وعلماً واقتصاداً».
هوامش:
1 – في ديوانه «زجليات أبو ملحم» يرد في المقدمة، صفحة ظ، النسخة المصوّرة للوسام الصادر في 22/3/1965 وفيه منح الرفيق أديب إبراهيم حداد عضو شرف مدى الحياة برتبة Commandeur وذلك للخدمات التي قدمها، طوال ثلاثين سنة، للأعمال الفنية.
2 – هادي عاصي: استشهد في منطقة برج حمود في نيسان عام 1958 وأقيم له «الأسبوع» في منشية «الوقف» في الهرمل شارك فيه وفد مركزي، ورثاه الرفيقان الشاعران أديب حداد ورفعت مبارك.
كنا نشرنا نبذة عن الرفيق الشاعر أديب حداد، بتاريخ 07/10/2016، هنا نبذة مصححة، ومضاف إليها.