السعودية تستشرف الكارثة

حسين حمّود

رغم ادّعاء السعودية عدم تدخلها في الشؤون الداخلية للبنان، وأنها لا تفعل إلا الخير لأهله من خلال المساعدات المالية التي تقدّمها له، فإن الوقائع والمعطيات تدحض هذه المزاعم وتؤكد نقيض ذلك تماماً. بل أكثر من ذلك تدّعي الرياض أنها تفهم الديمقراطية وحكم الشعب وتقويم القوانين ولا سيما قوانين الانتخاب.

أما في الواقع، فإنّ التدخل السعودي في الشأن اللبناني، تفضحه تحرّكات السفير السعودي وليد اليعقوب، على خط بقايا «قوى 14 آذار»، للبحث في استحقاق الانتخابات النيابية المقرّرة في شهر أيار المقبل. وما يمتنع اليعقوب عن إعلانه، يعلنه مضيفوه وكلهم يؤكدون أنّ حديثه محصور في الانتخابات والمرشحين وتركيب اللوائح في الدوائر الكبرى والصغرى. أما ما يطلبه فهو تشكيل تحالفات مناوئة للمقاومة بكلّ تلاوينها وإنْ يكن في مقدّم التفكير السعودي حزب الله.

وتؤكد أوساط سياسية أنّ السعودية تتصل بالعديد من القوى السياسية لإغرائها بما تملكه طبعاً من أجل السير معها في ركب المعركة المفتوحة مع حزب الله الذي تخشى الرياض أن يحصل وحلفاؤه على أغلبية نيابية، أو كتلة وازنة في المجلس النيابي العتيد، تجعلهم في موقع القرار في لبنان.

السفير السعودي لا يُنكر أنه يبحث موضوع الانتخابات وآفاقها ونتائجها المحتملة مع زوّاره ومع مَن يزورهم بنفسه حتى لو كانوا سياسياً، من الصف الثاني والثالث، ومع اعتباره أنّ الانتخابات شأن لبناني داخلي، فإنه يعتبر في موازاة ذلك أنّ قانونها «ليس عظيماً». اليعقوب هو السفير الوحيد، بين السفراء العرب والأجانب، الذي يعطي رأيه في قانون الانتخاب اللبناني من دون أن يسأله أحد عنه. والسبب أنه كما تفيد معلومات، فإنّ الريّاض مستاءة بدرجة كبيرة من إجراء الانتخابات النيابية في موعدها، كما يرغب معظم الأطراف السياسية اللبنانية، لعلمها أنّ نتائجها ستكون كارثية عليها وعلى حلفائها في لبنان، لأنها ستعزّز مكانة تحالف المقاومة في لبنان، والذي سيبقى رافداً أساسياً لمحور المقاومة في المنطقة كلها، المواجه بحزم وقوة لمشاريع التحالف الأميركي – «الإسرائيلي» وبعض بلدان الخليج.

وتشير الأوساط السياسية، إلى أنّ حركة السفير السعودي الكثيفة، تعني أنّ المملكة لم تستسلم بعد ولم تبلع هزيمتها في لبنان، بعودة رئيس الحكومة سعد الحريري عن استقالته «المشبوهة»، ولا بهزيمة مشروعها في سورية والعراق واليمن، وهي ما تزال تراهن على بعض القوى اللبنانية المعروفة بتاريخها الميليشياوي الدموي، لرفعها من البؤرة التي وقعت فيها، وذلك في إطار حلف يجمع أعداء المقاومة كافة.

وتحاول الريّاض الترويج بأنها تتدخل في لبنان «لخير لبنان واللبنانيين ولإعادة إعمار المناطق اللبنانية وتقديم المساعدة للبنان»، على ما قال السفير السعودي بعد إحدى زياراته الانتخابية. لكن هذا «الخير»، بنظر السعودية، هو إفراغ لبنان من عناصر قوته، وهي تخدم بذلك، عن قصد أو عن غير قصد، العدو «الإسرائيلي». كما أنها باشرت خطوات التطبيع، مع هذا العدو الذي دمّر لبنان في حروبه المتتالية عليه، وهو يتربّص الفرصة للانقضاض مجدداً عليه، إلا أنّ ما يمنعه هو بأس المقاومة، فكيف يكون تدخّل السعودية في لبنان لخيره وهي بسياساتها تضعه بين فكي عدوه وعدو الأمة كلها؟

واللافت في كلّ هذا أنّ حلفاء السعودية في لبنان، لا يعتبرون ما تقوم به انتخابياً أو مطالبتها بنزع سلاح المقاومة، تدخلاً في الشؤون اللبنانية ومن اختصاص اللبنانيين وحدهم، وينسى هؤلاء أنهم أصحاب مقولة «النأي بالنفس».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى