تقرير إخباري
تقرير إخباري
الانتخابات التشريعية… مرحلة انتقالية جديدة
ناديا شحادة
تونس على بعد أيام من بدء الانتخابات التشريعية التي من المنتظر أن تنهي المرحلة الانتقالية التي تعيشها لتبدأ مرحلة جديدة بعد سلسلة من التوترات السياسية والأمنية عاشتها البلاد خلال الأعوام الماضية.
ومن المنتظر أن تحدد الانتخابات توجه نظام الحكم لأعوام مقبلة بين قطبين يبلغ الاختلاف بينهما حداً بعيداً. فما بين الإسلام والعلمانية، يقف الناخب التونسي ليختار مصير بلاده بين أقصى اليمين وأقصى اليسار. وفي ضوء الهوة الشاسعة بين المتنافسين، يأمل كثيرون أن تمر الانتخابات المنتظرة من دون توترات، خصوصاً بعد التصعيد السياسي لجميع الأطراف، الذين حشدوا أملاً بالحصول على أعلى نسبة ممكنة من أصوات الناخبين. ويعتبر زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي من أبرز المتنافسين، وهو الذي يعبر دوماً عن ثقته بالفوز في الانتخابات.
ويشدد الغنوشي في حملته الانتخابية على التوافق وقد سعى إلى كسب أصوات الإسلاميين المعتدلين عبر إبعاد بعض الرموز التي تدعو الى تحويل البلاد لدولة إسلامية متشددة، وهو ما تخشاه شريحة واسعة من الشعب التونسي، ويسعى الغنوشي من خلال ذلك إلى إبعاد تونس عن دائرة ما يسمى بـ«الربيع العربي» والتوترات والاأداث الميدانية كما يقول مراقبون.
لكن وبالرغم من وعود الغنوشي الكثيرة بإقامة دولة مدنية تتشارك فيها جميع الأحزاب، بما في ذلك الأحزاب الموالية للرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، ووعوده بعدم التهاون مع الإرهاب وعدم المساس بحرية المعتقد والتفكير والتعبير، إلا أن خصومه وأغلبية الشعب التونسي ما زالوا يشككون بصدق نوايا حزب النهضة، حيث يرجعونها دوماً لأصلها الإخواني الذي كان لنظرائهم تجارب مريرة معه أسوة بدول «الربيع العربي»، واعتماداً على فشل النهضة في إدارة الشأن العام للبلاد في فترة حكمها بعد فوزها بالانتخابات في 23 تشرين الأول 2011 لغاية كانون الثاني 2014. فالمواطن التونسي يرى في هذه الفترة أن البلاد ازدات سوءاً من الناحية الاقتصادية. كما أن وحدة المجتمع والدولة أصبحتا مهددتين بعد تنامي مظاهر الانقسام المجتمعي بين إسلاميين وعلمانيين، بالإضافة إلى فشل السياسة الأمنية بعد تكرر الاغتيالات السياسية وتنامي مخاطر الجماعات الدينية المتشددة التي انتشرت وتعددت أنشطتها في ضوء تسامح يصل الى درجة التواطؤ من الحكومة القائمة ذات المرجعية الإسلامية، وفشل النهضة أصبح معلوماً وبمثابة قناعة عامة لدى المواطنين الذين استبشروا خيراً في وعود النهضة السخية أثناء الحملة الانتخابية السابقة.
فبالرغم من كل تطمينات الغنوشي، يحذر منافسوه العلمانيون من احتمال حدوث تلاعب وتزوير في النتائج، كما يعبر الباجي قائد السبسي، أحد أكبر المنافسيين وقائد حركة نداء تونس، مراراً عن مخاوفه من نزاهة اللجنة العليا للانتخابات التي تضم بحسب قوله أعضاء معروفين بولائهم للإسلاميين المتشددين، كما دأب مراراً على التأكيد بأن حركة النهضة حركة غير ديمقراطية.
ويصر معارضو النهضة على أن الأخيرة مستعدة للقيام بأي شي من أجل الفوز في الانتخابات ومن أجل العودة الى الحكم، لافتين إلى أن استعمال المال السياسي خلال فترة الحملة الانتخابية هو إحدى أخطر الوسائل التي تنتجها الحركة لشراء أصوات الناخبين، ما يعني أن عملية التزوير بدأت بالفعل.
ويرى صحافيون تونسيون أن لتلك المخاوف ما يبررها، خصوصاً في ما أسموه «المنظومة الإعلامية المخترقة»، حيث يكون يسهل على المشرف تزييف النتائج لفائدة هذا الحزب أو ذاك طالما أن بنك المعلومات بخصوص نتائج التصويت تحت تصرفه بلا رقيب. وفي ظل الأجواء المتوترة التي تحيط بالبلاد والمطالب الشعبية بمكافحة خطر الإرهاب وتحقيق الاستقرار المالي والسياسي وعدم التراجع عن الدولة المدنية، يصرّ الشعب على أن تونس لن تخضع لأجندة خارجية سواء لدولة أو لحزب، ولا للسعودية ولا لقطر ولا للإخوان، وأن قرار تونس تونسي. ويقف الغنوشي واعداً التونسيين بغد أفضل يصحح مسار السنوات السابقة، فيما يصر معارضوه على أن النهضة لا يمكنها الخروج عن الإخوان، وبين هذا وذاك تبقى التطورات مرهونة بالمقبل من الأيام.