منذ العثمانيين وحتّى ترامب… كيف ساهمت السعودية دائماً في ضياع فلسطين؟

لطالما «اتُّهِمت» المملكة العربية السعودية، بأنها تعمل من أجل صالح «إسرائيل»، على حساب النضال الفلسطيني، ولا تساند القضية الفلسطينية كما ينبغي، وبتقصّي تاريخ المملكة يتضّح أنّ هذه الاتّهامات ليست مجرد أقاويل.

جاء ذلك في مقال للكاتب كمال علم، الزميل الزائر في «المعهد الملكي للخدمات المتحدة»، ونشر المقال عبر موقع «هيئة الإذاعة والتلفزيون التركية تي أر تي »، وفي ما يلي ترجمة كاملة لنصّ المقال:

إنّ الشرق الأوسط لديه تاريخ عريق من التأرجح، بين نظريات المؤامرة، الجلل منها والسخيف، لدرجة أنّ بعض هذه الافتراضات ـ بعد فترة طويلة ـ صارت حقيقة على أرض الواقع. ومن بين هذه الادعاءات التي تتناثر في الشارع العربي، أن المملكة العربية السعودية، لم تدعم بكامل قوّتها القضية الفلسطينية على الإطلاق.

بل إنّ البعض قد ذهب إلى أبعد من ذلك، وأيّد ما سبق وأن ادّعاه الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، خلال حرب الخليج الأولى، من أنّ السعودية تشارك «إسرائيل» الفراش، في كناية عن مدى العلاقات الطيّبة التي تجمع بين المملكة والكيان المحتل.

الأمر ذاته الذي سبق وأنّ صرّح به زعيم تنظيم «القاعدة» السابق أسامة بن لادن، وأكّده مؤخراً ابنه، حمزة بن لادن، بأنّ السعودية تدعم الهيمنة الأميركية «الإسرائيلية» على فلسطين.

إنّ شوارع القاهرة وأسواق دمشق قد ضجّت بالاعتراضات بعد إعلان ترامب أحادي الجانب عن نقل سفارة بلاده إلى القدس، وإقراره بأنها عاصمة «إسرائيل». إنّ آراء صدام حسين ـ العلماني ـ نادراً ما اتفقت مع وجهات نظر أسامة بن لادن الأصولي، فما هي الأسباب التي جعلت طرفَي النقيض يتفقان على دعم السعودية لـ«إسرائيل»؟

بدايات التواطؤ السعودي ـ «الإسرائيلي»

اثنان من آخر حُكّام الامبراطورية العثمانية، إبان قتالها من أجل السيطرة على الحجاز، أكّدا بالإجماع على أنّ عبد العزيز آل سعود، الملك المؤسس للمملكة العربية السعودية، قد اعتمد أولاً وقبل أي شيء على حماية البريطانيين له، وأنّ بريطانيا هي من موّلت كلّ تحركّاته، واستخدمته ضدّ العثمانيين والهاشميين.

وكما ذكر الكاتب شون ماكميكن، في كتابيه: «The Berli Baghdad» أنّ البريطانيين، دعموا ابن سعود في قتاله ضدّ العثمانيين، حتى بعد تراجعهم من أجل أن يضمنوا ضياع فلسطين في نهاية المطاف. وذكر شهادة الجنرال العثماني، فخري باشا، الذي كان يدافع عن المدينة المنوّرة وخطوط الإمداد لفلسطين، من أنه ظلّ يقاتل بشكّل يومي كلاً من ابن سعود ومن معه من المغيرين لمدّة عام، بعد استسلام القوات العثمانية بشكل رسمي، وعن تواطؤ ابن سعود والوهابيين مع «أسيادهم» الإنكليز، بحسب الجنرال العثماني.

كما كتب البروفسيور إفرايم كارش، مدير مركز بيجين ـ السادات، للدراسات الاستراتيجية، وأستاذ دراسات الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط في كلية «كينجز» في لندن، في كتابيه: «Empires of the Sand» و«Palestine Betrayed»، أنّ البريطانيين اختاروا ابن سعود بعناية ليضمنوا ألّا يُطالب بفلسطين أو القدس، في تناقض صارخ مع مطالب الأمير فيصل بن طلال في الأردن، والذي رفض أي حلول وسط حول القدس.

لا يتعارض ذلك مع ما ذكره البروفسيور عسكر العنزي، في أطروحة الدكتوراة الخاصة به، من تفاصيل، تتشابه مع ما طرحه البروفسيور «كارش»، من أنّ رشاوي البريطانيين للهاشميين فشلت في حسم الوضع النهائي للقدس مما حدا بهم إلى الاستعانة بابن سعود، الذي كان، بحسب قولهم، في انتظار «إشارة من البريطانيين»، من أجل الانقضاض على الهاشميين، والعثمانيين أيضاً مما ترتّب عليه ضياع فلسطين والقدس.

ومن هذه الشهادات أنّ سعود بن عبد العزيز لم يبع القدس وحسب، بل إنه تجاهل فلسطين طمعاً في الحجاز. الأمر الذي يتكرّر الآن بحذافيره بواسطة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان فالمملكة العربية السعودية تبذل كل ما في وسعها من أجل أنّ يكون لها اليد العليا في المنطقة، عبر محاربة إيران وقطر واليمن، دون الالتفات إلى الأزمة الأساسية في العالم العربي: قضية فلسطين.

كما تطرّق المخرج السوري، نجدت أنزور، إلى جشع الملك المؤسس للمملكة العربية السعودية، وتواطئه مبكراً مع العصابات الصهيونية في فيلمه المثير للجدل «ملك الرمال».

أين السعودية من حروب العرب و«إسرائيل»؟

منذ إعلان دولة «إسرائيل» خاض العرب ثلاثة حروب شاملة ضدّها، بقيادة مصر وسورية، واتهم جمال عبد الناصر المملكة العربية السعودية عام 1967 بأنّها السبب وراء هزيمة مصر والعرب في حرب حزيران، وذلك بعد أنّ استنزفت المملكة الجيش العربي مصر وسورية والجزائر في اليمن بمساندتها للنظام الملكي اليمني آنذاك، واتّهم ناصر السعودية بأنها تلقّت دعماً بريطانياً ـ «إسرائيلياً» في اليمن مما تسبّب في إضعاف الجيش المصري، وضياع القدس وفلسطين بعد هزيمة عام 1967.

وفي حرب 1973، وعندما أوشكت مصر وسورية على إلحاق الهزيمة بـ«إسرائيل»، أُجبر المصريون ـ تحت ضغط سعودي أميركي هائل ـ على التخلّي عن الهجوم، في الوقت الذي كانت القوات السورية، تقتحم فيه مرتفعات الجولان.

كما ذكر الفريق سعد الدين الشاذلي، والمشير محمد عبد الغني الجمسي، قائداً القوات المسلّحة المصري خلال حرب تشرين الأول، في مذكراتيهما، أنّ اللوبي «الإسرائيلي» أقنع السعودية بالضغط على مصر من أجل التراجع، وعدم إلحاق الهزيمة بـ«إسرائيل».

إنّ المملكة العربية السعودية كانت تعادي صدام حسين إبان حرب الخليج الأولى، جنباً إلى جنب مع «إسرائيل»، في الوقت الذي ساند فيه الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بغداد ضدّ السعودية والكويت اللتين طردتا آلاف الفلسطينيين من أراضيها.

الأمر الذي تكرّر في السنوات الأخيرة، ففي الوقت الذي احتفى فيه العالم العربي، بانتصار جماعة حزب الله اللبنانية، على «إسرائيل» في عام 2006، انتقدت المملكة العربية السعودية آنذاك حزب الله اللبناني، بالإضافة إلى الاتهامات المتكرّرة التي تكيلها المملكة السعودية لكلٍّ من منظمة «حماس»، وحزب الله، بأنّهم «دعاة حرب» في معركتهم ضدّ «إسرائيل».

فالمملكة قد اختارت أنّ تخوض حرباً بالوكالة ضدّ إيران في المنطقة، بدلاً عن أنّ تصطف مع الدول العربية من أجل القضية الفلسطينية. فيما أعلنت المملكة في بيان مقاطعة دولة قطر أنّ الدولة الخليجية تدعم الإرهابيين في فلسطين ـ في إشارة إلى منظمة حماس ـ الأمر الذي تسبّب في إحكام الحصار على غزة.

حقيقة التقارب الملموس بين المملكة و«إسرائيل»

تسبّب إعلان ترامب عن نقل عاصمة بلاده إلى القدس، في موجة غضب كبرى جابت العالم الإسلامي من جاكرتا إلى إسطنبول، فيما التزمت بلاد الحرمين الشريفين الصمت حيال هذه الخطوة، بل على العكس، امتدحت المملكة العربية السعودية، «خطّة ترامب الإيجابية» بشأن القضية الفلسطينية، بعد إعلانه نقل العاصمة إلى القدس.

إنّ المملكة منشغلة بشؤونها الخاصة، مثل حربها في اليمن، وتحالفها ـ الذي لم يعدّ سراً ـ مع «إسرائيل» ضدّ إيران، أكثر من انشغالها بالقضية الفلسطينية.

إنّ التقارب السعودي «الإسرائيلي» مؤخراً، والذي يتجلّى في مقالات كلٍّ من المسؤولين السعوديين و«الإسرائيليين» التي تدعم سياسة الطرف الآخر فيما يتعلّق بإيران، كما ظهر رئيس الأركان «الإسرائيلي» في مقابلة رسمية مع صحيفة سعودية، كما أنّ «إسرائيل» كانت طرفاً في إنجاح صفقة جزيرتَي تيران وصنافير، وأن هذه الصفقة ستؤمّن للمملكة و«إسرائيل» تعاوناً استخباراتياً أمنياً، وإحراء تدريبات عسكرية بين البلدين.

وكانت وسائل إعلام «إسرائيلية»، قد أكّدت أنّ المملكة السعودية، منحت ترامب موافقتها على نقل سفارة بلاده إلى القدس، قبل إعلانه ذلك.

فيما قال صحافي تركي بارز أنّ «إسرائيل» تساند المملكة في حملة القمع الأخيرة التي شنّها ولي العهد السعودي في الثلث الأخير من العام المنصرم.

وزعمت وسائل إعلام بأنّ السعودية دعت الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى الرياض، وضغطت عليه من أجل القبول بإعلان بلدة أبو ديس عاصمة إدارية لفلسطين الأمر الذي أيّده أحد مستشاري الرئيس الأميركي لشؤون الشرق الأوسط، وذكرته صحيفة «نيويورك تايمز» مطلع الشهر الجاري.

القدس غائبة عن جدول الأعمال السعودي

إنّ القدس لم تكن يوماً على رأس أولويات المملكة العربية السعودية، بدايةً من عهد الملك المؤسس، مروراً بعدم دعم جمال عبد الناصر أو حافظ الأسد في فترة الستينات والسبعينات من القرن الماضي، وصولاً إلى التحالفات المباشرة وغير المباشرة التي عقدتها المملكة مع «إسرائيل». فالمملكة لا تشعر بالأمان، وسلطتها في المنطقة تتضاءل في مقابل المدّ الإيراني، منذ سقوط نظام صدام حسين مما جعلها تنتهج خطاً عدوانياً قائماً على ابتزاز الدول الأخرى.

إن رغبة القيادة السعودية الحالية، في الحصول على رضاء الرئيس الأميركي، جعلها ترضخ لرؤيته حول القضية الفلسطينية، فالتزمت الصمت تجاه قراره إعلان القدس عاصمة «إسرائيل»، ولم تعقب أيضاً على أنشطة الاستيطان العدوانية التي أعلن عنها رئيس الوزراء «الإسرائيلي» مؤخراً، فيما أفادت بعض التقارير الواردة، بأن المملكة سعت لشراء نظام دفاع القبة الحديدية «الإسرائيلي»، من أجل تعزيز حدودها مع اليمن.

وأكّد مستشار سابق لرئيس الوزراء «الإسرائيلي» أن السعودية لا تهتم بالفلسطينيين، طالما أن «إسرائيل» تعاونهم في دحر إيران.

إن التقارب السعودي ـ «الإسرائيلي» غيّب القدس عن جدول أعمال الرياض اليوم، مثلما كانت غائبة في الأمس.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى