حرب الشمال… هل يدفع الكرد ثمن الحلم؟

محمد ح. الحاج

قبل أن تكون أرضاً تحت نفوذ من يحاولون تجسيد حلم المستحيل وهم ليسوا أغلبية، هي أرض سورية، وسورية الجمهورية لم تزل دولة تامة التكوين والسيادة، هذا يعرفه الكرد، وكذلك الأتراك، ولأنّ الأتراك ينتظرون سانحة للانقضاض على أراضي الشمال الخصبة، فقد أغفل الكرد هذه الحقيقة وهي احتمال قائم، وأسندوا حلمهم على وعود الكاذب الأميركي الذي لم يخلص لحليف على مدى التاريخ، ولست بحاجة لأعدّد الذين سقطوا بوهم الدعم الأميركي على مساحة العالم وقد لا يكون آخرهم حسني مبارك وبن علي وقبلهم الركيزة الداعم الأقوى للصهيو ماسونية شاه إيران.

أنا كمحلل ومتابع لمجريات الأحداث على مساحة العالم، لا أثق بأنّ خلافاً حقيقياً بين الأتراك والأميركان فهم في تحالف استراتيجي ويعتبر الأميركي أنّ تركيا هي بوابة حدوده المنيعة بوجه من يعاديهم سواء من يسميهم راديكاليون، خارجون على الشرعية الدولية أو داعمو الإرهاب، والأهمّ بوجه منافسه الأقوى على ساحة العالم… الروسي!

أن تتحرك تركيا وتخترق الحدود السورية متجاوزة القانون الدولي والأعراف مدعية محاربة الإرهاب داعش في المرة الأولى وهو المصنّف دولياً، فقد بارك الأميركي مشاركتها وصمت الآخرون، في الوقت الحالي نفس الادّعاء محاربة الإرهاب! حزب العمال الكردستاني وكلّ من يقف معه من وحدات حماية الشعب، وهؤلاء ليسوا إرهابيين بحسب التصنيف العالمي، اللافت أنّ تركيا تقول إنّ معهم داعش في منطقة عفرين ويعلم العالم كله أنّ من استسلم من داعش أصبح تحت الرعاية الأميركية وهم ورقة الجوكر باليد الأميركية في الشمال الشرقي حيث «قسد»، فإذا كانت «قسد» هي من يقود أتراك عفرين فمن الممكن أن يكون معهم مقاتلون وقادة من داعش دفعت بهم الاستخبارات الأميركية ليكونوا مبرّر وذريعة للدخول التركي الذي كان أوّل من وفر لهم الممرّات والتغطية والدعم اللوجستي، لكننا نعلم أنهم ما زالوا في الشمال الشرقي السوري وتدفع بهم أحياناً لمهاجمة الجيش السوري وخاصة الوحدات التي تتمركز قرب النهر أو التي عبرته دفعاً لها ومنعها من الوصول إلى حقول النفط، ولا يقنعنا أحد بأنّ الأميركي غير مهتمّ بالنفط، على الأقلّ لتمويل جيش العملاء الذين يتستّر خلفهم ولا يستطيعون تغطية علمه المرفوع على آلياتهم.. أبداً.

أسبوع على الهجوم التركي مستخدماً القصف الجوي والمدفعي والصاروخي ومئات المجنزرات دون أن يحقق خرقاً يذكر، وما زالت المعركة كرّاً وفرّاً، أما الذين سقطوا على الجانب الكردي فأغلبهم من المدنيين، وعدد قليل من المدافعين مقابل أعداد مماثلة من قوات المرتزقة والجنود الأتراك وما زالت الاشتباكات في بداياتها.

أوردت بعض المواقع ومحطات التلفزة الميادين بياناً صادراً عما يسمّى قيادة كردية في عفرين، وقد تضمّن موقفاً إيجابياً تجاه الدولة السورية جاء في فقرته الأولى: «نحن لا نسعى لإنشاء دويلة في سورية بل نحن جزء من النسيج الوطني السوري وكذلك نريد أن نكون جزءاً من الحلول المستقبلية للأزمة».

ونتساءل لماذا لم تنتبهوا للمقدّمات التركية قبل وقت وتصدروا ذات البيان أم أنكم لم تصدّقوا أنّ الأميركي قد يسمح لحليفه بمهاجمتكم؟

كما جاء في الفقرة الثانية من البيان: «نحن نرحّب بدخول الجيش السوري إلى كلّ منطقة عفرين ضمن الاتفاق الذي توافقنا عليه بعد تقديم «النظام السوري» مجموعة من الحلول وقبلنا بها».

أليست القيادة الكردية التي تطالب وترحّب بانتشار الجيــش السوري في كلّ منطقة عفرين، هــي القيادة ذاتهــا التي منعت الجيش السوري من دخول الشيخ مقصــود وبستان الباشا والهلك وغيرهم من أحياء مدينة حلب التي يرفعون فوق مبانيها أعلام كردستان، وفي الوقت ذاته منعتم أبناء حلب المقيمين في هذه الأحياء من العودة إلى منازلهم؟

سأعتبر أيضاً أنّ قوات حماية الشعب في حلب هي غير أنتم وأنكم لم تقفوا ضدّ دولتكم وأنكم تحت سقف القانون… حسنا، لماذا منعتم على غير الكرد دخول منطقة عفرين، واتخذتم لعفرين لوحات خاصة للسيارات ولم تسمحوا لأية إدارة مدنية أن تمارس عملها، المحافظات السورية كلها تضع لوحة سورية إضافة الى اسم المحافظة فهل نسيتم أنكم تتبعون محافظة حلب وأنكم تتبعون الدولة السورية؟

تعترفون بأنّ السلاح هو من الجيش السوري، من الدولة السورية وبهذا السلاح دافعتم عن أنفسكم ونجحتم في دفاعكم بهذا السلاح، أليس من باب الوفاء الاعتراف وتوجيه الشكر للدولة مشفوعاً بطلب عودة مؤسساتها ورموزها ودوائرها طالما تطلبون المساواة، ونحن نؤيد هذا الطلب كمثقفين، وسياسيين من كلّ الأحزاب الوطنية، وأننا لم نبدّل موقفنا من اعتباركم من أهمّ شرائح النسيج الوطني السوري وأنّ من لم يصل منكم إلى حقوقه كما يتمنّى فلأسباب عانى منها غيركم وربما بسببكم، فأنا كسياسي معروفة ميولي أقول: الكرد هم سوريون ومن الجذور وقد تكوّنوا من السومريين أو غيرهم وإنْ كان امتدادكم حتى الهضبة الشمالية الغربية في إيران، وإخوتكم في مناطق ديار بكر وماردين وأورفه وعنتاب هم من نفس الجذور وأراضيهم سورية محتلة منحها الغرب الذي يحرّضكم رشوة وترضية لتركيا وإلا لكنتم الأكثرية في الوطن السوري، وقفنا إلى جانبكم ورفعنا الصوت مؤيدين حقوقكم لكن قلة منكم هيمنت على القرار بتحريض الغرب ذاته الذي كان سبب نكبتكم ونكبة الوطن، ولم يكن بريئاً من فعل تهجير جذور سورية السريانية والآشورية.

عندما نناقش هذه المواقف والسلوكيات اللا وطنية وهي حصلت بتحريض سري من الصهيو – ماسونية العالمية العاملة لتمزيق هذا الوطن خدمة لأهدافها وتدركون أنّ عملاً من هذا النوع في عالم الغرب سيلقى حرباً شعواء ولن أعطي أمثلة فكثير منكم في عالم الغرب وتتابعون ما يحصل، هل انقسم الغرب على قاعدة الاثنيات والعرقيات أو المذاهب الدينية؟

الغاية كانت ولم تزل تحقيق أهداف الغرب والصهيونية بغضّ النظر عن الجرائم المرتكبة والتي يتم تغليفها بدعوات للديمقراطية وحقوق الانسان، وكان حرياً بالولايات المتحدة أن تقيم وتعترف بدول ضمن ولاياتها على قواعد العرق أفريقيون، صينيون أو على القواعد المذهبية الدينية وما أكثرها، ومثل ذلك واجب التطبيق في أوروبا، أيها الاخوة عليكم إدراك أنه يتمّ دفعكم إلى الانتحار دون اهتمام طالما فعلكم يحقق أغراض هؤلاء.

اليوم تطالبون بدخول الجيش السوري وحمايتكم، وهو لزوم ما لا يلزم، فالدولة لا تنتظر دعوة لتقوم بواجبها، لكن، هناك من هو بين ظهرانيكم يكذب هذا البيان ويرفض دخول الجيش السوري المنشغل في عشرات المواقع يحارب إرهاباً طالكم يوماً وقتل من أهلكم وحاول تقسيم البلاد ووضعها تحت الوصاية والانتداب، وهم بذلك يعيدونها إلى ما قبل الدولة قروناً طويلة.

الدولة موقفها واضح، إدانة شديدة للعدوان ومطالبة بوقف هذا التدخل، ويبدو أنّ الروسي والإيراني محرجان لكنهما يدركان أنّ للولايات المتحدة غاية في توريط الجيش التركي وتحميل المسؤولية لسلطان بني عثمان الجديد، وترككم تتذوّقون مرارة الخروج على الأهل والقــوم والسلطــة الشرعية التي لم نشعر في يوم ما أنها عاملتكم بشكل فيه تمييز بل للأفضل، رؤساء جمهورية ورؤساء وزراء وقادة عسكريون ووزراء ومدراء عامون، فأين هي الحقوق المهدورة سوى بضع مئات أو آلاف دخلوا البلاد هرباً من الحرب التركية عليهم في ولايات الشمال السورية المحتلة، ويطالبون بالهوية، وحقيقة أنّ من لا يحمل الهوية السورية لا ينال الوظيفة وفرص العمل مساواة بالسوري، حتى هذه المشكلة تصدّى لها رئيس الجمهوريــة ولم تمهلــه الدول الكبــرى… دول الغــرب لا تريد حــلّ مشاكل بسيطة بل هــم يريدونهــا دوامــة حرب داخلية لا تبقي ولا تذرّ، والأمل أن تصحو قياداتكم وتتوقــف عن لعب دور الخنجر يطعن جسد الأمة حتى لا تدفعــوا ثمناً باهظاً لحلم لن يتحقق.

ما زلنا، ولن نتردّد في قول كلمة الحق: العثماني الجديد معتد أثيم ووالغ في دماء أهلنا في الشمال، والدولة السورية تمارس حقها في الدفاع عن أراضيها وأبناء شعبها ولن تقف مكتوفة الأيدي… فهل تمدّون جميعا أيديكم للدولة لتمارس واجبها في الدفاع عنكم وقد لا يكون فات الأوان.

ليعلم العالم كله أنّ الاعتداء على الدولة السورية وقبل أن تطلبوا دخول الجيش إلى المواجهة ارفعوا علم الوطن بوجه الغزاة وليس أيّ علم غيره…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى