سوتشي يرسم خطوط الميثاق الوطني السوري ويسلّم دفة الحوار للجنة… ودي ميستورا لبنان لمزيد من التصعيد… لا وساطات… الخطر يطال الانتخابات رغم التطمينات
كتب المحرّر السياسي
رغم تعقيدات متسارعة ومبرمجة حاولت نسفه، نجح مؤتمر سوتشي بمفاجأة الجميع بنهاية تشبه الأهداف التي رسمتها له الإدارة الروسية ونسّقتها بالتفاصيل مع القيادة السورية، ووضعتها بالتدريج أمام الشريك التركي، والشريك الأممي ستيفان دي ميستورا، فضمنت حماية المؤتمر من مخاطر الإسقاط وفخاخ الإفشال.
أعلن الروس أنّ المؤتمر للحوار، لكنه لم يشهد تفاوضاً ولا جولات محادثات، فهو ليس مؤتمراً للحوار بين الحكومة والمعارضة، كي يكون مساراً موازياً أو بديلاً لجنيف، للتنافس والسباق معه، ولأنه ليس إطار تفاوض بين الحكومة والمعارضة لا يهتزّ بغياب ممثلين عن المعارضة، ليظهر أنّ المؤتمر الحاشد الذي فاق حضوره ألفاً وخمسمئة ممثل للهيئات الاقتصادية والنقابية والثقافية والعشائرية والمرجعيات الدينية والجمعيات الأهلية، ومثقفين وأحزاب ومعارضات، هو بمثابة برلمان موسّع للرأي العام السوري، لتثبيت التوافق على عناوين ميثاق وطني سوري جامع يحكم كلّ حوار ويضع سقفاً لكلّ تفاوض، ومسودّة البيان الختامي الأقرب للميثاق الوطني، والمبادئ العامة الحاكمة لدستور جديد، واضح أنها حصيلة تفاوض وحوار لشهور مضت بين المكوّنات المشاركة من جهة والدولة السورية من جهة مقابلة، ليكون إقرار البيان الختامي تصديقاً وشرعنة لوثيقة المبادئ الملزمة للمشاركين الذي سيلتقي الكثير منهم في مواقع متقابلة في جنيف كحال وفدَي الحكومة ومنصة موسكو، يستندون إليها ويستوحون منها مواقفهم على كلّ فقرة من فقرات النقاش في مندرجات الدستور والسعي للمصالحة والتوافق، خصوصاً لجهة التمسك بوحدة وسيادة سورية واستقلالها والسعي لتحرير الجولان المحتلّ، واعتبار صناديق الاقتراع المكان الذي يقرّر فيه السوريون شكل نظامهم ويختارون عبرها ممثليهم ورئيسهم.
وبالتوازي أقرّ المؤتمر تشكيل لجنة لمناقشة قواعد دستور جديد لبلدهم، تضمّ ممثلين للمكوّنات المشاركة تضمّن البيان الختامي أسماء أكثر من مئة وخمسين منهم، ليكونوا جزءاً من أيّ محادثات تجري لاحقاً برعاية الأمم المتحدة، بشخص المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، الذي شارك في الجلسة الافتتاحية قبل أن ينسحب ويعود، ويوافق على تبني لجنة الدستور كشريك في المحادثات المقبلة بين الحكومة والمعارضة.
في لبنان لم تنجح محاولة رئيس الجمهورية لملمة ذيول الأحداث التي أعقبت كلام وزير الخارجية جبران باسيل بحق رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وجاء بيانه عن مسامحة الذين أساؤوا إليه ومطالبته الآخرين بمسامحة بعضهم، سقفاً لبيان صدر عن تكتل التغيير والإصلاح يضع فوضى الشارع الغاضب الذي لا يمانع أحد بإدانة ما قام به من شغب وغضب، أو إحالة أيّ مرتكبين منه للقضاء المختصّ، في كفة موازية للكلام المباشر الصادر عن رئيس التيار الوطني الحر، وزير الخارجية، بحق رئيس المجلس النيابي، ليرسم معادلة قوامها أنّ الأمر انتهى هنا، معتبراً أسف رئيس التيار كافياً وبديلاً لكلّ مطالبة بالاعتذار.
لم يُنهِ بيان التكتل الأزمة ويسحب فتيل التصعيد، الذي بقي مفتوحاً في الشارع، فيما بدا أن لا وساطات في الأفق يمكن أن تبشّر بإنهاء هذا التوتر الآخذ في التصاعد، وأنّ التطمينات عن إجراء الانتخابات وعدم تأثرها بما يجري، مهما كانت صادقة فهي تبقى غير كافية وغير مطمئنة أمام ما يجري وما قد يجري ما لم تحدث خطوة دراماتيكية تستدرك الأخطار وتسحب الفتائل.
التصعيد سيد الموقف والأزمة مفتوحة
يبدو أن المشهد الداخلي يتجه نحو مزيدٍ من التصعيد الذي بقي سيد الموقف لليوم الثاني على التوالي مع غياب المبادرات الجدية للحلّ وتصلّب المواقف واستمرار الحملات الإعلامية والسياسية وتبادل رسائل الاتهامات والتهديدات بين حركة أمل والتيار الوطني الحر، رغم المواقف الصادرة من بعبدا وعين التينة التي اتسمت بالتهدئة، لكن الأزمة مستمرة ومفتوحة على الاحتمالات كافة، بحسب مصادر مطلعة، وقد تحكم سياق المحطات والاستحقاقات المقبلة ومنها الانتخابات النيابية التي يبدو أنها المستهدف الأول مما يجري الأمر الذي يثير التساؤل عما إذا كان تسريب الفيديو مقصوداً في إطار مخطط خارجي بالتعاون مع بعض الجهات المحلية للإطاحة بالانتخابات؟
وفي حين جاء بيان تكتل التغيير والإصلاح دون السقف المتوقع والمطلوب لتطويق ذيول الأزمة وتقديم اعتذار للبنانيين، كما طالبت عين التينة، اكتفى البيان بالأسف الذي عبّر عنه رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل عشية تسريب الفيديو والاستجابة لتوجيه رئيس الجمهورية بالمسامحة مع المعتدين على مركزية «التيار» في ميرنا الشالوحي. واعتبر «التكتل» بعد اجتماعه برئاسة باسيل في بيان تلاه النائب إبراهيم كنعان أن «الكرامات متساوية وأن اللبنانيين متساوون بحقوقهم وواجباتهم وأن يكون هناك احترام لحرمة المواقع والأملاك العامة والخاصة، وان الدولة هي التي تحمي الجميع وتعطي الجميع حقوقهم بالوسائل الديموقراطية والقانونية والقضائية». وأكد كنعان أن «التكتل يعاهد اللبنانيين الاستمرار بمشروع بناء الدولة والإنجاز، وأي إرادة لتعطيل هذه المسيرة لن يكتب لها النجاح، لأنها ستواجه بتصميم أكبر من قبلنا ومن قبل قواعدنا واللبنانيين».
«التنمية والتحرير» تطالب باسيل بالاستقالة
غير أن «سقف البيان أيضاً لم يهدّئ من غضب جمهور حركة أمل الذي عاد الى الشارع مساء أمس وقطع عدداً من الطرقات في الجنوب والعاصمة والبقاع، فيما أصابت شرارة الخلاف المجلس النيابي، فتعطّلت جلسة اللجان النيابية المشتركة لعدم اكتمال النصاب أعقبتها مواقف عالية السقف لنواب كتلة التنمية والتحرير. فقد اعتبر النائب انور الخليل أن «مواقف باسيل تعرقل وتهدّد الاستقرار والسلم الأهلي، والأمر لا يستقيم بالاعتذار بل بمراجعة منهجية لشخصية لا مكان لها في زمن السلم، داعياً باسيل إلى الاستقالة». أما النائب علي بزي فقال «ربما تكون لباسيل مصلحة بتأجيل الانتخابات وهو يريد تطييرها، لأنه رأى أن حسابات الحقل لا تتطابق مع حسابات البيدر، وحتى اعتذاره لا يكفي». واستبعدت مصادر 8 آذار لـ «البناء» لجوء حركة أمل الى خطوات تنفيذية كالاستقالة من الحكومة، لكنها أكدت أننا دخلنا في شلل المؤسسات لا سيما مجلس الوزراء الذي لن ينعقد هذا الأسبوع بسبب سفر رئيس الحكومة الى تركيا.
«التيار»: المصالحة لا الاعتذار
وفي وقتٍ أوحت مقدّمة نشرة الأخبار في قناة «أو تي في» بأننا مقبلون على جولات تصعيدية جديدة، أشارت مصادر التيار الوطني الحر لـ «البناء» الى «أننا لسنا هواة تصعيد ونضع أنفسنا تحت سقف الدولة والقانون وما قاله رئيس التيار الوزير جبران باسيل يقوله جميع السياسيين كل يوم في صالوناتهم الداخلية وتسريب الفيديو لم يكن مقصوداً ولا يستأهل ردة الفعل هذه في الشارع»، ولم تتخوّف المصادر من تأجيل أو تطيير الانتخابات، مشيرة الى أن «التيار» هو أكثر الأطراف إصراراً من أي وقت مضى على إجراء الانتخابات وفي موعدها وبالتالي المخاوف من تطييرها ليس في محله ما دامت الأطراف الداخلية كافة تعبر بشكلٍ علني عن أجرائها في موعدها».
وعن استقالة وزراء حركة أمل من الحكومة، لفتت المصادر الى أن «هذا خيارهم الديموقراطي حق لهم ولا نمنعهم، لكن ذلك لا يغيّر في المشهد السياسي شيئاً والحكومة حينها تتحوّل لتصريف أعمال وبعد الانتخابات لكل حادث حديث».
وأكدت المصادر أن «التيار ليس بوارد تقديم الاعتذار ولن يتراجع ولن يُستدرَج الى اللعبة الطائفية ولا يحتاج اليها لزيادة شعبيته المتصاعدة في الوسط المسيحي والوطني، بحسب استطلاعات الرأي».
وفي حين تردّدت معلومات عن مبادرة يسعى رئيس الحكومة سعد الحريري إلى إنضاجها بعيداً عن الأضواء تقضي بأن يصطحب الحريري بعد عودته من تركيا باسيل الى عين التينة للقاء رئيس المجلس النيابي نبيه بري، أشارت أوساط التيار الوطني الحر لـ»البناء» الى أن «المصالحة مع بري واردة ولا مانع من زيارة باسيل إلى عين التينة، لكن ليس على قاعدة الاعتذار»، غير أن مصادر «البناء» استبعدت إجراء هذه المصالحة في ظل مناخ التصعيد السائد، مشيرة الى أن «أي حل يجب أن يكون ضمن سلة واحدة ومتكاملة تبدأ بمعالجة أزمة مرسوم الأقدمية».
.. وتحالف مار مخايل ثابت
وأضافت مصادر «التيار» «كنا نأمل من حزب الله أن يلعب دوراً ايجابياً أكثر الى جانب التيار، لكننا نتفهّم موقفه الداعم للرئيس بري»، وشدّدت على أن «ورقة التفاهم مع الحزب لن ولم تهتز، لأن تحالف مار مخايل ثابت واستراتيجي ولا يتأثر بالأحداث، لا سيما أن خلافنا السياسي مع الرئيس بري لا يعني أننا ضد الطائفة الشيعية».
من جهتها، لفتت أوساط مطلعة على موقف حزب الله لـ «البناء» الى أن «الحزب كان واضحاً في تحميل مسؤولية تفاقم الوضع المستجدّ الى باسيل، لكنه لا يتبنّى المشهد الذي حصل في الشارع، وبالتالي لن يستهلك نفسه بوساطة ومبادرة إذا لم تكن مضمونة النتائج وفي ظل عدم توفر الأرضية المناسبة».
ولفتت الى أن «الحزب محرج بين حليفيه، وهو ليس حالة ميكانيكية لحل الخلافات، بل هو طرف من الأطراف، وقد حاول مرات عدة لمعالجة المشكلة ولم ينجح». وأعربت المصادر عن مخاوفها من «محاولة ضرب ورقة التفاهم بين المكونين الشيعي والمسيحي».
بعبدا تسامح
في غضون ذلك، نأت بعبدا بنفسها عن الأزمة واعتبرت أن ما يجري خطأ من الطرفين، لكن لم تطلق أي مبادرة لمعالجة الأزمة، واعتبر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أن «ما حدث البارحة على الصعيدين السياسي والأمني أساء إلى الجميع وأدى الى تدني الخطاب السياسي الى ما لا يليق باللبنانيين». وشدّد في بيان صدر عن رئاسة الجمهورية على أن ما حصل على الأرض خطأ كبير بُني على خطأ، معلناً من موقعه الدستوري والأبوي مسامحة جميع الذين تعرّضوا إليه والى عائلته. وقال الرئيس عون «أتطلع إلى أن يتسامح أيضاً الذين اساؤوا الى بعضهم بعضاً، لأن الوطن أكبر من الجميع، وهو أكبر خصوصاً من الخلافات السياسية التي لا يجوز ان تجنح الى الاعتبارات الشخصية لا سيما أن التسامح يكون دائماً بعد اساءة». ولفت الى ان القيادات السياسية مطالبة اليوم بالارتقاء الى مستوى المسؤولية لمواجهة التحديات الكثيرة التي تحيط بنا وأهمها المحافظة على الاستقرار والأمن والوحدة الوطنية وعدم التفريط بما تحقق من إنجازات على مستوى الوطن خلال السنة الماضية.
ولم تعلق مصادر عين التينة على بيان بعبدا، مكتفية بالقول: لا تعليق. فيما سُجّل أيضاً كلام «تهدوي» للرئيس بري الذي قال من عين التينة إنه «لن يسمح بأي شيء يهدد الاستقرار ووحدة لبنان واللبنانيين»، في حين أشار الى انه «ليس خائفاً على الانتخابات».