إجماع وطني وسياسي: لن نسمح بـ«البلطجة الإسرائيلية»… والمقاومة: جاهزون الإصرار على المؤتمر الاغترابي يزيد التوتر… و«القومي» يزور بري متضامناً

كتب المحرّر السياسي

لم يتأخر «الإسرائيليون» عن ترجمة معادلة «أنّ كلّ انقسام بين اللبنانيين هو فرصة للاستثمار»، ولم يفُتْهم الانتباه إلى أنّ الانقسام القائم بين جناحي الدعم الشعبي والسياسي للمقاومة المتمثلين برئاسة الجمهورية ورئاسة المجلس النيابي من جهة، والبعدين الشعبيّين لحماية خيار المقاومة في البيئة اللبنانية الطائفية من جهة مقابلة، يمثل الفرصة النموذجية للدخول على خط العبث بالنسيج اللبناني، والتسلل إلى حيث يمكن الرهان على قطف أثمان استراتيجية لحساب المصالح «الإسرائيلية»، ليصير السؤال اللبناني الداهم والدائم، هل يشكل الانتباه والاهتمام «الإسرائيليين»، بتوقيت خلافي لبناني لافت، قرعاً لجرس الإنذار للقادة المعنيّين للملمة الخلافات، واحتواء التجاذبات التي ما زال شقّها يتسع في الشارع والمنابر، وفتقها يبقى أكبر من محاولات الترقيعظ وهل ينجح أفيغدور ليبرمان بتهديداته التي تطال حقوق لبنان النفطية في مياهه، فرصة لنهوض مبادرات تتخطى المواقف المبدئية التي ندّدت بالكلام «الإسرائيلي» وأكدت موقف لبنان المستعدّ للمواجهة دفاعاً عن حقوقه السيادية، وهو ما لم تتأخر المقاومة بلسان حزب الله عن إعلان جهوزيتها لفعل كلّ ما يلزم دفاعاً عن لبنان وحقوقه في ثرواته من النفط والغاز، حيث المواجهة الحقيقية للبلطجة الحقيقية التي يوحّد الكلام عنها اللبنانيين ولا يفرّقهم؟

المبادرات المنتظرة من قياس الردّ على التحدّي «الإسرائيلي» بإثبات تقدير القيادات اللبنانية لحجم المخاطر وقدرتها على الترفع عن الخلافات لتأمين ردّ أهمّ من التصريحات المهمة التي صدرت عن رؤساء الجمهورية والمجلس النيابي والحكومة، ميشال عون ونبيه بري وسعد الحريري، بالتمسك بالحقوق الوطنية، إلى لقاء رئاسي يقول بالصوت والصورة إنّ ما سمعه «الإسرائيليون» ورأوه من مشهد خلافي وبنوا عليه، يسقط في عيون القادة اللبنانيين، أمام التهديد «الإسرائيلي»، ويقول لـ»الإسرائيليين»، مشتبهٌ مَن يتوقع أنّ الخلافات والانقسامات أعمق وأكبر من التمسك بالمصالح الوطنية العليا، وأنّ شيئاً لم ولن يصرف القادة اللبنانيين عن مسؤولياتهم في تعزيز الوحدة الوطنية التي لم ينفك كلّ منهم يؤكد في كلّ مناسبة أنها السلاح الأمضى لمواجهة كلّ خطر، وأنّ الخطر الداهم اليوم يستحق تظهيرها بأبهى مشاهدها وأعلى مراتبها.

عملياً، لم يتحقق أمس، أيّ اختراق يوحي بالتقدّم خطوة نحو طيّ صفحة الخلاف والاقتراب من المعالجات، وجاء كلام رئيس المجلس النيابي نبيه بري في لقاء الأربعاء النيابي، وما تضمّنه من تطمينات لجهة بقاء الحكومة وإجراء الانتخابات، ورفض التصعيد، ومن شجاعة الاعتذار للبنانيين عما شهده الشارع، رغم كون ما شهده من تحرّكات ليس بقرار ولا يعبّر عن ترجمة لتوجّه، ليفتح الباب أمام مبادلة الاعتذار باعتذار، فيما تواصلت المواقف المتضامنة مع الرئيس نبيه بري والداعية لرأب الصدع بمبادرة شجاعة، يقودها رئيس الجمهورية ويترجمها الوزير جبران باسيل، وكان لوفد الحزب السوري القومي الاجتماعي برئاسة رئيسه حنا الناشف، الذي زار الرئيس بري موقف في هذا السياق يستكمل ما سبق وقاله في اليوم الأول للأزمة، مقترحاً حينها تأجيل المؤتمر الاغترابي منعاً للمزيد من التصعيد والانقسام، ليبدو قرار وزير الخارجية بالمضيّ في التحضيرات لمؤتمر ساحل العاج والإعلان عن نية الوزير باسيل حضور المؤتمر، إشارة إلى أنّ الأمور لا تزال محكومة بمعادلات بعيدة عن لغة الحلول والتسويات، وأنّ المزيد من التوتر والتصعيد لا يزال متوقعاً.

«بلوك 9» يوحّد لبنان

خطفت تصريحات وزير الحرب «الاسرائيلي» أفيغدور ليبرمان الاهتمام المحلي وحجبت الأضواء عن التفاعلات التي أفرزتها الأزمة الراهنة والمستمرة على خط عين التينة بعبدا الرابية. فما عجزت عنه قوى سياسية وازنة، تمكّن منه البلوك الغازي «9» الذي استجمع الوطن المشتت «الأطراف» وثبّت حدوده البحرية المهدَّدة من العدو المتربّص، حيث أجمع الرؤساء الثلاثة ووزراء الخارجية والدفاع والطاقة والمياه على إدانة تصريح المسؤول «الاسرائيلي» ودعم المواقف الرسمية حزب الله بيان أكد جهوزية المقاومة، فهل يحوّل السياسيون تهديد العدو فرصة لاستعادة الوحدة واللحمة الداخلية المتشكلة خلال أزمة احتجاز رئيس الحكومة وقضية القدس وفلسطين؟ وهل يرتقون فوق المصالح الضيقة الى حدود مصالح الوطن؟ وهل يستطيع أركان الحكم التعهّد للبنانيين وطمأنتهم بأن تبقى حدود الأزمة وخلافاتهم مضبوطة تحت سقف الاستقرار والمؤسسات الدستورية؟

العدو «الاسرائيلي» الذي يتحيّن الفرص للانقضاض على لبنان ومقاومته وجيشه وثرواته ووحدته الوطنية واستقراره مستخدماً أذرعه الأمنية والاستخبارية وأدوات «التطبيع الناعم»، استغلّ مشهد الانقسام الداخلي والأحداث الأمنية لينفذ من بوابة البلوك 9 البحرية، حيث ادعى وزير حربه أن «بلوك الغاز في البحر رقم 9 هو لنا، ومع ذلك أعلن لبنان مناقصة بشأنه»، مشيراً الى أن «الجميع يدرك أن الجبهة الداخلية هي التحدي الأكبر الذي نواجهه في الحرب المقبلة». واعتبر ليبرمان، في تصريح، أنه «ممنوع أن يكون هناك أشخاص يلهون على البحر في بيروت وأشخاص ينامون في الملاجئ في تل أبيب»، ما يُعد تهديداً واضحاً بشنّ عدوان عسكري على لبنان، ومنعه من استثمار ثروته الغازية الواقعة ضمن حدوده البحرية.

تهديدات العدو استدعت رداً حازماً من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي أكد أن «كلام ليبرمان يشكل تهديداً مباشراً للبنان ولحقه في ممارسة سيادته الوطنية على مياهه الإقليمية»، يُضاف الى سلسلة التهديدات والانتهاكات «الإسرائيلية» المتكررة للقرار 1701 في الجنوب». ومن أنقرة اعتبر رئيس الحكومة سعد الحريري في بيان أن «ادعاء وزير حرب العدو باطل شكلاً ومضموناً، وهو يقع في إطار سياسات «اسرائيل» التوسعية والاستيطانية لقضم حقوق الآخرين وتهديد الأمن الإقليمي»، وشدد على أن «الحكومة اللبنانية ستتابع خلفيات هذا الكلام مع الجهات الدولية المختصة، لتأكيد حقها المشروع بالتصرف في مياهها الإقليمية ورفض أي مساس بحقها من اي جهة كانت، واعتبار ما جاء على لسان ليبرمان هو الاستفزاز السافر والتحدي الذي يرفضه لبنان».

وأيّد حزب الله في بيان «مواقف الرؤساء الثلاثة وبقية المسؤولين اللبنانيين ضد هذا العدوان الجديد»، وجدد تأكيد موقفه الثابت والصريح في التصدي الحازم لأي «اعتداء على حقوقنا النفطية والغازية والدفاع عن منشآت لبنان وحماية ثرواته».

بري: لن نتراجع قيد أنملة

وفرضت التهديدات «الاسرائيلية» نفسها على النقاشات في لقاء الاربعاء في عين التينة، حيث ركز رئيس المجلس النيابي نبيه بري على الأخطار التي تحدق بلبنان جراء ما يجري على مستوى المنطقة، واعتبر أن «زيارة رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو الى روسيا هي أكبر من خطيرة مما يتطلب من جميع اللبنانيين التنبّه والتشبث بالوحدة».

وفي حين راوحت الأزمة بين التيار الوطني الحر وحركة أمل مكانها وتمسك الطرفين بمواقفهما، خلت مقدمة نشرة أخبار قناة «أو تي في» من التصعيد الناري المعتاد باتجاه عين التينة، وركزت على التهديد «الاسرائيلي» والخطر المستجد، غير أن أوساط التيار الوطني الحر لفتت لـ «البناء» الى أن «رئيس التيار مصرّ على موقفه من عدم الاعتذار ويكتفي بالتعبير عن أسفه لحظة تسريب الفيديو وأن التيار لا يريد التصعيد»، مشيرة إلى أن «كلام باسيل وإن كان يحمل الخطأ، لكنه جاء نتيجة تراكم أخطاء من قبل الطرف الآخر تجاهنا في جملة من الملفات ولم يأت من عدم مناقشة مشاريع قوانين عدّة قدّمها التيار تمّ تجميدها في أدراج المجلس النيابي الى جانب أزمة المياومين وتعطيل خطة التيار لحل أزمة الكهرباء، فضلاً عن أزمة التوقيع الثالث في الدولة». وأشارت الى أن «الأزمة السياسية مستمرة مع حركة أمل، لكن ستبقى ضمن المؤسسات ولن نسمح بنقلها الى الشارع».

في المقابل بادر رئيس المجلس النيابي الى الاعتذار من اللبنانيين حيال الاعتداءات التي طالتهم بسبب التظاهرات في الشارع، كما نقل عنه زواره أمس، غير أن لا مبادرات تلوح في الأفق تحرك جليد العلاقة بين الطرفين، ما يؤشر الى أن الصراع السياسي سينتقل الى المؤسسات التي ستدخل في شلل الى ما بعد الانتخابات النيابية إن لم يُقدِم رئيس التيار الوطني الحرّ على الاعتذار، بحسب ما قالت مصادر مطلعة لـ «البناء» التي أكدت أن «وزراء حركة أمل لن يشاركوا في أي جلسة حكومية قبل اعتذار باسيل وقد يتضامن وزراء آخرون مع وزراء الحركة الأمر الذي سيدفع الحريري الى ارجاء عقد الجلسات حتى إشعار آخر»، وقال بري أمام زواره إنه «لم يطلب اعتذاراً بل المطلوب تقديم اعتذار الى اللبنانيين، كل اللبنانيين للإهانات والإساءات التي حصلت، وأنه يمتلك من القوة والشجاعة والوعي والوطنية والأمانة والحرص على كل اللبنانيين ما يدفعه أن يقدم اعتذاراً الى كل اللبنانيين الذين لحق بهم أذى على الأرض، على الرغم من أن الجميع يعرف ان لا الرئيس بري ولا حركة أمل لهما علاقة من قريب او بعيد بما حصل على الأرض».

ونقل زوار عين التينة عن بري أن «كل كلام يُشاع حول استقالة الحكومة وغيرها أنه لم يناقش هذا الموضوع ولم يطلب من أحد اللجوء الى هذا الخيار، ولكننا في السياسة ما زلنا على مواقفنا، وفي الملفات ما زلنا عند موقفنا لم ولن نتراجع قيد أنملة عن مقارباتنا الدستورية والنظامية والقانونية في كل هذه الملفات».

ونقل زوار بري عنه لـ «البناء» أن «جميع الخيارات واردة لمواجهة الثنائية الجديدة والأمور مرهونة بأوقاتها مع الحفاظ على الدستور والوحدة الوطنية واستمرار عمل الحكومة لا سيما مجلس الوزراء»، لكن عملياً مجلس الوزراء دخل في دائرة الشلل، يضيف الزوار، وهكذا المجلس النيابي واللجان النيابية «لكن ذلك لا يمنع من عقد جلسات استثنائية لمجلس الوزراء، اذا استدعت الحاجة لمعالجة أزمات أو ملفات طارئة».

وتشدّد مصادر الرئيس بري لـ «البناء» أنه «لا بد وأن تنتهي الأزمة مهما طالت، لكن وفق قواعد الدستور ووثيقة الوفاق الوطني، لأن لبنان لا يُحكم باللادستور واللاميثاق كما عبّر بري منذ أسبوع ولن يسمح بتكريس نهج جديد قائم على الثنائيات». وتضيف المصادر: «فلنضع مرسوم الأقدمية جانباً، لكن نتحدث عن تجاوزات عدة للطائف مثل استحداث الكلية الجامعية في البترون من دون توقيع الوزير المختص وتجميد تعيين الناجحين في مجلس الخدمة المدنية وغيرها من التجاوزات». وتشير المصادر الى امتعاض رئيس المجلس من موقف رئيس الحكومة سعد الحريري الذي يغضّ الطرف عن تلك الممارسات، وبالتالي هو «شريك مع الوزير باسيل في ضرب الطائف لمصلحة المصالح السياسية والمالية بينهما».

وعن استجابة الرئيس بري الى دعوة يقدّمها رئيس الجمهورية الى لقاء رئاسي في بعبدا للمصالحة، قالت المصادر: «هناك أصول للمعالجة والحل يبدأ بالاعتذار، ولاحقاً يتم الحديث عن المخارج المطروحة». وكشفت المصادر عن محاولات لدى الحريري وباسيل لتأجيل الانتخابات ستة أشهر لأهداف مصلحية تتعلّق بالوضع الشعبي لكل منهما وبالانتخابات الرئاسية المقبلة، لكنها تجزم بأن «بري لن يسمح بذلك، ولن يمرر التمديد هذه المرة تحت أي ذريعة، ونفت المصادر أن يكون لدى رئيس المجلس أي نية لشل وإفشال العهد الذي يشل نفسه من خلال أداء المحيطين به»، بحسب تعبيرها.

من جهته أكد الرئيس عون أنني «سأبقى أعمل على تمتين الوحدة الوطنية مهما كانت العراقيل التي يضعها البعض أمامي، لأني أدرك ان هذه هي رغبة اللبنانيين على اختلاف انتماءاتهم وخياراتهم السياسية، ولن نوفر جهداً إلا ونبذله في سبيل تلبية هذه الرغبة ولتحصين الموقف اللبناني في مواجهة التحديات على أنواعها، وآخرها».

وأشار الى «تصميمه على ممارسة الصلاحيات التي حددها الدستور لرئيس الجمهورية من دون زيادة ولا نقصان، وذلك انطلاقاً من القسم الذي اداه والخطاب الذي حدد فيه توجهاته خلال ولايته الرئاسية». وجدد الرئيس عون التزامه «اتفاق الطائف»، داعياً الى «تطبيقه من دون انتقائية واحترام مبادئ وثيقة الوفاق الوطني التي تحمي الوحدة الوطنية وتصونها وتحقق التوازن بين مكونات المجتمع اللبناني كافة».

«القومي» في عين التينة

في غضون ذلك، واصل رئيس المجلس النيابي استقبال الوفود المتضامنة والمستنكرة لكلام باسيل، واستقبل أمس، في عين التينة وفداً من الحزب السوري القومي الإجتماعي برئاسة رئيسه حنا الناشف وعضوية رئيس المجلس الأعلى النائب أسعد حردان والوزير علي قانصو.

بعد الزيارة قال الناشف: «جئنا لنبدي التضامن مع الرئيس بري ونكرّر أيضاً موقفنا الذي أخذناه أول أمس، بشأن وجوب التعالي في خطابنا الوطني إلى مستوى المسؤولية وأن نعطي اهتماماً كبيراً للوحدة الوطنية وللسلم الأهلي، وأن يكون رأينا رأياً مدروساً وعقلانياً، وعندما نبدي أي ملاحظة أن تكون هذه الملاحظة عقلانية».

وأضاف: «قلنا ونكرّر بأن الرجوع عن الخطأ فضيلة ويجب أن يعود المخطئ عن خطئه، لأنه بذلك تبنى الأوطان. كما أننا أبدينا تأييدنا ومطالبتنا ودعمنا، لأن تجري الانتخابات النيابية، ونحن نستعدّ لخوض معركة هذه الانتخابات ونقول إن ذلك لمصلحة بلدنا في أن يختار من جديد ممثليه، ويجب أن تحصل الانتخابات في موعدها».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى