واقع ملغوم

واقع ملغوم

الخيال يحرّض العلم للبحث دائماً عن أشياء وأفكار لم يسبق طرحها من قبل، فقبل أن يزور نيل أرمسترونغ الفضاء، ظهرت أفلام كرتونية تمهّد لهذه الخطوة، وتهيّئ البشرية لهذا السبق. وقبل اختراع الطائرة والغواصة ظهرت قصص الخيال العلمي على يد جول فيرن.

اليوم وفي مسيرة الكتابات الدرامية، نجد تحجيم لأفكار الكاتب وعدم استعراض مكنونات عمله كلّها، علماً أنه قد يُلهم أحدهم باختراع أو اكتشاف أو حتّى فكرة عبقريّة تنقذ البشريّة، فقط في حال إعطاء القليل من الحرية لمداد قلمه، والتحرّر من الجمل والكليشات المتكررة، بعيداً عن الشهرة فالشهرة تفسد الإنسان.

سبق وأن أعربت الكاتبة النمسوية آلفريده يلينك بعد فوزها بجائزة «نوبل للسلام»، وهي المرأة العاشرة التي تحصل عليها منذ تأسيسها عام 1901 عن امتعاضها بالجائزة قائلة: «الشهرة تسلب الحريّة».

فالبون ما زال شاسعاً بين ما أعربت عنه الكاتبة وبين كتّاب اليوم. فنحن لا نريد أن نكون أمام مؤسّسات ربحية آخر ما تفكر به هو النتاج الأدبي أو العلمي.

منذ عشرات السنين أمددنا الغرب بمصطلح الشفافية، على أثره استيقظنا على أهمية المعلومات لبناء الرأي السديد والتحدّث أو الكتابة بوضوح تامّ، كي ننصف تعريف هذا المصطلح. فأفكار جديدة ونيّرة وغير مطروقة من أقلام يانعة جاهدة في بوح ما يغلي ببراكينها قد تساعد في خلق حلّ. وليس أن نصدّر الحقيقة مجزأة أو أن نستقبلها مجزأة. يجب أن تكون كاملة ولو لمرّة واحدة. ففي مثلث الحياة قوتان تتولد منهما ثالثة: في الأفلاك هما قوّتا الجذب والدفع ومنهما الحركة الدائمة. وفي الكهرباء هما قوتا السلب والإيجاب ومنهما ينبثق النور والحرارة. وفي الإنسان هما قوتا الفكر والخيال لينتج عنهما حياة جديدة. في الإنسان قوّة روحية لا تسحقها قوّة جسدية، فالحياة مضمار مليء بالراكضين نحو النهايات، إذا توقفت، أو تراجعت، ستدهسك الأقدام، وتخرج من السباق.

فما أكثر الذباب الأسود المنتشر في الفضائيات، وشبكات التواصل الاجتماعي، ناقلاً الفوضى والأمراض والعفن، حاجباً النور عن كثير من الأقلام التي تملك من الأحلام أكثر ما تملك من النقود. فمسلسل الحياة يحتاج إلى الطموحين والمستقبل كما قالت عنه إليانو روزفلت: «لأولئك الذين يؤمنون بروعة أحلامهم».

المستقبل لمن يكون مبطناً بالشعور الحيّ، ملتحفاً بالآمال الفتيّة، مجنحاً إلى ما تصبو إليه الروح وأن يعيد للحياة روحها كي لا تبقى ضميراً مستتراً تقديره «ميت».

صباح برجس العلي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى