الأمين محمود عبد الخالق غادرنا… ولم يودّعنا
اعتدال شادق شومان
جيلٌ يلملم أوراقه ويمضي وكأنه موسم الانسحاب المُبرمج لحقبةٍ نضالية من تاريخ حزبنا، عشناها سوياً عرفناهم وعرفونا، ومعاً خضنا زمناً حافلاً بالتحوّلات تأثراً وتأثيراً، تفاعلاً وانفعالاً. وبرحيلهم يصيب تاريخنا وجلٌ ويعتري حراكنا ألمٌ. ويتركون في دواخلنا ركناً حزيناً ويطوفون بالبال عند كلّ غياب.
مضوا تباعاً، من غير أن يُضنيهم نضال أو طول السنين متدثّرين بحلم لم يعتره شيب أو وهن، غير أنهم، فقط يخلون المكان. فللرحيل أوان، وقد أدّوا قسطهم للعلى وأنجزوا تاريخاً شديد النقاء، تركوه لنا «مراساً» على حافة أفق يتلوه أفق لأجيال لم تولد بعد، ومنهم وإليهم ينتمي الراحل بالأمس، الأمين محمود عبد الخالق في هدوء يليق بشخصيته حضوراً وغياباً..
وهو المشهود له من بواكير شبابه وانتمائه، دفء الوجدان، وعمق التجربة، وتلقائية المشاعر، والصبر الجميل. شهم، صامد، ثابت في الإقدام والقتال ونفاذ الرؤيا في محاورة المختلفين منا ومصالحة المتقاطعين وتهدئة الغاضبين منا صوناً للحزب ورفعته..
وإذ، يرحل قائد تاريخي ويغيب مناضل كبير بمثقال ذاك الجيل، فهذا تلميح إن تاريخاً طويلاً يطوي ذاته ومراحله بحلوه ومره، في تعثره وفلاحه في صعوده أو كبوته، إلا أنه حكماً لم يكن تاريخاً عبثاً أو ضياعاً، فهم أصحاب رسالة، وإن كنا قد حمّلناهم أخطاء طُرًّا شاركنا فيها جميعاً، ولطالما جادلناهم بالقول ولنا الجرأة في الحزب أن نعترف بذلك وهنا مكمن عافية حزبنا وسره.
هم الذين جاؤوا من زمن لم يمتلكوا فيه من ذرائع الحياة إلا فضائل مجردة، أخلاقاً وأملاً ومبادئ وأهدافاً ملؤها قيم ويقين، تحفّهم قدرات وطاقات متميّزة ارتقت بهم يَم القضية في مسيرة خطر مديدة.
حجتهم التساؤل والتوق والبناء الى البحث عن هويتهم فعشقوا الأمة والعقيدة والحزب وأيقنوا الثوابت والهوية من عبث أو ضياع، في مسار دونه المطبات او الهنات، كما التألّق والسطوع.
وقد قدّر للأمين محمود عبد الخالق أن يكون شاهداً على مخاضها وأبرز محطاتها وخفاياها ما هو معلن منها وما هو مبطن، بحكم موقعه الحزبي المتعدّد المهام منذ الانتماء حتى لحظة الوداع يكابد مرضاً لعيناً. وقد حاولتُ مراراً استدراجه إلى حوار طويل ومسهَب، يروي فيه تلك التجربة الثرية، غير أنه اختار، مقام الصمت، رغم فخامة القول.
في ما يلي شهادات بالراحل دوّنها المعزّون في سجل التعزية…