«هاآرتس»: أعداء «إسرائيل» تتعاظم قوّتهم… وترامب هو أفضل صديق

قبل شهرين من الآن، استقبل الجيش «الإسرائيلي» النسخة الأحدث من الوثيقة التي تحدّد الاستراتيجية التي عليه أنّ يتبعها، وقد اعتبرت الوثيقة أن جبهة التحرير الفلسطينية هي الأكثر عرضة للتقلّبات من وجهة النظر «الإسرائيلية»، وإنّ تكن قد جاءت في المرتبة الثانية في ترتيب الأخطار التي يستعدّ الجيش للتعامل معها.

وطبقاً للوثيقة التي عرضها محرّر الشؤون «الإسرائيلية» في صحيفة «هاآرتس» العبرية عاموس هاريل، فإنّه ومن وجهة نظر هيئة الأركان، يأتي التهديد الشيعي ـ ممثلاً بإيران وسورية وحزب الله اللبناني ـ في مقدّمة تلك الأخطار، فيما تحلّ المجموعات السنيّة المتطرّفة ـ «القاعدة» و«داعش» بالأساس ـ في المرتبة الثالثة.

يقول هاريل أنه في صيف عام 2015، ومنذ أن تقلّد الجنرال غادي أيزنكوت رئاسة هيئة الأركان، فقد خطا خطوة غير معتادة بوضع وثيقة استراتيجية، نشرت نسخة منها على العامة. وقد أثارت الوثيقة نقاشات محتدمة بين الباحثين والخبراء، حيث تطرّق إيزنكوت لموضوعات ذات حساسية، مثل العقيدة الأمنية لجيش الدفاع وأهدافه في القتال، وهي الأمور التي دأب القادّة السياسيون على تجنّبها عادة. وقد وعد إيزنكوت بتحديث الوثيقة اعتماداً على التطورات العسكرية، وبالفعل فقد صدرت في تشرين الثاني نسخة منقّحة من الوثيقة، لكنها لم تُطرح للعلن.

وأضاف هاريل: إلّا أننا ـ وللمرة الأولى ـ نشير هنا إلى أهم النقاط التي وردت فيها. إحدى التحديثات هو تقسيم المنطقة إلى «مناطق المواجهات»، وهي تلك التي تمثل تهديداً لـ«إسرائيل»، و«مناطق التعاون» وهي الدول الصديقة لـ«إسرائيل» أو تلك التي يمكن أن يجري معها بعض التعاون. كما ركّزت على الأهمية المتزايدة لمعركة «إسرائيل» بين الحروب ضدّ المجموعات الإرهابية، وتم تحليل تطبيقات القوة العسكرية باعتبارها مزيجاً بين تحقيق النتائج الحاسمة ومنع الحرب.

الاختبار الأهم

وطبقاً للصحيفة، فإنه بالنسبة لأيزنكوت، فإن الاختبار الأهم بالنسبة إلى الجيش تنفيذ الاستراتيجية والتأهّب للتحدّيات، وكما في مقدّمة الإصدار الجديد من الوثيقة، التي وزّعت على الجيش وأعضاء المجلس الوزاري المصغّر بعد عرضها على وزير الدفاع أفيجدور ليبرمان وقال: «مهمتنا الحماية والفوز».

تناقش الوثيقة الجديدة أيضاً التعاون مع الدول المعتدلة في المنطقة ومع القوى العالمية، وفي مقدّمتها بالطبع الولايات المتحدة الأميركية، وهي تؤكّد على أنّ أفعال الجيش تهدف إلى تقوية موقع «إسرائيل» في المنطقة والعالم.

وفي خلال السنوات المقبلة، فإنّ «إسرائيل» تمتلك مكانة استراتيجية راسخة، وتوزاناً إيجابياً مع أعدائها، بحسب وصف الوثيقة.

ويُعزّى ذلك الفضل إلى الدعم الذي تقدّمه الولايات المتحدة لـ«تل أبيب»، وإرجاء الخطر النووي الإيراني، وضعف الدول العربية وانشغالها بشؤونها الداخلية، وضعف احتمالية أي تحالف عسكري عربي ضدّ «إسرائيل»، فضلاً عن تفوّق «إسرائيل» عسكرياً على أعدائها.

يجري التشديد كذلك على الخطر الذي يمثّله الدور الإيراني على «إسرائيل»، وقد صيغت الوثيقة في نسختها الأولى مع توقيع الاتفاق النووي بين إيران والقوى العظمى، وهو الاتفاق الذي كان رئيس الأركان أكثر تفاؤلاً بخصوصه من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

يذكر التحديث الأخير الدور الفعّال الذي لعبته إيران في تقوية النفوذ الشيعي في المنطقة، وإمكانية اندلاع حرب تقليدية مع المجموعات الشيعية المتمركزة على طول الحدود مع «إسرائيل» في الجبهة السورية ومرتفعات الجولان.

وبينما يتعاظم الخطر الشيعي، فإن جبهة التحرير الفلسطينية تظلّ الأكثر تقلّباً، إذ تذكر الوثيقة للمرة الأولى خطر هجمات «الذئاب المنفردة» في إشارة إلى موجة الطعن بالسكاكين التي بدأت في تشرين الأول 2015.

ويعزو مسؤولو الجيش المراجعات التي جرت على الورقة إلى التغيرات الكبيرة التي شهدتها المنطقة منذ أصدرت الورقة الأولى. وهي تشمل، إضافة إلى الانخراط الإيراني المتعاظم في سورية، الوجود الروسي الذي صار من غير الإمكان تجاهله، والجهود «الإسرائيلية» ضدّ الأنفاق في غزة، فضلاً عن التهديدات التي صار يمثّلها تنظيم الدولة في سيناء.

الأعداء يُحرزون المزيد من التقدّم

يعرض هاريل لرأي الجيش الذي يعتبر أعداء «إسرائيل» يحرزون تقدّماً على أصعدة عدّة، مثل الدقّة النيرانية التي بإمكانها أن تسبّب دماراً للبنية التحتية «الإسرائيلية» وتعيق حركة القوات على الأرض، وتزايد خطر «الحرب السيبرانية»، تتحدث الوثيقة عمّا يسميه الجيش «حرب الوعي والشرعية والقانون»، ويشير إلى التوجّه المتزايد لنقل القتال إلى الداخل «الإسرائيلي».

يُعرف الجيش «الإسرائيلي» مبادئ العقيدة الأمنية لـ«إسرائيل» بأنّها الردع، وتقليل المخاطر، وإرجاء الصراعات العسكرية إذا اقتضت الحاجة، فضلاً عن المبادرة بالهجوم خلال الحرب، تأكيداً للإلتزام بمبادئ مؤسس للدولة ديفيد بن غوريون: نقل القتال إلى ميدان العدة، وتقصير مدة الحرب قدر الإمكان في سبيل استعادة الحياة الطبيعية في أقرب فرصة.

صداقة عميقة وتأثير محدود

ويستطرد هاريل في تحليله مجدداً، أن نتنياهو يثبت سلامة رأيه، فالإدارة الأميركية الحالية هي الأكثر تأييداً لـ«إسرائيل» على الإطلاق، وهذا ما أكّدته زيارة نائب الرئيس الأميركي مايك بنس الأسبوع الماضي، سيطرح هذا سؤالاً آخر: «هل هذا يفيد بالضرورة موقف إسرائيل» الاستراتيجي في المنطقة؟».

بالطبع، فإن الصداقة بحدّ ذاتها أمر جيد. يقول هاريل إنّه في ظلّ هذه التناقضات والفوضى التي ترزح فيها المنطقة حيث الاستقرار يبدو أمراً بعيد المنال، فإنّ «من الجيد معرفة أن الولايات المتحدة تقف في صفنا».

لكن تحالف نتنياهو ـ ترامب، هذا لا ينسجم مع إعراض الولايات المتحدة عن التدخل في المنطقة. استُقبل بنس استقبالاً حافلاً في حديثه أمام «الكنيست»، الأمر الذي أعاد إلى الأذهان الاستقبال الحار إلى نتنياهو حين ألقى خطاباً في واشنطن ضدّ الاتفاق النووي عام 2015. وحين أعلن بنس أنّ السفارة الأميركية في «إسرائيل» سُتنقل إلى القدس بحلول نهاية العام 2019، تعالت صيحات الترحيب بين المسؤولين «الإسرائيلين»، لكن، وفي اللحظة التي كان فيها بنس يوزّع هداياه هنا، كانت الولايات المتحدة تختفي تماماً من بقعة مهمة بالنسبة إلى «إسرائيل»، سورية.

كان شمال سوري هذا الأسبوع على موعد مع دراما حقيقية، حين قامت تركيا بشنّ هجوم على مقاطعة عفرين قرب الحدود، كجزء من حربها الشاملة ضدّ الميليشيات الكردية. كانت تلك الميليشيات جزءاً من «قوات سورية الديمقراطية» التي أبلت بلاء حسناً بدعمٍ أميركي في الحرب ضدّ تنظيم «داعش» في الرقّة ودير الزور.

وقد كان الأميركيون يعولون على توظيف هذه الميليشيات للتصدّي لنفوذ إيران التي تسعى إلى وصل مناطق نفوذها مع لبنان عبر سورية. كان هذا إذًا ما تمخضّت عنه الاستراتيجية الأميركية تجاه سورية. ويبدو أنّ تلك الخطط قد تبدّدت تماماً بسبب الهجوم التركي الذي ما كان ليتم بدون موافقة الروس والإيرانيين، أو على الأقل غضّ الطرف من جانبهم تجاه الخطوات التركية.

وبالأخذ في الاعتبار انعدام الفعل الأميركي هذا، فإن مثل هذا المستوى العالي من التعاون بين نتنياهو وترامب يبدو مثيراً للدهشة، بدا لوهلة أنّ بعض أحلام اليمين «الإسرائيلي» على وشك التحقّق. فالأميركيين الذين يجدون من الصعوبة بمكان القيام بأكثر من مهمة قليلة الأهمية في الوقت نفسه، يجدون الأمر مختلفاً بالنسبة إلى «إسرائيل»، إلى درجة أنه حين تعارض تقدير نتنياهو مع ترامب حول توقيت نقل السفارة إلى القدس، خرج بيان فوري يشدّد على توافق الرؤية مع «إسرائيل»، وقد كان التوقيت الموعود، وللمصادفة، متوافقاً مع موعد الانتخابات المقبلة في «إسرائيل»، هدية رائعة بالنسبة إلى نتنياهو. هل كان أحد هنا يتحدث عن عزلة دبلوماسية؟

تظهر الولايات المتحدة عزماً مماثلاً تجاه طهران. وحين كان في «الكنيست»، كرّر بنس تعهّد ترامب بعدم التوقيع على تمديد الاتفاق النووي مع طهران لمدة أربعة أشهر أخرى إذا لم يجرِ تحسينه، وعلى الفور ابتهجت «إسرائيل» مجدداً، غافلة التساؤل عن كيفية ذلك، وعن موقف الدول الخمس الأخرى الموقّعة على الاتفاقية.

في تلك الأثناء، فإن وجه العلاقات بين واشنطن و«إسرائيل» يبدو مشرقاً إلى أقصى حدّ، تبدو دوافع الجمهوريين مثيرة نوعاً ما، فهل الأمر استجابة بسيطة لتوقّعات الناخبين، في علامة على مدى تأثير الجمهور الإنجيلي أو سعيّاً إلى الفوز بأصوات اليهود ـ التي تذهب عادةً إلى الديمقراطيين ـ في الانتخابات المقبلة؟

في المقابل، يبدو أنّ البقاء على الهامش هو الرهان الحقيقي في مبادرته للسلام بين الفلسطينيين و«الإسرائيليين»، لكن العلاقة الوطيدة التي تجمع نتنياهو بالإدارة الأميركية تزيد من احتمالية أن تلك المبادرة ستولد ميتة، بلا أي احتمالية للقبول من قبل الفلسطينيين، وكما أسر السفير الأميركي جاسون غرين بلات إلى بعض الصحافيين الدبلوماسيين، فإن المبادرة، على الأغلب، سيجري تأجيلها.

وختم محرّر «هاآرتس» تحليله بالقول: كان خطاب بنس الأسبوع الماضي قادراً على إيصال رسالة مفادها أن التحالف بين الولايات المتحدة و«إسرائيل» متين بما يكفي، كما بدّد أي بقايا في شأن كون الولايات المتحدة وسيطاً نزيهاً مع الفلسطينيين. هل سيحصر ذلك السلطة الفلسطينية في الزاوية، ويوفّر لها مبرّراً كافياً لإشعال فتيل العنف مجدّداً؟

وحده الزمن يستطيع الإجابة على ذلك السؤال.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى