تقدّم متواصل في جبهات إدلب… ومراوحة في جبهات عفرين لقاء بعبدا فكّ الاشتباك بين العلاقات الرئاسية والأحزاب والطوائف

كتب المحرّر السياسي

شهدت مدينة دمشق وأحياؤها للمرة الأولى منذ شهور تساقطاً لقذائف الهاون من مواقع المسلحين، سقط بعضها في منطقة المزة، وبعضها الآخر في أحياء القصّاع وباب توما ومخيم جرمانا، وسقط بنتيجتها شهداء وجرحى، فيما رفع الجيش السوري من وتيرة عملياته في منطقة الغوطة الشرقية التي تشكل آخر معاقل الجماعات المسلحة ومصدر القلق المتبقي على أمن العاصمة، بينما كان الجيش السوري وحلفاؤه يسجلون المزيد من التقدّم في جبهات أرياف إدلب وحماة وحلب عند محيط مطار أبو الضهور الذي كان تحريره من جبهة النصرة أبرز إنجازات الجيش السوري للشهر الماضي، استعداداً لتحرير سراقب هذا الشهر، كما تقول مصادر عسكرية متابعة في جبهات الشمال السوري، حيث يقابل النجاحات التي يسجلها الجيش السوري والحلفاء إخفاق تركي واضح في جبهة عفرين، التي تلقى فيها المسلحون الأكراد إمدادات بالرجال والسلاح والعتاد من مناطق خلفية مروراً بمناطق تحت سيطرة الجيش السوري وفقاً للاتهامات التركية، التي قالت إنّ جندياً تركياً قتل وأصيب خمسة آخرون برصاص الجيش السوري، في نقطة مراقبة، بينما قالت مصادر في جبهة حلفاء سورية إنّ الجيش السوري نشر شبكات دفاع جوي في المنطقة، في رسالة يبدو الهدف منها توفير المزيد من الدعم للأكراد في مواجهة الحرب التركية، بانتظار موقف كردي أشدّ وضوحاً بالتموضع تحت العباءة الوطنية للدولة السورية وخارج التبعية للقرار الأميركي كي ترفع الدولة السورية من مستوى انخراطها في المواجهة مع الأتراك، الذين لا تزال الحكومة السورية تصفهم بالتساوي مع الأميركيين كقوات احتلال.

لبنانياً، كانت الأنظار مشدودة نحو قصر بعبدا، حيث كان اللقاء الرئاسي الذي بدأ ثنائياً بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس المجلس النيابي نبيه بري، قبل أن ينضمّ إليه بعد ثلث ساعة رئيس الحكومة سعد الحريري ليستمرّ بعدها لأكثر من ساعة خرج بعدها الرئيس بري مشيراً إلى نتائج مثمرة، وتلاه الرئيس الحريري بالحديث عن حلول لكلّ المشاكل مبشراً بمرحلة جديدة، قبل أن يصدر البيان المشترك الذي ركز على التهديدات والمخاطر «الإسرائيلية» والعزم على مواجهتها، وتأكيد الحرص على الاستقرار والحفاظ على عمل المؤسسات الدستورية وانتظامها، ومناشدة القادة السياسيين الانتباه لما يُحيط بلبنان من مخاطر وإثبات الحرص على الوحدة الوطنية والسلم الأهلي.

معلومات «البناء» تقول إنّ اللغة العامة للبيان كانت مقصودة لعدم إفساح المجال لتأويلات تجعل البيان مخالفة دستورية في الحلول مكان المؤسسات، سواء المجلس النيابي أو مجلس الوزراء، وإنّ مناقشة مستفيضة جرت حول كلّ ما شهده لبنان في الشهرين الماضيين منذ أزمة مرسوم الأقدمية، وإنّ الاتفاق الرئيسي كان على التمسك بإثبات القدرة على تسيير شؤون الدولة وفعالية مؤسساتها مهما كانت الخلافات والاجتهادات. وهذا يعني أنّ الرؤساء معنيون بفصل سلوكهم كرؤساء عن كونهم قادة تيارات سياسية وحزبية من جهة وزعماء لطوائفهم من جهة مقابلة. وهذا الفصل مستحيل ما لم يتمّ التشبّث بحلّ الخلافات الحزبية والطائفية عبر الحوار وتبريد كلّ توتر تثيره. وقالت مصادر متابعة لـ «البناء» إنّ قضية المرسوم العالق كقضية خلافية بين الرؤساء تمّ التفاهم على آلية لحلها ووضعها على السكة، بينما الخلافات الناتجة عن سجالات ومواقف بين الأحزاب، كما كان الحال مع كلام رئيس التيار الوطني الحر. فالرؤساء مجمعون على ضرورة تحييد صفاتهم الحزبية والطائفية عن مثل هذا الخلاف، من جهة، وعلى دعوة القيادات للتعامل مع مثل هذا الخلاف بمنطق السعي للتهدئة والانتباه لمخاطر تعريض الوحدة الوطنية والسلم الأهلي، وبذل جهود الرئاسات لضمان أن يلتزم المعنيون بهذه القواعد في إدارة خلافاتهم.

اللقاء الرئاسي طي صفحة خلاف

تمكّن اللقاء الرئاسي في بعبدا من طي صفحة الخلاف بين الرئاستين والتأسيس لمرحلة جديدة عنوانها حماية الاستقرار الأمني واستمرار عمل المؤسسات وتلزيم رئيس الحكومة سعد الحريري مهمة وضع آليات ومخارج حلول الخلافات.

وأشارت مصادر مطلعة لـ «البناء» الى أن «اللقاء حقق أهدافه وتمكن من تبريد الأجواء على خط بعبدا عين التينة والاتفاق على الاحتكام الى المؤسسات لفض الخلافات وعلى تجاوز المرحلة السابقة وتحصين الوضع الداخلي في البلد والحؤول دون انتقال الخلافات السياسية الى حرب وصراع في الشارع»، لافتة الى ان «النقاش لم يتطرق الى كلام وزير الخارجية جبران باسيل في محرمش».

أما العناوين الخلافية، بحسب المصادر، فقد اتفق الرؤساء على أن يتكفل الحريري إيجاد المخارج المطلوبة في القضايا الخلافية لا سيما مراسيم الأقدمية ومجلس الخدمة المدنية. ولفتت المصادر إلى أن «اللقاء بدّد قلق اطراف أساسية في البلد من نيات الانقلاب على الطائف والميثاق بثنائيات جديدة من خلال تجديد الرئيس عون التزامه بالطائف بكل تفاصيله، وأنه لم يقصد إبعاد وزير المال عن توقيع مرسوم الأقدمية الانقلاب على الطائف».

وقال برّي، بحسب ما نقل عنه زواره لـ «البناء» إن وزراء حركة امل سيشاركون في جلسة مجلس الوزراء غداً الخميس من منطلق تأكيد لقاء بعبدا على استمرار عمل المؤسسات وتفعيلها في الفترة الفاصلة عن موعد الانتخابات النيابية، لافتاً الى انه شدّد خلال الاجتماع على ضرورة إقرار مشروع موازنة العام 2018 وإحالته الى المجلس النيابي تمهيداً لإقرار الموازنة، لا سيما اننا مقبلون على انتخابات نيابية في أيار المقبل ولا احد يعلم كم ستستغرق الحكومة المقبلة من وقت لتشكّل. وفي ما خصّ مرسوم الأقدمية، لفت إلى ان المعالجة ستكون بالاحتكام الى الدستور.

وقالت مصادر عسكرية ودستورية مطلعة على موقف الرئيس بري لـ «البناء» إنه «لم يتم الدخول في تفاصيل حل عقدة مرسوم الأقدمية»، لكنها ألمحت الى أن «اقتراح الرئيس بري الأخير دمج مرسومي الاقدمية والترقيات في مرسوم واحد هو المرجّح ويُعاد توقيعه ضمن التراتبية الدستورية، الوزير المختص فوزير المال فرئيس الحكومة ثم رئيس الجمهورية، وأوضحت المصادر أن «لا إشكالية دستورية ولا بروتوكولية في دمج المرسومين بمرسوم واحد وتذييله بالتواقيع الدستورية، لأن المطلوب ليس إعادة مرسوم الأقدمية من رئاسة الجمهورية الى وزير المال لتوقيعه بل الغاء المرسوم الحالي وإصدار مرسوم جديد»، ولفتت الى أن «ضم دورات العام 1995 و1996 جائز، لكنه ليس شرطاً لدى عين التينة».

وفي ختام لقاء بعبدا الثلاثي، أكد المجتمعون وجوب التزام وثيقة الوفاق الوطني التي ارتضاها اللبنانيون بهدف المحافظة على وحدتهم الوطنية وصيغة العيش الفريدة التي تميّزهم وعدم السماح لأي خلاف سياسي بأن يهدد السلم الاهلي والاستقرار الذي تنعم به البلاد، لا سيما أن لبنان مقبل على المشاركة في مؤتمرات دولية نظمت خصيصاً من أجل مساعدته على تعزيز قواه العسكرية والأمنية، والنهوض باقتصاده، وتمكينه من مواجهة التداعيات السلبية التي نتجت عن تدفق النازحين السوريين إلى أراضيه على الصعد الأمنية والاقتصادية والصحية والتربوية والاجتماعية.

كما اتفق المجتمعون بحسب بيان بعبدا، «على ضرورة تفعيل عمل المؤسسات الدستورية كافة ولاسيما منها مجلسي النواب والوزراء، وتوفير المناخات السياسية والأمنية المناسبة لإجراء الانتخابات النيابية في 6 أيار المقبل في أجواء من الديمقراطية… وتدارسوا المعطيات المتوافرة حول أبعاد التهديدات الإسرائيلية، واتفقوا على الاستمرار في التحرك على مختلف المستويات الإقليمية والدولية، لمنع «اسرائيل» من بناء الجدار الاسمنتي داخل الحدود اللبنانية، ومن احتمال تعديها على الثروة النفطية والغازية في المياه الإقليمية اللبنانية، وذلك من خلال سلسلة اجراءات سوف تعرض على المجلس الأعلى للدفاع في اجتماع استثنائي يعقد قبل ظهر اليوم اليوم في بعبدا».

وعشية التئام المجلس الأعلى للدفاع حطّ نائب مساعد وزير الخارجية الاميركي السفير دايفيد ساتيرفيلد الى لبنان، حيث التقى رئيس الحكومة سعد الحريري على أن يستكمل لقاءاته مع المسؤولين اللبنانيين بدءاً من وزير الخارجية اليوم للبحث في الوضع على الحدود الجنوبية وفي الادعاءات «الإسرائيلية» حيال البلوك النفطي رقم 9.

وفي سياق آخر، كلفت الحكومة الروسية وزارة الدفاع بإجراء مباحثات مع لبنان للتوصل إلى اتفاقية تعاون عسكري. وأشارت الحكومة الروسية الى انّ «أوجه التعاون العسكري مع لبنان تشمل تبادل المعلومات العسكرية والتعاون في مكافحة الإرهاب»، بحسب ما أفادت قناة «الميادين».

وفور انتهاء اجتماع بعبدا الرئاسي، توجّه النائب وائل ابو فاعور إلى عين التينة، حيث التقى الرئيس بري، موفداً من رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط. وبعد الاجتماع، طمأن أبو فاعور الى «أننا طوينا مرحلة سوداء، كنا بغنى عنها وما حصل سابقاً أصبح خلفنا والأمور عادت الى المؤسسات». وقال «اعتقد اننا اليوم أزلنا فترة معتمة من يومياتنا السياسية».

أما تكتل التغيير والإصلاح فشدد على ان الوحدة الوطنية هي الحصن المنيع الذي يحمي الوطن وان الدولة تبقى الملاذ من رأس الهرم الى السلطات جميعها الى الجيش الذي هو العمود الفقري للدولة القوية.

ورأى بعد اجتماعه الاسبوعي في الذكرى الـ12 لتفاهم مار مخايل بين حزب الله والتيار الوطني الحرّ، أن يوماً بعد يوم يترسخ الاقتناع بأن العملاقين اللذين وقعا المذكرة استشرفا الضرورات الوطنية الكبرى التي اقتضت مثل هذا التفاهم، لافتاً الى ان مثل هذه التحالفات هي ركائز للعيش الواحد الذي هو عنوان الطائف العريض. وأكد الالتزام بالدولة القوية العادلة، آملاً أن يكون الحزب الحليف على مستوى الالتزام ذاته بقيام هذه الدولة. وكان لافتاً رفض تكتل التغيير والاصلاح رفضاً قاطعاً ما تعرّض له الوزير السابق الياس بو صعب، عضو التكتل والمجلس السياسي في التيار، لعدم صحته»، مؤكداً أن مثل هذه الإشكالات الداخلية تحلّ بالأطر النظامية وليس في الإعلام، أي إعلام كان. وأكد التكتل على ان التيار يمثّله رئيس التيار والتكتل يمثّله رئيس التكتل وليكن ذلك مفهوماً.

أمنياً توتر الوضع مساء أمس، في بلدة عرمون إثر الحادث الذي أدى الى سقوط جريحين هما جواد بو غنام ويامن ملاعب، على خلفية إشكال وقع بين شبان من آل ملاعب وأبو غنام من جهة وشبان من حزب الله من جهة أخرى. بيد أن الوضع عاد الى طبيعته مع تسليم حزب الله مطلق النار المواطن أبو فادي نائل للقوى الأمنية، وترافق ذلك مع تنفيذ الجيش اللبناني انتشاراً في المنطقة لحفظ الأمن.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى