أردوغان يساهم في تقسيم تركيا…
جاك خزمو ـ القدس المحتلة
تبذل تركيا من خلال حزب العدالة والتنمية الذي يتزعّمه الرئيس رجب طيب أردوغان، جهوداً مضنية لمنع الكرد، سواء في العراق أو سورية، من إقامة كيان مستقلّ لهم. ورغم أنّ علاقة أردوغان مع زعيم الكرد في شمال العراق، أيّ كردستان العراق، مسعود البرزاني جيدة، إلا أنه عارض الاستفتاء على استقلال هذا الإقليم عن العراق تحت شعار: «الحفاظ على وحدة العراق جغرافياً وديموغرافياً». ومعارضته استقلال شمال العراق تأتي بسبب رئيس مهمّ ألا وهو منع كرد تركيا من الاستقلال لأنهم يطالبون بذلك.
أردوغان ضدّ إقامة كيان كردي في شمال سورية، رغم أنّ أميركا تدعمهم، وتزوّدهم بالسلاح المتطوّر. وهؤلاء الكرد السوريون منقسمون، إذ بعضهم يطالب بإقامة كيان مستقلّ، أما البعض الآخر، وهم الأغلبية، فيُصرّون على البقاء تحت سيادة الدولة السورية. ولأنّ أميركا بقيادة الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع فكرة تقسيم سورية لإضعافها، فإنّ أردوغان شعر وعلم وتأكد أنّ هناك توجهاً لإقامة كيان كردي مستقلّ في شمال سورية، أيّ على الحدود التركية مع سورية، وهذا الكيان في نظره يشكل خطراً أمنياً على تركيا من ناحيتين:
الناحية الأولى تكمن وتتمثل في أنّ الأحزاب الكردية المعارضة لتركيا بقيادة حزب العمال الكردستاني الذي يتزعّمه أوجلان الموجود في أحد السجون التركية، سيتخذ من هذا الكيان مقراً لانطلاق عملياته العسكرية المناوئة لتركيا في مطالبة واضحة لاستقلال الكرد في تركيا، وخاصة في جنوب شرق تركيا من أجل تشكيل كيان كبير يضمّ كردستان العراق، وشمال سورية، وجنوب شرق تركيا محافظة ديار بكر .
أما الناحية الثانية من الخطر فهي قيام كرد سورية بتشجيع أو تحريض إخوانهم على القيام باحتجاجات متنوّعة داخل تركيا مطالبين بالاستقلال، أيّ إلى تقسيم تركيا. وهذا بالطبع سيؤدّي إلى إضعاف هذه الدولة القوية عسكرياً واقتصادياً، لتتحوّل دولة ضعيفة لا تأثير لها في منطقة «الشرق الأوسط».
وانطلاقاً من كلّ ما ذكر، فإنّ أردوغان اتخذ قرار الهجوم العسكري على شمال سورية، لمنع الكرد من الحصول على أيّ إنجاز ميداني، وتوجيه ضربة عسكرية لوحدات الحماية الكردية التي شاركت في محاربة تنظيم داعش وطرده من مناطق عدة في شمال سورية.
يظنّ أردوغان أنه بالاعتداء على الأراضي السورية من خلال استخدام العضلات العسكرية يمنع قيام كيان كردي مستقلّ في شمال سورية يشكل خطراً على تركيا. ويقوم أردوغان بهذا التصرف من دون أيّ تنسيق مع الدولة الشرعية في سورية، مما قد يؤدّي إلى استنزاف القوات التركية، وكذلك اطالة أمد الصراع في شمال سورية، وبالتالي تأخير وعرقلة التوصل الى حلّ سياسي، لأنّ أردوغان يستخدم عناصر «سوريّة» تحت أسماء مصطنعة لشنّ هذا الهجوم أو الاعتداء على الكرد وعلى السيادة السورية!
ولكن هذا الاستعراض الأردوغاني العسكري قد يمنع قيام كيان كردي مستقل، لأنّ إيران وسورية والعراق ترفض أيّ استقلال للكرد، ووقفوا مع تركيا ضدّ استقلال كردستان. وهذه الدول ترفض مخطط تقسيم المنطقة وإضعاف دولها. ولأنّ هؤلاء الكرد في شمال سورية سيلجأون إلى دولتهم لحمايتهم، وسيؤكدون انتماءهم إلى وطنهم سورية، ولن يقبلوا بأيّ انفصال عنها، لأنه سيشكل ضعفاً لهم، وتصفية مستقبلية لوجودهم.
وهذا الاستعراض الأردوغاني سيساهم في استفزاز مشاعر الكرد في تركيا، وقد يحفزهم على المطالبة بالاستقلال، إذ إنهم سيقولون لأنفسهم إنّ نسبة صغيرة من الكرد وقفوا في وجه داعش، وشكلوا قوة عسكرية، فلماذا هم لا يتحرّكون ليحصلوا على الاستقلال من تركيا، علماً أنّ عدد الكرد في تركيا يتجاوز الـ 12 مليوناً استناداً لمصادر عدة.
ومن هنا يمكن القول والاستنتاج بأنّ أردوغان يمنع قيام كيان كردي مستقلّ في شمال سورية، ولكنه فعلاً يساهم بصورة غير مباشرة في تقسيم تركيا. ويجب عدم نسيان أمر واحد، ألا وهو أنّ أردوغان دعم وساند الإرهابيين الذين عاثوا دماراً في سورية، ومن غير المستبعد أن تكتوي تركيا بالنار التي استخدمتها لتحرق سورية وتضعفها.
وأمام أردوغان خيار واحد لا بديل عنه للحفاظ على وحدة تركيا وقوتها، وهو خيار الاعتذار لسورية عما اقترفه ضدّها، والتعاون معها كدولة جارة واحترام سيادتها، والكفّ عن الاعتداء على أراضيها ومواطنيها.