زلّة قانون

زلّة قانون

بعد أيام من إلقاء القنبلتين اللتين دمّرتا هيروشيما وناغازاكي، كذّبت صحيفة «نيويورك تايمز» الإشاعات التي كانت ترعب العالم بخصوص هذا النوع من القنابل على إهلاك الحرث والنسل. كتب المحرّر ـ وليام لورنس ـ مقالاً يؤكّد من خلاله أن لا وجود لأي ضرر في هاتين المدينتين وأنّ النشاط الإشعاعي لا يعدّ كونه واحدة من أكاذيب الدعاية اليابانية.

ثمّ تبين بعد سنوات أنّ لورانس كان يتقاضى راتبين في الشهر أحدهما من «تايمز»، أمّا الآخر فكان من البنتاغون. ولم يصدر قانون ينصّ على التحلّي بأخلاقيات المهنة التي يمتهنها أي كان بل اكتفوا بوجوب إقناع الشعب بما يكتبون.

ربما في زمن مضى كان هناك للقانون الأثر الأكبر، ففي عام 1880 ماتت ملكة تايلاند غرقاً، فقد انقلب بها القارب ولم يجرؤ أحد من حراسها على إنقاذها، وقفوا جميعاً يتفرّجون عليها وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة لأنّ القانون كان يقول: لمس الملكة عقوبته الإعدام.

اليوم لو أنك أنقذت أحد المارة الذي دهسته سيارة طائشة في اللحظة التي تشعر بوخزة في ضميرك فتجعل من صدرك ترساً، ومن عظامك سوراً، وتحمله مسرعاً إلى المستشفى، هل سينصفك القانون ويقتنع رجال الأمن أنك المسعف ولست الجاني؟ بعض القوانين تقتل المروءة في الناس كسمّ زعاف يسري في جسدها حدّ الموت، والبعض الآخر يمتلك زمام الأمور يأتون بما هو أكثر تأثيراً في الناس وهو المنع على مبدأ أنّ المنع أنجع الطرق للترويج.

مما كتبه إدوارد غاليلو في كتابه أبناء الأيام أنّ مجلس شيوخ الولايات المتحدة أقرّ قانون منع الكحول المعروف بقانون الجفاف، بفضل هذا القانون ازدهرت صناعة الخمور المحظورة وتمّ تحقيق أرباح أكثر من أي وقت. وسيد قطب لولا إعدامه ما كانت أفكاره لتلقى هذا الرواج. فمن الممكن أن يكون الحظر أو المنع أعلى درجات التسويق.

غيفارا لم يكن اليساري الوحيد الذي حارب الاستعمار، لكن النهاية طريقة الحظر تحديداً، حوّلته من رجل إلى أيقونة. فعندما يريدون الترويج لكتابات أي كان يلجأون للعديد من الطرق ويتناسون القانون ولولا الحياء لوضع أحدهم على غلاف كتابه فاتحة سورة البقرة ـ هذا الكتاب لا ريب فيه ـ حتّام سنبقى مخدّرين وينبغي علينا تصديق كل ما يقال. من ذا الذي يجرأ أن يحتم بأنّه لو وضعت الحياة في كفّة ميزانها، الذين يضعون القانون، ووضعت بقية الشعب في الكفة الأخرى لا يكون هو الكف الراجح ومن يشرّعون القوانين ويروّجون كلّ ممنوع مرغوب لا يخسرون.

أبدع شوقي عندما قال عن الحياة: أنها تؤخذ غلاباً.

صباح برجس العلي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى