الأديبة أبو شرار: سورية شآمنا وتراب أجدادنا

حاورها: محمد خالد الخضر

تسكن فلسطين بإنسانها ورموزها أدب، القاصّة والروائية الفلسطينية بشرى أبو شرار التي أكّدت مجدّداً عبر نتاجاتها التي تجاوزت العشرين كتاباً ارتباط الأدب بالقضية ومواجهة أطماع الكيان الصهيوني بالثقافة والفكر فضلاً عن تأثرها بالهمّ السوري من جرّاء الحرب الإرهابية.

وللحديث عن مسيرتها الأدبية وإيمانها بالقضية الفلسطينية كان معها هذا الحوار.

أين تجد الكاتبة بشرى أبو شرار نفسها في كتابة الرواية أم القصة القصيرة؟

ـ القصة القصيرة هي لحظتي الهاربة مني أقبض عليها من مواقيت دهشتي أما الرواية فهي حياة تصاحبني مواقيتي وقد ترافقني أعواماً لأصير من شخوصها وأتماهى وحالات أكتبها، وحين ترحل شمسها إلى أفول يسكنني الحزن لأني مفارقة لشخوص وحالة كانت تسكن شراييني وحين تبحث عني تجدني على صفحات كتبتها من دمي وروحي ووجداني.

هل تؤمنين بوجود أدب نسوي وآخر ذكوري؟ وهل استطاعت الكاتبات التعبير عمّا يجول بخاطرهن بنفس جرأة وإبداع الكتّاب الرجال؟

ـ لا أرى أن هناك أدباً نسويّاً وذكورياً، فالأدب هو المعنى الشمولي الكوني الذي يلامس تفاصيل حياتنا ونتماهى معه بحبّ وعشق وشغف دون التمييز إن كان كاتبه رجلاً أو امرأة، ولا أستطيع أن أفصل بينهما في مدى التأثير والحرفية والبراعة، فكلاهما ترك أثراً عميقاً لا يغادر فكري ووجداني وهناك كتّاب رجال كتبوا عن المرأة بقدرات تفوق الحدود التي قد لا تستطيع المرأة أن تعبّر وتصف ما تراه عين الرجل حين يدخل أغوارها كرواية «لا أنام» لإحسان عبد القدوس و«دعاء الكروان» ورواية «الأخت كاري» للكاتب الأميركي تيودور درايزر ولكن هناك كاتبات أيضاً كتبن عن المرأة كرواية «باولا» للكاتبة التشيلية إيزابيل اللندي.

من أين تستوحين فكرة رواياتك وقصصك؟

ـ الروايات تأتيني من بريق لحظة تحوطني بنورها وتأخذني بعيداً وأنا أمضي إليها وحين قرأت الأخت كاري وجدت نفسي فيها فكتبت «قمر في الظهيرة » وحين قرأت الكاتب الصهيوني اسحق سنجر «شوشا» حرّضني كي أكتب روايتي «حنين» كي أدحض كلّ أكاذيبه وعندما كتبت رواية «دورا» ملحمة لكلّ من ضحّى من أجل وطننا الغالي والبطل فيها «سارية» استشهد في سورية أسكنته دوراً بطلاً على جدارية الشمس، أما روايتي «مدن بطعم البارود» فكانت عن سورية التي تنتصر.

ما سرّ حضور اسم شمس في عدد من أعمالك؟

ـ الشمس تسكن قلبي لأنها دوماً تشرق فيه من روح الوطن، وسرّها أنّها شمسنا الأبدية الحاضرة فينا ولكل منا شمسه وأنا كتبتها عن ربوع بلادي من شمس المرأة في رواية «أنشودة شمس» حين نثرت أناشيدها ترنيمة شجن في فضاء الوطن ورواية «دورا» التي كانت شمسها على جدارية الوقت لا تغيب فهي من ملحمة البطولة في عشق وطن.

حضور فلسطين ببقاعها وجمالها في روايتك هل هو دافع وطني أم هاجس يسكن داخلك كأديبة؟

ـ فلسطين هي حاضري وغدي وماضيي من عبق الجدود من زمن كنعان وآرام وهي الحجر والنهر والبحر، وأنا جئت من ترابها ومن تكوينها ووطنيتي وانتمائي إرث من عظام الجدود وفلسطين أتنفّسها وأسكن مطارحها وأحفظ طرقاتها لأنها أنا فلا خيار لي سواها.

كيف استطعت تناول الحرب على سورية بمثل هذه الدقّة كما في روايتك «مدن بطعم البارود» رغم أنك لم تعايني هذه التفاصيل مباشرة؟

ـ سورية شآمنا وتراب أجدادنا وقد تندهش إن قلت لك أنني لا أذكر من سورية إلّا طريق مرور حين كنت أسافر إلى بيروت، لكني لا أعرف ما الذي ألم بي من بداية الحرب الكونية على سورية فصرت كالمقاتل على كل الجبهات ولم تعدّ أذني تسمع إلّا نشرات الأخبار من قلب دمشق لأتابع الحرب على كل بقعة من ترابها وأرنو لقوافل الشهداء فتسقط مني دمعة وأعود إلى جبهات القتال من جديد وكانت روحي تغادر فلسطين لتصير هناك على التراب السوري بينما جسدي مقيم في بلاد المنافي البعيدة وأنام على صولات وجولات وأحيا بدموع الفقد ويسكنني الوجع وقلمي في يدي لأسابق الوقت ولم أهادن فيه ولم تأخذني الغفوة وحفظت شوارع دمشق، طرقات حلب وحمص وتدمر وساحة العباسيين والقصير وبردى، وأصبحت كما والدي في حرب تشرين التحريرية الذي لم يكن يترك المذياع وهو يتابع مع الجيش العربي السوري.

النضوب الإبداعي الذي تحدثت عنه ذات مرة هل وصل إلى الرواية التي يعتبرها البعض ديوان العرب الحديث، قد لا نرضى عن الكثير من الأعمال لأننا نتوقّع التجديد وثراء الفكرة والإضافات المعرفية في عالم الرواية ويبقى الرهان على القادم وعلى المبدع الحقيقي وكل إبداع يثري ذائقتنا ووعينا وعقلنا سيكتب له الخلود لأنه يشكّل العلامة الفارقة في التجدّد.

كيف تستطيعين أن تخرجي من جعبتك في كل مرة الجديد لتفاجئي به القارئ؟

ـ حين أعود إلى ما كتبت من روايات أتعب كثيراً لأني استرجع حالات تعبت منها وتعبت مني وأسأل نفسي: هل أنا من كتبت كل هذا؟ وكيف أتت إليّ تلك القدرة؟ فالأدب الذي أكتبه هو مشواري مع الحياة، هو مني وأنا منه وأنا أطاوع قلمي وثورتي لأقدّم ما يستحق للأجيال القادمة التي ستقرأ عن زمن عشته ورصدته بقلبي وروحي ودمي.

يذكر أن بشرى أبو شرار عضو في اتحاد كتابي مصر وفلسطين وفي مجلس إدارة «نادي القصة» في القاهرة، حاصلة على ليسانس حقوق من «جامعة الإسكندرية» حازت العديد من الجوائز منها جائزة «إحسان عبد القدوس» في القصة القصيرة، وجائزة «الجمهورية» من مصر عن روايتها «شمس»، وجائزة «دمشق للرواية العربية» عن روايتها «مدن بطعم البارود» في جعبتها العشرات من الإصدارات نذكر منها في القصة «أنين المأسورين» و«حبّات البرتقال»، وفي الرواية «أعواد ثقاب» و«شهب من وادي رم» وغيرها الكثير.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى