توقيت الردّ السوري النوعي على العدوان الصهيوني… ونتائجه الهامّة
حسن حردان
صباح يوم السبت 10 شباط 2018 استفاق العالم على خبر تصدّي الدفاعات الجوية العربية السورية لطائرات صهيونية تعتدي على المنطقة الوسطى من سورية، وإعلان البيان العسكري السوري إصابة عدد من الطائرات في سماء الجولان المحتلّ، ومن ثم اعتراف الناطق العسكري في جيش الاحتلال بسقوط طائرة «أف 16» وإصابة طياريها أحدهما حالته خطيرة.
الحدث ليس عادياً لماذا؟
ليس لأنّ العدو نفذ عدواناً وسورية تصدّت له، فطالما كان ذلك يحصل على مدى سنوات الحرب الإرهابية الكونية على سورية، بل لأنّ هذه هي المرة الأولى التي تعترف فيها تل أبيب بسقوط طائرة صهيونية، هي من أحدث الطائرات الحربية المتطوّرة التي يعتمد عليها جيش الاحتلال في تنفيذ اعتداءاته، في سماء الجولان المحتلّ وتتناثر شظاياها وقطعها في فلسطين المحتلة والأردن ولبنان. بل لأنّ الردّ السوري كان نوعياً على المستويين: القرار السياسي والعسكري، عكس وجود قرار حازم وحاسم في التصدّي وخوض المواجهة واستخدام الأسلحة النوعية لردع العدوانية الصهيونية،
هناك تقدير لدى المحللين والمراقبين بأنّ توقيت العدوان الصهيوني هذه المرة وإسقاط «أف 16» حدثاً في لحظة فاصلة وحاسمة في الحرب الوطنية التي تخوضها سورية وحلفاؤها منذ سبع سنوات سيكون لها نتائج وتداعيات على مستوى الصراع العربي الصهيوني وموازين القوى والمعادلات الإقليمية والدولية.
والأسئلة التي تطرح في هذا السياق هي:
لماذا جاء العدوان الصهيوني وإسقاط الطائرة الصهيونية في هذا التوقيت وهذه اللحظة؟
وماذا يعني قرار سورية بالاستعداد لخوض المواجهة مع العدو الصهيوني في هذه اللحظة؟
وما هي النتائج الأولية لتصدّي المضادات السورية للطائرات والصواريخ الصهيونية بفعالية عالية؟
أولاً: انّ العدوان اندرج في سياق محاولة صهيونية بالتنسيق مع الولايات المتحدة لإرباك وإشغال الجيش السوري وحلفائه ودفعهم لوقف هجومهم للقضاء على التنظيمات الإرهابية في محافظة إدلب والغوطة الشرقية حيث الوجود الأساسي المتبقي للقوة الأساسية لتنظيم جبهة النصرة وأحرار الشام وغيرها من التنظيمات الإرهابية التي تعتمد عليها الولايات المتحدة وكيان العدو الصهيوني وتركيا لإدامة حرب الاستنزاف للدولة الوطنية السورية وحلفها المقاوم وروسيا من ناحية، ولأجل استخدام وجود هذه القوى الإرهابية ورقة ضغط لفرض بعض المطالب الأميركية كشرط مسبق لتسوية الأزمة وإنهاء الحرب من ناحية ثانية. من المعروف أنه بعد القضاء على الوجود الأساسي لتنظيم داعش الإرهابي في دير الزور والميادين والبوكمال، فإنّ القوة الإرهابية الأساسية المتبقية هي النصرة، والقضاء عليها في الغوطة وإدلب يعني سقوط ورقة الإرهاب من يد أميركا وكيان العدو وتركيا، وانتقال سورية وحلفها المقاوم إلى معركة استعادة السيادة السورية على مدينة الرقة، ووضع أميركا وتركيا أمام خيار سحب قواتهما المحتلة لأجزاء من الأراضي السورية وإلا واجهتا مقاومة شعبية تستنزف قواتهما، وفي هذا السياق ومن أجل تسريع عملية الحسم في إدلب ومنع أميركا من تكرار اعتداءاتها على الجيش العربي السوري نشرت سورية منظومة جديدة من الدفاع الجوي تغطي كامل الشمال السوري وتحمي قوات الجيش السوري والحلفاء من أيّ هجوم جوي أو صاروخي أميركي لمنع تقدّمهم في إدلب، كما لوحظ أنّ نشر هذه المنظومة من الصواريخ المضادة للطائرات قد جاء في أعقاب العدوان الأميركي على دير الزور وإقدام جبهة النصرة على إسقاط طائرة سوخوي روسية فوق إدلب بصاروخ أميركي حراري من نوع ستينغر.
ثانياً: من الواضح أنّ قادة العدو بدأوا يشعرون بقرب خروج سورية وحلفها المقاوم منتصرين من الحرب الإرهابية، وانّ هذا الانتصار يشكل هزيمة استراتيجية للكيان الصهيوني وسقوطاً مدوّياً لكلّ الأهداف التي وضعت للحرب الإرهابية على حدّ سواء، وسيكون لإعلان انتصار سورية نتائج وتداعيات على مستوى الصراع العربي الصهيوني وموازين القوى والمعادلات الإقليمية والدولية. حيث سيؤدّي خروج سورية وحلفها المقاوم من الحرب منتصرين إلى تحوّل كبير في ميزان القوى لمصلحة حلف المقاومة الذي بات ممتداً ومتصلاً في جبهة واحدة من طهران إلى دمشق وبيروت مروراً بالعراق واليمن وانتهاء بقطاع غزة وفلسطين المحتلة. كما سيؤدّي الانتصار في سورية إلى إسدال الستار على مرحلة الهيمنة الأميركية الأحادية في العالم وتكريس توازن دولي جديد يمهّد لقيام نظام دولي متعدّد الأقطاب. ومثل هذا التحوّل الكبير في موازين القوى لمصلحة حلف المقاومة وروسيا والصين وباقي دول «بريكس» والعديد من الدول في أميركا اللاتينية، هو ما تخشاه واشنطن وتل أبيب وتسعيان من خلال مواصلة اعتداءاتهما على سورية إلى منع حصوله.
ثالثاً: انّ قرار سورية بالتصدّي للاعتداءات الصهيونية ليس جديداً وهو قرار متخذ وترجم عملياً في كلّ اعتداء كان يحصل، لكن التصدّي اليوم كان نوعياً ومختلفاً عن السابق بسبب تبدّل الظروف. في الاعتداءات السابقة كانت أولوية الدولة السورية تركيز الجهد العسكري على محاربة القوى الإرهابية التي كانت تسيطر على مساحات واسعة من الأرض السورية، أما اليوم فإنّ الوضع أصبح مختلفاً بسبب التطوّرات التالية:
1 ـ تحرير القسم الأكبر من هذه الأرض وتوجيه ضربات قاصمة لقوى الإرهاب، في حين باتت الجبهات التي يقاتل فيها الجيش السوري والحلفاء محصورة في ثلاث مناطق أساسية هي محافظة إدلب والغوطة الشرقية وبعض مناطق محافظة درعا.
2 ـ نجاح الجيش السوري في تعزيز قدراته عدة وعديداً، حيث أصبح يمتلك الجاهزية لمواجهة الاعتداءات الصهيونية واحتمالات تطوّرها واتساع رقعتها من دون أن يؤثر ذلك على استمراره في معركة تطهير ما تبقى من مناطق سورية من براثن القوى الإرهابية.
3 ـ إدراك القيادة السورية وحلفائها أنّ اللحظة الراهنة التي تقرّب سورية من تحقيق النصر باتت تستدعي لجم العدوانية الصهيونية والأميركية معاً ومنع واشنطن وتل أبيب من محاولاتهما المستمرة عرقلة خروج سورية معافاة من الحرب الإرهابية عبر السعي من خلال الاعتداءات على الجيش السوري إلى رفع المعنويات المنهارة لدى الإرهابيين وتزويدهم بالأسلحة النوعية لتمكينهم من الصمود في مواجهة تقدّم الجيش السوري وحلفائه.
رابعاً: إنّ قرار القيادة السورية النوعي برفع منسوب الردّ والتصدي للاعتداءات الصهيونية، وصولاً إلى حدّ الاستعداد لمواجهة واسعة مع العدو الصهيوني، وحتى الحرب إذا ما أقدم عليها كيان الاحتلال الصهيوني، يعكس إرادة وطنية مقاومة وحاسمة من ناحية، ووجود قرار وجاهزية لدى كلّ أطراف حلف المقاومة للذهاب إلى المواجهة الشاملة مع الكيان الصهيوني إذا ما ارتكب حماقة شنّ الحرب على سورية، وهو أمر كان قد أشار إليه سماحة السيد حسن نصرالله مؤخراً.
ومثل هذا القرار المتخذ في سياق الردّ النوعي على العدوان الصهيوني وإسقاط طائرة «أف 16» يشكل تحوّلاً وتطوّراً هاماً في الصراع العربي الصهيوني يحصل للمرة الأولى، فهو يؤكد تشكل جبهة لحلف المقاومة باتت متصلة وتنسيق خطواتها وقراراتها وهذا أمر جديد لم يعتد عليه قادة العدو الصهيوني، وهو أيضاً يوصِل رسالة حازمة للعدو تفيد بأنّ هناك معادلة ردعية جديدة ولدت من انتصار سورية ومحور المقاومة وهي معادلة تشلّ قدرة الطيران الحربي الصهيوني المتطوّر من الاستمرار في ممارسة اعتداءاته وعربدته، وأنّ ما حصل إنما هو الرسالة الأولى في سياق ردّ ردعي متدحرج وأوسع وأكثر إيلاماً، وفي ضوء ذلك على العدو أن يدرك بأنّ معادلة الردع باتت من الآن وصاعداً في كلّ المستويات البرّ والبحر والجوّ، وبالتالي لم يعد يمتلك عنصر التفوّق الجوي الذي كان يمكنه من ممارسة عربدته وغطرسته دون رادع.
خامساً: هذه المعادلة الردعية الجديدة التي ولدت من التحوّل الحاصل في موازين القوى لمصلحة سورية وحلفها المقاوم أدّت إلى عدة نتائج أولية هامة:
1 ـ لجم العدوانية الصهيونية، وإجبار قادة العدو على وقف عدوانهم، خوفاً من اتساع رقعة المواجهة وبدء تصاعد الردّ السوري النوعي بقصف مواقع صهيونية بصواريخ سكود، وهذا يعني أنه من الآن وصاعداً فإنّ أيّ عدوان صهيوني لم يعد يمرّ من دون ثمن يدفعه كيان العدو.
2 ـ ظهور كيان العدو يستجدي طلب التهدئة من روسيا مع انه هو من يقدِم على الاعتداء والتصعيد، لكن ذلك كشف حالة القلق والخوف لديه من توسع المواجهة وتدحرجها نحو الحرب التي قد تؤدّي هذه المرة الى تهديد وجود الكيان برمّته، في ظلّ إدراكه عدم القدرة على تحقيق النصر، واستعداد المقاومة للهجوم وتحرير الجليل، وهو أمر يفزع القادة الصهاينة ودفعهم إلى أخذ قرار بناء جدار إسمنتي على الحدود مع لبنان.
3 ـ نجاح سورية وحلفائها في لجم العدوانية الصهيونية أوصل أيضاً رسالة قوية وواضحة إلى الولايات المتحدة بأنّ القيادة السورية حاسمة في قرارها استعادة سيطرتها على كامل الأرض السورية وأنّ المقاومة الشعبية جاهزة لمقاومة القوات الأميركية المحتلة إذا لم ترحل عن الأرض السورية دون قيد ولا شرط.
4 ـ ردّ الاعتبار للموقف الوطني والقومي المقاوم الذي تجسّده القيادة العربية السورية برئاسة الرئيس بشار الأسد، وتوجيه صفعة قوية لكلّ الذين كانوا يحاولون التشكيك بموقف سورية وتصميمها على مواجهة العدو الصهيوني، وتعزيز موقف كلّ من ساند ودعم وأيّد سورية ووقف إلى جانبها في مواجهة الحرب الإرهابية الكونية عليها لمحاولة إسقاط نظامها المقاوم وتفكيك دولتها الوطنية وتحويلها إلى دولة تابعة وعميلة للاستعمار الغربي.
انطلاقاً مما تقدّم يمكن القول إننا أمام مرحلة جديدة فاصلة في الصراع مع المشروع الأميركي الصهيوني مع اقتراب سورية وحلفها المقاوم من تحقيق النصر النهائي على القوى الإرهابية، أدوات أميركا وكيان العدو والأنظمة الرجعية. مرحلة تجعل محور المقاومة في موقع أفضل في المواجهة مع الاحتلال الصهيوني من أيّ مرحلة سابقة، مما يصبّ في مصلحة تعزيز المقاومة والانتفاضة في فلسطين المحتلة.