صفعةٌ على وجه «إسرائيل» في سماء عشتار
آمنة بدر الدين الحلبي – جدّة
هو ذاك عيدُ سورية، عيد الحب اليومي الذي يلتقي فيه أبناء الوطن الواحد في الشوارع والساحات، أرواحهم تتدفقُ بخمرة العصور، وعقولهم متّقدة من حضارة راسخة ضاربة الجذور في الأرض الطاهرة المقدّسة.
أقبلَ الليلُ وفردَ أعجازَه وناءَ بكلكلِ، كما كل ليلة تتسابق سُرادق القنوات الفضائية لتقدّم لنا تفاصيلَ حرب تدكّ معاقل دمشق، لتفصل قلبها المزهر بالياسمين، عن روحها المعتقة بجرارٍ من خمر الآلهة، تحت عيون الأرصفة على مفارق الطرق، لتعتقل أجنحتها الجميلة التي كانت تحملنا نحو الغمام نعانقُ وجهَ القمر لِنُولدَ أبناءَ الشمس، الحبُّ مهنَتُنَا، والمحبة أبجديَتُنا، وعلى جبيننا بصمة مقدسة، مطرزة بمغزل العشاق، مصكوكٌ عيلها حب الوطن من الإيمان.
وها هو العدوان الصهيوني بأذنابه في الداخل والخارج يعتدي على شام الياسمين، على عشتار. كل يوم أطفال يموتون، وكل يوم يتساقط شباب الوطن أمام أعين العالم الذي يمارس لغة الصمت المقيت ولغة الغياب عن الواقع، في ساحات الوطن وعلى أحضان أرصفته التي تلوّنت بدمائهم الطاهرة من حرب عاهرة.
إلا أن بزغ فجر يوم العاشر من شباط والذي أزاح غبش سبع عجاف، وأخمد العربدة الصهيونية بصفعة على وجه «إسرائيل» من سماء عشتار، بإسقاط إحدى طائراتها F16 والتي أطاحت التفوق الحربي الذي سمّم العقول العربية وقتل النفوس، لكن الجيش العربي السوري الأبي لقّن الغطرسة «الإسرائيلية» درساً لن تنساه أبداً.
كان لسقوط الطائرة F16 في ساعات الفجر الأولى فرحاً لم أستطع وصفه، لكن صوتي تعدّى حدود الزمان والمكان، كان عيداً حقيقياً حين جاء الردّ جحيماً مزلزلاً لكيان العدو الصهيوني، وجعله في متاهة من أمره يلف حول نفسه ويبتدع الأكاذيب خشية مواجهة الواقع الحقيقي. أعلن النفير العام، وفتح الملاجئ، ودوت صافرات الإنذار، إيذاناً ببدء حرب ضروس لا تبقي ولا تَذَر، وبين تهديد ووعيد كان الشعب السوري يوزع الحلوى في شوارع الشام فرحاً بالنصر الذي أحرزه بعد أن أسقط أسطورة الكيان «الإسرائيلي».
هو ذاك عيدُ سورية، عيد الحب اليومي الذي يلتقي فيه أبناء الوطن الواحد في الشوارع والساحات، أرواحهم تتدفقُ بخمرة العصور، وعقولهم متّقدة من حضارة راسخة ضاربة الجذور في الأرض الطاهرة المقدّسة، كما قاسيون الشامخ ضارب في قلب دمشق، لا يثنيه تهديد ولا وعيد، يستعدُّ للقاء العشاق الليلة وكل ليلة ليحتفلَ بيوم الحب الجديد منذ أمد بعيد. هو ذاك الحب الذي لا يتغيّر مهما مرّتْ عليه السنون، وطغتْ عليه الأعاصير، يبقى قوياً لا تهزه ريح، ولا تحرّكه رياح السمهج بل تمرُّ عليه رياح البليل لتشارك العشق المتواصل، وتُقطرُ نداها للعشاق فرحاً باللقاء.
هو ذاك العشق الذي رسَّخ كينونة حياتنا، وغَرَسَنا على بيادرِ الوطن سنابلَ قمحٍ ذهبيةَ اللون تطعمُ الجائع، وتزيّن ما تبقى منها رؤوس العاشقين. هو ذاك العشق الدائم الذي علّمنا كيف نعيشُ من همس حصادنا اليومي، ونكتملُ حباً بفلاحة الأرضِ تحت الضباب الأرجواني لفجرٍ مقبل. هو ذاك العشق الذي ساورَ البياض عندما نقشَ نداه على كل أوراقِ الورد فزركشها بختمٍ رسميٍّ حب الوطن من الإيمان. هو ذاك العشق الذي لا ينتهي مهما مرّ على الوطن من محنٍ كبيرة، بل صقلت أرواحنا تلك المصائب، وتوّجتنا بأغصان الرِّند، وعلقت على صدورنا طوق الياسمين.
هو ذاك العشق الذي استطاع أن يسمعَ العالم منه صهيل قلوبنا، ودفء همسنا، وحرف حنين، من قلب الثلج والصقيع، الذي مرَّ على أيادي أطفالنا، وطوَّق وجوههم بالبياض، وقلوبهم بالمحبة، ومَن ارتقى إلى السماء، استقبلته بدموع البياض، هطلت كهتَّان جميل على أفئدتهم.
أليس الحب امتداداً لحياة طويلة؟؟ أليس الحب احتضاناً يعلّم البقاء لأجيال قادمة؟؟ أليس الحب لأرض سقتنا رضاب شهدها، وألبستنا حرير قزّها، واستقبلتنا شواطئها التي ما فتئت تعتمر كوفية حمراء من دماء أطفالنا، حين يرتفع الموج غضباً، وينسلّ بدموع تندلق كشلال لا يهدأ؟ أليس الحب لشجر دائم الخضرة يمنحنا زهرًا، لنتعطرَ بياسمينٍ فوّاح، ونصيغ منه عقود الفرح ليوم عرسنا اللامحدود؟ أليس الحبُّ لمهد الحضارات التي جمعت كلدان وآشور، أراميين وكنعان، أموريين وسرياناً، سومريين وبابليين؟ كلهم مرّوا وزرعوا أجمل الحضارات.
سألني جميع الأصدقاء أين ستسهرين في عيد الحب؟؟؟
قلت لهم: سيحملني السحاب كي ألقي التحية على وطن الياسمين من فوق هام السحب، حيث عناق قاسيون، لأحيي أبطالنا الشجعان أبطال الجيش العربي السوري، وأتوّج كل بطل بإكليل غار وأضع على صدورهم طوق الياسمين، وأنحني إجلالاً لبطولاتهم.
ولن أكتفي بل أسجد على أرض وطني، وأتشرّد بين شعابه وأمارس مهنة العشق على ذرات ترابه الطاهرة، وأحتسي بضعاً من قهوة الشام تفوح بهيل النصر، كي يعيدني لفجر نصر جديد سيكون مهوى الأفئدة ولقاء القلوب، وأجول بين حارات الشام وأضع رأسي على صدرها الحنون، حيث كانت تتحرّك فرشاة الرسم تحت رواشينها، وأسترق حكايات الحب والمحبة التي تنبع من القلب وتصبّ في القلب.
أيتها الأم السورية عشتار أما آن لك أن تنهضي مثل طائر الفينيق كي تعيدي أمجاد الحياة في مفاصلك من دون عبثية شرق أو غرب، أو كيان صهيوني!!!
أيّتها الأم السورية عشتار أما آن لك أن تستعيدي عافيتك وتتهيئي لاستقبال أبناء الشمس في ساحاتك وعلى شواطئك الحنونة ليباركوا عيد النصر والانتصار!!!!
أيتها الأم السورية ألم تسمعي جبران خليل جبران حين كان يغني من بلاد الاغتراب…
يا بلاد الفكر يا مهدَ الأول اعبدوا الحقَّ وصلوا للجمال…
ما طلبناك بركبٍ أو على متنِ سفنٍ أو بخيلٍ ورحال….
لستِ في الشرق ولا الغرب ولا في جنوب الأرض أو نحو الشمال…
لستِ في الجوِّ ولا تحت البحار لست في السهلِ ولا الوعر الحرج….
أنت في القلب والروح والفؤاد، أنتِ حبٌ لا ينتهي، ومكان لا يزول حتى يزول العالم، شامخة إلى أن يرث الله الأرض ومَنْ عليها، هو حبّك من القلب إلى القلب ينثر عطر الحياة ويرتّل، حب الوطن من الإيمان على أرض الياسمين، رغم أنف الحاقدين بعد صفعة على وجه «إسرائيل» في سماء عشتار.