الانتخابات: تفهُّم وتفاهم وتحالفات على المفرق

روزانا رمّال

كل شيء سار كما كان يجب أن يكون بالحسابات اللبنانية الصرفة. الإشكال الذي كاد يطيح بالبلاد على خلفية الأقدمية والترقية لدورة ضباط «عون» اجتمع في ورقة واحدة كمخرج مشرف للجميع. كل شيء سار على ما يُرام وها هو الرئيس نبيه بري يلتقي بالرئيس الحريري ويولم على شرفه ويمحو الرجلان ما شاب العلاقة بسبب المرسوم نفسه.

الخلافات اللبنانية التي تلد من رحم الازمات المتراكمة وتنفجر بشكل مفاجئ تهدأ بشكل مفاجئ أيضاً في الوقت الذي كانت البلاد تتوقع تدهوراً سياسياً وأمنياً كبيراً وصل خارج الحدود ليهدّد الجالية اللبنانية في الخارج ويدخل عليها صراعات الداخل اللامتناهية، كان الحديث عن تأجيل الانتخابات وعن أن هناك من يريد إطاحتها بين الأفرقاء على اساس ان القانون النسبي الجديد مع الصوت التفضيلي غير واضح النتائج بعد، أو أن التوقعات ربما لن تصيب كما هو مأمول. ومن جهة أخرى الحديث عمَّن يرغب بتعديل القانون. وكل هذا يعني شيئاً واحداً تأجيل الانتخابات مجدداً.

رئيس الحزب التقدمي النائب وليد جنبلاط التقى الرئيس سعد الحريري بالامس وكان اللقاء وديا جدا والحريري الذي خرج بكلمة فيها الكثير من الود والحماس تجاه العلاقة مع جنبلاط يعرف تماما حساسية هذه العلاقة على خلفية التماهي المتكامل بينه وبين رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل على الرغم من ان الاخير انتهج سياسة الانفتاح على الجميع والتقارب، وكانت للنائب وليد جنبلاط محطة من اللقاءات الودية التي جمعت باسيل بعدد من الافرقاء، اضافة الى معرفة الحريري بالتقارب الكبير بين النائب جنبلاط والرئيس بري وبالتالي فإن شيئاً واحداً يفسر كل هذه اللقاءات والمصالحات ويكشف ان القوى الكبرى تخطط لتسيير العملية السياسية والانتخابية المقبلة وفق منهجية واحدة ومحددة.

تقول مصادر متابعة لـ «البناء» إنه كان لاتصال امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله بالرئيس ميشال عون الأثر البالغ في اعادة ترميم المشهد وجمع الأفرقاء في بعبدا. فحزب الله غير مستعد للتفريط بأي إنجاز من إنجازاته الاقليمية في لبنان. وبالتالي فإن اتصال نصرالله بعون وبري أسهم في تلطيف الاجواء للعودة الى حالة الستاتيكو التي تسبق الانتخابات. وتضيف المصادر «ان موقف حزب الله مع الرئيس بري الحازم هو موقف متكامل ينسحب لمرحلة الانتخابات وقد ترجم الحزب وبري ذلك، وبالعكس بينهما وبين القوى الطامحة للتحالف بالتأكيد ان من يرغب بالتحالف مع حزب الله عليه أن يتوافق مع بري أولاً. وعلى هذا الاساس وضعت كل القوى امام الأمر الواقع. وتختم المصادر «اجتمع الافرقاء على الانتخابات والقوى الأربع الكبرى وحدها القادرة على حماية الصيغة اللبنانية وإدارة اللعبة الانتخابية. وبالتالي فإن ما يفسر هذا الود اليوم هو الحاجة لنسج تحالفات واضحة المعالم قبل أن يداهم الوقت الكتل التي صار عليها الكشف عن أسماء المرشحين على لوائحها».

مصادر متابعة للملف الانتخابي ترسم ثوابت التحالفات التي ستحملها اللوائح الانتخابية وفق قاعدة أن الكل يريد للكل الفوز بأفضل الحصص، لأنه يصعب أن تكون هناك فرص لينال أحد من حصة أحد. فالمصلحة تقتضي عدم الضغط من فريق على فريق لتصوير التحالف الانتخابي تعبيراً عن تحالف سياسي، بينما التحالف السياسي يقتضي ترك الحليف ينال أكبر حصة ممكنة ولو بتحالف انتخابي آخر. ولذلك فالتحالف الانتخابي الوحيد النابع من تحالف سياسي سيكون حلف ثنائي حركة أمل وحزب الله، بينما الفراق بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية سيكون من جهة تعبيراً عن درجة عالية من الافتراق السياسي، لكنه في العمق تضارب مصالح انتخابية بسبب كونهما يخبزان في المعجن ذاته ويأكلان من الصحن ذاته. بمعنى العمل على كسب المواقع في الشرائح والدوائر ذاتها، حيث لا يسهل التصالح على تعريف الأحجام إلا بعد تجربة انتخابية هي الأولى وفقاً لهذا القانون.

إلى جانب هاتين الثابتتين تصير حكماً استحالة أن يتحالف تيار المستقبل مع حركة أمل، لكونها حليفاً ثابتاً ونهائياً في الدوائر كلها لحزب الله، ويستحيل بالمقابل أن يتحالف التيار الوطني الحر مع حزب الله وتيار المستقبل في الدائرة نفسها وعليه وفق مصالحه الاختيار فيكون في دائرة حليفاً لثنائي أمل حزب الله وفي دائرة موازية حليفاً لتيار المستقبل، وفي هذه الحالة سيصعب ضم القوات اللبنانية للتحالف إلا في حالات استثنائية نادرة.

النائب وليد جنبلاط أنهى ترتيب البيت الانتخابي على قاعدة تحديد مرشحيه ومَن سيدعم بتحالفات موضعية، ومَن سيترك بهم مقاعد في تحالف افتراضي يسعى إليه أو يترك لهم مقاعدهم شاغرة إذا تعذّر التحالف وهذا يخص تيار المستقبل في الشوف وعاليه، كما يخص التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية وحزب الكتائب والموقف ينتظر تركيبة التحالفات التي سيقيمها الآخرون ومدى قدرتهم على تقبل الحصص التي تركها لهم جنبلاط أو التشارك مع آخرين في لائحة واحدة.

إلى الانتخابات در، تقول المصادر لاستيلاد أغلبية تبدو محور تفاهم لحكومة جديدة برئاسة الرئيس سعد الحريري مدعوماً من ثنائي أمل حزب الله ومعهما الحلفاء الذين ستحملهم الانتخابات إلى المجلس النيابي الجديد ولو من خصوم الحريري، ومن التيار الوطني الحر والنائب وليد جنبلاط، ليخضع باقي التحالفات، خصوصاً ما يتعلق بالقوات اللبنانية وحزب الكتائب للتفاهم على الحصص الوزارية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى