مشكلات اللجوء السوري إلى الأردن وأحداث «الزعتري»
خاص «البناء» محمد شريف الجيوسي
تكررت أحداث الشغب في مخيم الزعتري للاجئين السوريين، بحسب المنطوق الرسمي لما يحدث هناك، وهو المخيم الأكثر استيعاباً للاجئين، والذي قالت تقارير غربية أن نوعاً من تجارة الرقيق الأبيض وزواج المتعة يمارس فيه، وأن مؤسسات «إسرائيلية» تمارس هناك هواياتها لدى صغار السن من نزلائه بخاصة، بحيث يكون التطبيع مع الكيان الصهيوني جزءاً من تكوينها المبكر، بل وذهبت تقارير إلى ما هو أبعد من ذلك بقيام «إسرائيل» والولايات المتحدة باصطفاء رجال ونساء كجواسيس ضد بلدهم.
وفي صدامات الزعتري الأخيرة، وبغض النظر عن الرواية الدقيقة جداً لما حدث في المخيم، وبغض النظر أيضاً عن أعداد المصابين من الطرفين وعمق الإصابات والمسؤول عن مقتل أحد اللاجئين… كل ذلك مؤلم، فاللاجئ السوري القادم إلى الأردن كان يتوسم الأمن وحياة أفضل بفضل الدعاية الكاذبة حد التوريط التي مارستها جماعات إسلاموية وليبرالية غربية وخليجية وأميركية وأوروبية بل و«إسرائيلية» أيضاً عن حياة رغد واهم ولبن وعسل يقدم له، ومستقبل ومناصب بعد انتصار ما خدعوا به أنفسهم بأنه ثورة سلمية ما بدأت كذلك، فهي منذ البداية مؤامرة دولية محبوكة جيداً.
بل إن البعض لم يأت لاجئاً، وجاء عابراً أو دارساً أو في عمل أو أي شيء آخر غير اللجوء، لكنه وجد نفسه كذلك، وأنى له أن يتخلص من هذه الصفة إلا بكفالة يعقدها معه إسلاموي كاذب أو خليجي يقدم له السم في الدسم، ظاهر الأمر المساعدة وجوهره الاتجار بمستقبل السوري بمواجهة دولته الوطنية، والقول انظروا كيف يلجأ السوريون إلى خارج بلادهم تحت وطأة مزاعم القهر والتعسف والظلم.
لقد أُوجدت المخيمات المحاذية لسورية في المنطقة قبل وقت من بدء الأزمة السورية والحرب عليها، ولم يبدأ الزعتري باستقبال اللاجئين إلا بعد نحو سنة ونصف من بدء الحوادث، ما يدل على عدم توافر رغبة السوريين في اللجوء إلى خارج وطنهم، وكانت الأرقام بسيطة جداً، بل إن جهات إسلاموية أردنية وسورية وخليجية مارست الترغيب والترهيب على سوريين يقيمون هنا، منذ سنوات طويلة كعمالة زراعية أو ورش بناء أو محال معجنات وحلويات أو معامل صغيرة لكي يسجلوا كلاجئين، ومن لم يسجل قيل له ستحاسبك الثورة بعد انتصارها .
وأكثر من ذلك، أقنعت هذه الجماعات رعيانا الحدوديين والغجر بالزعم أنهم لاجئون، وأنتجت «قناة محترمة» جداً في ناعور فيلماً لنساء غجريات طلتهن بالدماء على أنهن مغتصبات من قبل الجيش السوري وأن عملية التصوير تتم داخل سورية.
وعلى رغم الانعكاسات السلبية للجوء إلى الأردن اقتصادياً وأمنياً واجتماعياً، فقد أبقي الأردن تحت وطأة الضغوط العربية والخليجية على منافذه غير الشرعية مفتوحة في وجه اللاجئين أو من لا يجد طريقاً متاحة سيجد سواها، فالجماعات الإرهابية المسلحة جعلت منذ عام ونيف الطريق الدولية السورية ـ الأردنية مستحيلة أو شبه مستحيلة، وهو عمل مقصود، فاستخدام الطريق الدولية يعني للمتعاملين معها أنهم غير راغبين بالهجرة وليسوا معادين للدولة أو غير معنيين بمعاداتها على أقل تقدير، والمطلوب جعل السوريين في موقع العداء مع دولتهم قسراً.
لا بد أن حالة اللجوء السوري تشبه في جانب منها اللجوء الفلسطيني سنة 1948، عندما أقنعتهم الجيوش العربية بمغادرة أراضيهم ريثما تقوم هذه الجيوش بتحريرها والعودة إليها بعد أسبوع أو أسبوعين، لكن اللجوء السوري اتخذ في حالات أيضاً، طابع الممر الوحيد.
لقد أمل الأردن أن تحلّ مشكلة اللجوء إليه جزءاً من معضلاته الاقتصادية، وأن يعضد ذلك دوره خليجياً وغربياً، لكنه فوجئ بأن المساعدات التي تقدّم، هي لتعزيز الجهات المقدمة لها تجاه آلام السوريين والاتجار بها، وبقي حال الدعم المباشر للأردن على حاله إلى حدّ بعيد، وبقي الأردن الرسمي يشرح للعالم معاناته، إلى حدّ أصبح ذلك محلّ انتقاد الأردنيين من معارضيه وغيرهم.
وعملياً كان حصاد ذلك نقمة الكثير من اللاجئين السوريين على الأردن بدليل ما حدث غير مرة، واستياء الأردن الشعبي من استمرار استجداء المساعدات باسم السوريين، وانتقادات سورية من استمرار تسلل المسلحين عبر المنافذ غير الشرعية كلاجئين وجرحى، وانعكاسات كل عملية اللجوء على الأردن سلباً كما اسبقنا اقتصادياً وعمالة وأمناً واجتماعياً… وبخاصة في شمال الأردن، فيما كان رد الأوفياء المتاجرين بآلام السوريين وبمتاعب الأردن الرسمي والشعبي دون المستوى.
لقد كانت الانعكاسات على الأردن غاية في السلبية، حيث لم يكن الرسميون الأردنيون يتوقعون تدفق هذه الأعداد ولا المدى الزمني لاستمرارها ولا ضآلة حجم المساعدات بالقياس لما كان يأمله، وكان الضغط شديداً على البنى التحتية الصحية والتعليمية وصعدت أسعار المواد التموينية والأراضي وإيجارات البيوت، فيما نافست العمالة السورية الكفء العمالتين الأردنية والمصرية.
والأسوأ من كل ما سبق أنه خلال السنوات الـ 3 الأخيرة تسلل إلى الأردن ومنه ما لم يشهده على مدى عقود من المطلوبين والهاربين من العدالة والإرهابيين والتكفيريين والمتطرفين. وهرّب من وإلى الأردن المزيد من المخدرات والسلاح وتجار السلاح ومصنعيه، وضبطت أسلحة على الحدود ومستودعات في الداخل ومصنعاً للسلاح على الأقل، كما هربت سيارات مسروقة إلى سورية لاستخدامها كمنصات إطلاق في مقابل بنادق وأغنام سورية، أي إن الأمن القومي الأردني، أصبح في حاجة إلى عناية أكبر وهو ما عبر عنه بعض المسؤولين الأردنيين.
إن معالجة حالة مخيم الزعتري ومجمل ملف اللجوء السوري في الأردن يحتاج إلى:
1 ـ إغلاق وضبط كل المنافذ غير الشرعية الـ 48.
2 ـ وقف استقبال اللاجئين السوريين عبر أي منفذ غير شرعي.
3 ـ حصر الاستقبال بالمنافذ الشرعية ومن يمتلك أوراقاً ثبوتية كاملة.
4 ـ تسريع وتسهيل إعادة اللاجئين السوريين إلى وطنهم.
5 ـ التوقف عن سياسية التكفيل باعتبارها رقيق أبيض مغلف بالسلفان وزواج قاصرات ومتعة وشراء ذمم وتجنيد ضد سورية ومنافسة على العمل في أحسن حالاتها مع العمالة الأردنية .
6 ـ منع أي تسلل حتى المدنيين منهم إلى سورية فمن يدخل عنوة وخفية سيعود إلى الأردن إرهابياً مسلحاً مدرّباً وقسراً إن استطاع، أو سيأتي لاجئاً كخلايا نائمة لوقت معلوم.
7 ـ التوقف عن مطالبة ما يسمى المجتمع الدولي والخليج، بتقديم المساعدات، فعلى الراغبين في ذلك حقاً تقديمها للاجئي الداخل بالتنسيق مع الدولة الوطنية السورية.
باختصار اصطدام الزعتري الأخير كما الذي قبله ليس عابراً، والتعامل معه لا ينبغي أن يكون من موقع رد الفعل ولا المنة على السوريين ولا تكليف الأردنيين ما لا يطيقون، وإنما في البحث في كل قضية اللجوء من أساسها ما الذي يمكن أن تقدمه للأردن من مزايا حقيقية من جهة، وهل هي خدمت السوريين حقيقة أم زادت من آلامهم وأضرت بالدولة السورية في آونة واحدة، وأساءت لعلاقاتنا معها في وقت تربطنا بها علاقات أهميتها مضاعفة عمّا يربطنا بالخليجيين، مهما عظمت هذه العلاقات وتضخمت.
ليس مطلوباً أن يعادي الأردن أحداً فهذا ليس في مقدرته، ولكن ليس مطلوباً أن يصيب مصالحه ومصالح جيرانه العرب الأقرب إليه بما يضره على المدى المتوسط والبعيد، فليتوقف عن الاستمرار في استقبال اللاجئين أي لاجئين، ليس لأنه بلد غير مضياف ولا يرغب في استقبال الشقيق، بل على العكس من ذلك، وليس لأن موارده شحيحة، وليس لأن الآخرين لم يفوا بما وعدوه به، ولكن لأن أمنه القومي وأمن جيرانه العرب يقتضي ذلك، لأن الغرب وأميركا والصهيونية والرجعية العربية تريد حل أجزاء من مشكلاتها على حسابه، بإجراء مناقلات ديمغرافية وحدودية، ما يثير الفتن والاقتتال والانشغال عن القضية الكبرى الرئيسة فلسطين، وهو ما نراه في غير بلد عربي.