«فرمان» أميركي جديد… سورية والعراق ستّ ولايات متحاربة

د. وفيق ابراهيم

ليس بالضرورة أن يكون هذا المشروع قابلاً للتحقيق، إنه مشروع أميركي تتوضّح ملامحه تباعاً من خلال وظائف القصف الجوي للتحالف الدولي الذي يرسم بنيران قذائفه حدود ولايات أكثر من اهتمامه بالقضاء على الإرهاب.

فمنْ هو الغبي الذي يصدّق أنّ «داعش» الإرهابي يجتاح قضاء «هيت» العراقي مدركاً مشارف بغداد ومتوجهاً للسيطرة على كامل الأنبار من دون أن تتمكن قاذفات التحالف من وقفه.

والخطورة أنّ حدود «الأنبار» ليست مع سورية فقط وإنما مع السعودية… فهل أقنعتها واشنطن بأن لا خطر عليها…؟ وكيف تذعن الرياض صاغرة، وهي التي تعرف بوجود بيئات حاضنة ومستيقظة لـ«داعش» في أرجاء مملكتها السعيدة، ما يشكل خطراً على آل سعود أنفسهم؟

الواضح حتى اليوم أنّ هناك رغبة أميركية بعدم استهداف الإرهاب وتأمين خطوط حركته ومباركة توسعه… هناك «داعش» في الشمال السوري والشرق العراقي بحماية تركيا… وهناك جبهة «نصرة» في جنوب سورية تحميها «إسرائيل»…! هناك إذاً مكوّنان إرهابيان يتمدّدان برعاية دول حليفة لأميركا، تمدّها بالسلاح والتمويل والاقتصاد والتدريب العسكري وربما بالغطاء الجوي غير المعلن. ويرابط في وجه هذين المشروعين النظام السوري الذي يسجل دوراً تاريخياً بالنيابة عن الأمة بأسرها في وجه هذا الإرهاب التكفيري المدعوم من عشرات الدول. لذلك يتوجب الإقرار بوجود منطقتين تخضعان للإرهاب وتحتميان بمظلة التحالف الدولي الذي يزعم أنه يقصفهما. مقابل منطقة يجاهد فيها النظام السوري للدفاع عما هو وللهجوم على الخارج من سيطرته.

وإذا كانت قاعدة الانقسام في سورية أيديولوجية بين «إرهاب ومدنية» فإنّ انقسامات العراق عرقية ومذهبية بإشراف أميركي دقيق.

هناك أولاً ولاية كردستان العراق التي استكملت بناء دولة مستقلة بكلّ مواصفاتها برعاية أميركية شبه يومية… وتتميّز عرفياً وقومياً عن باقي «ولايات» العراق، كذلك لدينا ولاية «الأنبار» التي تسعى أميركا الى تأسيسها إقليماً سنّياً في وجه الجنوب الشيعي لقطع اتصال إيران ببلاد الشام.

وبذلك تؤسّس واشنطن ثلاثة أقاليم عراقية شديدة التمايزات تجنحُ للاحتراب في ما بينها أكثر من الائتلاف. وتنتج عراقاً ضعيفاً واهناً لا يؤثر في الجوار السعودي ـ التركي وقد يخضع له.

أما ما يُراد للأقاليم الستة السورية والعراقية فهو أن تخضع بشكل مطلق للسلطان الأكبر… الأميركي.

ماذا يحضّر أيضاً للبلدان الأخرى؟

السعودية مرشحة لأن تصبح أقاليم متحاربة… ولمَ لا؟ والرياض بدأت مؤخراً تتمرّد على الراعي الأميركي وتحاول اللعب على خطوط أوروبية وروسية جديدة ولكي تعيدها واشنطن إلى فلكها، فإنّ عليها التخفيف من قوتها النفطية، بوسيلتين: ما يُحكى عن النفط الصخري الأميركي الذي قد يكون بديلاً للنفط السعودي، واستخدام «داعش» لدك وحدة السعودية وتقسيمها إلى إقليم شيعي في المناطق الشرقية… حيث النفط، وإقليم لآل سعود في نجد وسواحل الخليج وإقليم في مكة والمدينة وسواحل البحر الأحمر تتسلّمه جهات متطرفة، ومهمّته تدمير العلاقات بين المذاهب الإسلامية من خلال الإمساك بالحرم النبوي والكعبة وموسم الحج.

وفرمان أميركا لا يتوقف هنا، هناك اتجاه لتقسيم اليمن إلى أربعة أقاليم: زيدي وحوثي وجنوبي لعلي سالم البيض وجنوبي آخر يرعاه آل سعود.

ولن ينجو السودان… فهناك ميل لاستحداث دول جديدة على أراضيه ليصبح أربع دول وربما أكثر… أما مصير الأردن فمرتبط بآفاق حلّ القضية الفلسطينية.

فهل ينجو… خصوصاً أنّ 60 في المئة من سكانه فلسطينيون والآخرون بدو من عرب نجد والحجاز وسكان أصليون من بلاد الشام.

المشرق العربي إذاً تحت رحمة المقصّ الأميركي للزوم تثبيت الهيمنة الأميركية وحماية «إسرائيل» لمئات الأعوام المقبلة.

فهل يذعن أهل المشرق لهذا الفرمان؟

سورية تخوض معركة التصدي ومعها حزب الله ومجمل الأحزاب القومية في المنطقة ـ على أمل العودة السريعة لروسيا إلى مسرح الأحداث التاريخية، ومعها الصين وإيران، ليكتمل مشهد إنهاء أحادية النظام الأميركي العالمي الذي أفسد الأرض ويدمّر التاريخ ويتلاعب بجغرافيا القوميات.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى