لماذا الآن إسقاط الـ إف 16 وليس قبل ذلك؟
حميدي العبدالله
ثمة إجماع على أنّ إسقاط الطائرة الإسرائيلية أف 16، وإصابة طائرة أخرى أف 15 تمّ بصواريخ سام 5 أو أس 200 . ومعروف أنّ هذا السلاح موجود لدى الجيش السوري منذ منتصف عام 1984، ولم تحصل عليه سورية حديثاً. أيّ أنّ سورية كانت قادرة على استخدام هذا السلاح منذ أن بدأت الاعتداءات الإسرائيلية على مواقع الجيش السوري نصرةً للجماعات الإرهابية، ولكن لماذا أحجم الدفاع الجوي عن إسقاط الطائرات الإسرائيلية المعتدية على امتداد فترة طويلة، أو استهداف هذه الطائرات وهي «تغادر أو حتى بعد أن تغادر» كما قال معلقون إسرائيليون؟
لا شك أنّ حسابات كثيرة أملت على الدولة السورية الإحجام عن الردّ. في عام 2013 عندما بدأت الاعتداءات الإسرائيلية، إثر انتقال الجيش السوري وحليفه المقاومة اللبنانية إلى الهجوم أو بدء الحسم العسكري، كانت المجموعات المسلحة تسيطر على أجزاء واسعة من الأرض السورية تزيد عن 60 من الجغرافية السورية وقد تمّ تزويد الجماعات المسلحة بكلّ أنواع الأسلحة وغرف التحكم والسيطرة المتطوّرة من قبل الدول الغربية وحكومات المنطقة المشاركة في الحرب على سورية، وتمّ تأسيس غرف عمليات في لبنان والأردن وتركيا لإدارة المعارك.
بديهي لو أنّ الجيش السوري قام بالردّ على الاعتداءات الإسرائيلية في ذلك الوقت، أو حتى عندما كانت داعش والنصرة تسيطران على البادية السورية ودير الزور وأجزاء واسعة من محافظات حمص وحماه وحلب، وتسيطر النصرة على كلّ محافظة إدلب، واستمرّت هذه السيطرة حتى منتصف عام 2017، لو قامت الدفاعات الجوية في ذلك التوقيت بالردّ وإسقاط طائرات إسرائيلية، لكان لدى تل أبيب ما يشجعها على خوض حرب شاملة واستهداف القواعد الجوية السورية، لا سيما قبل مشاركة روسيا في الحرب على الإرهاب، وحتى بعد مشاركة روسيا في الحرب على الإرهاب استهدفت الولايات المتحدة قاعدة الشعيرات، وما كان لها أن توقف الاستهداف لولا تحذير روسيا بأنها ستسقط أيّ طائرة تحلق غرب نهر الفرات، وإذا تمّ استهداف القواعد الجوية الرئيسية للجيش السوري، فإنّ ذلك سيحيّد سلاح الجو ويحدّ من فاعليته، ومن شأن كلّ ذلك أن يتيح للإرهابيين فرصة الصمود في مواجهة الجيش السوري، ورفع كلفة تحرير أيّ منطقة جديدة من سيطرة هؤلاء، لذلك كانت الدولة السورية تكتفي بالتحذير والتأكيد على أنها ستردّ في الوقت والمكان المناسبين، وربما قول عاموس يدلين رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية في تعليقه على إسقاط الــ أف 16، والردّ الذي يلوّح به يوضح مدى ما كان سيحدث لو تمّ اختيار الردّ في توقيت غير مناسب للجيش السوري، إذ يهدّد ويقترح على الكيان الصهيوني استهداف «نظام الرئيس بشار الأسد بشكل مباشر، ونظام الدفاع الجوي بأكمله، والقوات الجوية، وخاصةً القوات الموالية للنظام» وكأنّ تل أبيب لم تقم بذلك في ردّها الأخير وفي اعتداءاتها السابقة.
وبعد تحرير غالبية الجغرافية السورية، حيث بات الجيش السوري وحلفاؤه يفرضون سيطرتهم على أكثر من ثمانين بالمئة من الجغرافية السورية، باتت الدولة السورية في وضعية استراتيجية تتيح لها اتخاذ قرار بالردّ على الاعتداءات الإسرائيلية دون خشية العواقب المترتبة على ذلك. ولهذا كان الردّ السوري الآن وليس في أيّ توقيت آخر.