القوات الشعبية تعزّز وجودها في عفرين… وموسكو تعلن فشل هدنة الغوطة لرفض إلقاء السلاح لبنان يرفض عرض ساترفيلد بربط نزاع حول نصف البلوك 9… وخليل يُشيد بعون ويحيّد باسيل
كتب المحرّر السياسي
كلما أعلن الرئيس التركي نفياً جديداً لتموضع القوات الشعبية السورية في عفرين أرسلت دمشق وحدات إضافية للتمركز فيها. هذه المعادلة التي رسمها مصدر عسكري معني بالوضع في عفرين تختصر المشهد على الحدود الشمالية لسورية، حيث يجد الرئيس التركي نفسه في وضع حرج بين خيارَيْ المضيّ في العملية العسكرية وتجاهل التموضع السوري ليجد نفسه وجهاً لوجه أمام معركة مع الدولة السورية لن تكون روسيا وإيران على الحياد فيها، أو التسليم بتغيّر المعطيات، واستحالة المضيّ بالمكابرة وقبول اعتبار الانتشار الرسمي للجيش السوري وليس للقوات الشعبية، تسوية مقبولة، تُنهي مخاطر ولادة كيان كردي وتنشئ مرجعية حكومية مسؤولة عن حماية الحدود بالاتجاهين.
بانتظار الحسم في مواقف أردوغان تنتقل الجهوزية السورية والروسية سياسياً وعسكرياً نحو الغوطة الشرقية للعاصمة السورية، حيث أعلنت وزارة الدفاع الروسية فشل مساعي الهدنة التي كانت تتولاها مصر كوسيط، بسبب رفض الجماعات المسلحة إلقاء السلاح، الذي تحوّل منذ تصريح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قبل يومين سقفاً لكلّ مساعي البحث عن وقف للنار في الغوطة، بعدما كان خروج جبهة النصرة ومَن معها من الغوطة كافياً لوقف النار من قبل وثبت أن لا فرصة لتحقيق هذا الهدف وفتح الباب للدخول في الحلّ السياسي أمام الجماعات الأخرى، وفقاً لمضمون المبادرة المصرية قبل شهور، والتي ضمّت الغوطة إلى مناطق خفض التصعيد تحت هذا العنوان. فيما دعت موسكو لعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن استباقاً لعرض مشروع كويتي سويدي لوقف النار على التصويت وهو يدعو لوقف للنار يستثني النصرة وداعش. وقد ثبت أنّ كلّ قتال معهما يتحوّل معركة مفتوحة تشترك فيها كلّ الجماعات المسلحة سواء في الغوطة أو دمشق، كما كان الحال في حلب قبل سنتين وتسبّب بإفشال كلّ مساعي التهدئة هناك، حتى قال الحسم العسكري الكلمة الفصل.
التتمة ص10
لبنانياً، شكّلت العروض التي نقلها المبعوث الأميركي دايفيد ساترفيلد عن حكومة الاحتلال محور مواقف القيادات المعنية سياسياً وأمنياً في الدولة اللبنانية، بعدما تبيّن أنّ العروض تقوم على استثناء نصف البلوك التاسع النفطي اللبناني من عمليات التنقيب في مشروع لربط نزاع حتى يتمّ التوصل للتفاهم، ما يعني عملياً قبول لبنان بعدم ملكية البلوك وارتضاء الشراكة الإسرائيلية بثرواته، ما حدا برئيس مجلس النواب نبيه بري للقول إنّ معادلة ساترفيلد الجديدة تنقل الأطماع الإسرائيلية القائمة على معادلة: ما لنا لنا وما لكم لنا ولكم.
في المشهد السياسي اللبناني الداخلي لا تزال الحسابات المصلحية للعائد الانتخابي تؤخر التحالفات على محاور التيارين البرتقالي والأزرق، سواء بينهما أو بين كلّ منهما والقوات اللبنانية، أو بين التيار البرتقالي ولوائح ثنائي حركة أمل وحزب الله، بينما كشف وزير المالية علي حسن خليل عن ربط نزاع مع وزير الخارجية جبران باسيل بمعادلة لا سلام ولا كلام، مشيداً برئيس الجمهورية العماد ميشال عون وعلاقته برئيس مجلس النواب نبيه بري، وبكوادر التيار الوطني الحر والعلاقة معه، فيما يعلن الحزب السوري القومي الاجتماعي مرشحيه للانتخابات غداً، لتبرز العقدة الأهمّ داخلياً في السباق بين مشروع الموازنة وإحالته للمجلس النيابي وتفرّغ النواب للانتخابات النيابية مع إقفال باب الترشيحات، على مسافة شهرين من موعد الانتخابات، وهو سباق بدا أقرب لسباق سلحفاة الموازنة التي تتقدّم ببطء وأرنب الانتخابات، والموعد يقترب.
بري لساترفيلد: المعادلة «الإسرائيلية» مرفوضة
في حين تسلّلت «كوما» الانتخابات النيابية الى مفاصل وأجساد القوى والأحزاب السياسية التي تعيش سباقاً محموماً مع المهل الفاصلة عن إقفال باب الترشيحات في الخامس من آذار المقبل، دخلت العروض الأميركية لحل النزاع النفطي والحدودي بين لبنان و»إسرائيل» غرفة «العناية المركّزة» بعد «البلوك الرسمي» الذي رفعه لبنان أمام مساعد وزير الخارجية الأميركي دايفيد ساترفيلد.
وواصل ساترفيلد أمس، حركته المكوكية في المنطقة التي سيمكُث فيها طويلاً كما تردّد حتى التوصل الى إنهاء الخلاف القائم على ملكية بعض «البلوكات النفطية» في المياه الإقليمية وترسيم الحدود النفطية والبحرية والبرية، غير أن جعبة المبعوث الأميركي الذي وصل أمس، الى بيروت قادماً من الأراضي المحتلة كانت فارغة، بحسب ما قالت مصادر متابعة لـ«البناء»، حيث كرّر العروض السابقة بصيغ مختلفة تحمل المضمون نفسه ولاقت رفضاً قاطعاً من المسؤولين اللبنانيين الذين جددوا تمسكهم بالحقوق اللبنانية كاملة ورفض التنازل عن شبرٍ من الأرض وقطرة من ماءٍ ونفط.
وإذ أطلع الدبلوماسي الأميركي وزير الخارجية جبران باسيل خلال لقائهما في قصر بسترس على موقف «الإسرائيليين» من النزاع النفطي، نقلت قناة الـ»أو تي في» عن أوساط وزارة الخارجية أن «باسيل لم يطرح في لقائه مع ساترفيلد أي تنازل بل إن الحديث تناول كل ما يحفظ حقوق لبنان »، مشيرةً إلى أن «باسيل أكد على موقف لبنان من البلوك 9، اما المنطقة المتنازع عليها فسيحاول لبنان تحصيل منها أكبر قدر من المكتسبات».
كما زار المبعوث الأميركي قائد الجيش العماد جوزيف عون في مكتبه اليرزة بحضور المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم الذي اضطلع بدورٍ لافت في الملف، حيث زار عين التينة مرتين خلال 24 ساعة والتقى رئيس المجلس النيابي نبيه بري، حيث نقل إبراهيم إلى بري أجواء النقاش التي دارت مع ساترفيلد في اجتماع وزارة الدفاع، ما دفع بري الى توجيه رسالة عاجلة الى ساترفيلد قبل أن يلتقيه اليوم مفادها بأن «المعادلة الإسرائيلية ما لنا لنا وما لكم لنا ولكم، هي معادلة مرفوضة قطعاً ولن تستقيم أو تمرّ». ونقل النواب عن رئيس المجلس بعد لقاء الأربعاء النيابي أن «موقف لبنان موحد ومتضامن في الدفاع عن سيادتنا وثروتنا النفطية وحدودنا البحرية والبرية».
«البلوكات الإصلاحية» أمام الموازنة
وجدّد بري تأكيد «ضرورة الإسراع في إقرار مجلس الوزراء لموازنة الـ 2018 وإرسالها في السرعة اللازمة الى مجلس النواب». وقال: «اذا كان هناك أمن لحدود الوطن، فإن هناك أمناً أيضاً للمجتمع وإحدى ركائزه الموازنة، واذا لم تصل هذه الموازنة قبل 5 آذار فإن هناك شبه إستحالة لإقرارها، كما ان المؤتمرات الدولية ستتأثر بالموضوع». وجدّد أيضاً تأكيد وجوب تنفيذ القوانين، معرباً عن أسفه «أن هناك 38 قانوناً لم تنفذ حتى الآن والمطلوب تنفيذها».
ومواكبة للتحضيرات الجارية على أكثر من صعيد لعقد مؤتمرات الدعم الدولية للبنان، ترأس رئيس الحكومة سعد الحريري أمس، الاجتماع الأول للجنة الوزارية المكلفة درس مشروع موازنة 2018، ومن المرجح أن تعقد اجتماعاً ثانياً اليوم. وأكدت مصادر اللجنة أن «معظم الوزارات التزمت بتخفيض 20 في المئة من موازنتها وتم إقرار معظم البنود مع إصلاحاتها وأخرى عُلقت الى حين الاستحصال على الأرقام».
وأكد وزير المال علي حسن خليل بعد الاجتماع أننا لا زلنا في بداية النقاش، غير أن «البلوكات الإصلاحية» التي رفعها التيار الوطني الحر ستُعرقل إقرار الموازنة، بحسب مصادر مطلعة على ملف الموازنة، والتي لفتت لـ«البناء» الى حجم العجز في مشروع الموازنة ومحاولات إخفاء المبلغ الكبير عبر فصل عجز الكهرباء عن العجز العام. واستبعدت إدخال الإصلاحات التي ينادي بها الجميع، أما السبب بحسب المصادر فهو حاجة الأطراف الى «الإنفاق السياسي والانتخابي» قبيل الانتخابات النيابية، محذّرة من الانعكاسات السلبية للعجز والتوسع في الإنفاق على الوضع الاقتصادي».
ولفتت المصادر الى أن «الهمّ الأساسي للحكومة هو إرضاء المجتمع الدولي ومدى تأثر إقرار الموازنة على مؤتمرات الدعم الموعودة للبنان». كما شككت المصادر بقدرة الحكومة على تخفيض الإنفاق في الوزارات متساءلة: «إذا كانت الحكومة تدرك أنها ذاهبة الى تخفيض الإنفاق فلماذا تقدمت الوزارات بهذه الأرقام المرتفعة لموازناتها في مشروع الموازنة؟
وإذ أكدت أن لا ضرائب جديدة على الشرائح الشعبية تضاف الى السلة التي أُقرّت في موازنة 2017، أبدت المصادر استغرابها حيال «تقصير الحكومة في مسألة الجباية، حيث لم تأتِ الأرقام على قدر التوقعات، لا في مديرية الجمارك ولا لجهة تقليص عدد الجمعيات والمؤسسات التي تدعمها الدولة ولا لناحية المباني المستأجرة من قبل الدولة».
وأكدت المصادر المالية أن «الضرائب التي فُرضت على المصارف والشركات الكبيرة لن تُمسّ في مشروع موازنة 2018 ولا تراجع عنها، لكن هناك نقاش بين وزارة المالية وجمعية المصارف حول امكان إعفاء عمليات «الانتربنك» وحسابات المصارف لدى مصرف لبنان من الضريبة على الفوائد».
«أمل: «تُرسِّم حدود» مع عون و»التيار»
سياسياً، برز الكلام الإيجابي من حركة أمل باتجاه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والتيار الوطني الحر، على لسان وزير المال علي حسن خليل الذي رسم الحدود السياسية والحكومية بين حركة أمل و«التيار» والرئيس عون، حيث أكد أنه «لا سلام أو كلام مع وزير الخارجية جبران باسيل ، لكن هذا لا يعني أن هناك إشكالاً مع رئيس الجمهورية ميشال عون »، موضحاً أن «هناك تعاوناً مباشراً داخل جلسات مجلس الوزراء وخارجها مع الرئيس عون، ونحن بكل الأحوال نقدر كوادر التيار وجمهوره وحريصون على نسج علاقة معه، ونحن لسنا بوارد ان نفتعل أي مشكلة مع التيار»، منوهاً بأن «موقفنا من مرسوم الأقدمية كان مرتبطاً بمسألة دستورية بحتة وأن ما حصل في الشارع بعد أزمة الضباط كان عفوياً ولم يكن مخططاً ولا بالحسبان ونحن نرفضه وتصرّفنا لوضع حدّ له». وتابع «أشهد أن ما سمعته من رئيس مجلس النواب نبيه بري على الدوام كان كل المحبّة والود للرئيس عون. وهذا لا يدل أن ليس هناك اختلاف في وجهات النظر، لكن لدينا الجرأة بالتعبير عن هذه الاختلافات».
«القومي» يعلن مرشحيه غداً
في غضون ذلك، بقي الملف الانتخابي الحاضر الاكبر في المشهد الداخلي، حيث كثفت القوى السياسية لقاءاتها ومشاوراتها لحسم التحالفات والترشيحات قبيل الخامس من آذار، ويعقد رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي حنا الناشف مؤتمراً صحافياً للإعلان عن أسماء مرشحي الحزب للانتخابات النيابية اللبنانية 2018، ظهر غد الجمعة في فندق لانكستر بلازا ـ الروشة.
«المستقبل»: انتخابات بلا تحالفات
وفي وقت تتجه الأطراف السياسية الى ترسيم حدودها الانتخابية مع القوى الأخرى، لا سيما «التيار الازرق» الذي يُعد أكثر القوى إرباكاً لجهة الترشيحات والتحالفات، أكدت مصادر في تيار المستقبل لـ«البناء» أن «الأيام القليلة المقبلة ستكون حاسمة لجهة حسم قيادة التيار خياراتها في المرشحين والتحالفات، كاشفة عن لقاءات يعقدها مدير مكتب رئيس الحكومة نادر الحريري مع كل من رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ولقاءات أخرى بين الحريري والوزير ملحم رياشي»، مرجّحة أن «يتجه المستقبل الى تشكيل لوائح مستقلة في مختلف الدوائر باستثناء دائرة جزين صيدا حيث يحتاج التيار الى التحالف مع آخرين كالتيار الوطني الحر والقوات اللبنانية لأنه من الصعب فوز مرشحي التيار في وجه اللائحة المنافسة»، لكن السؤال هل سيتحالف التيار الحر مع المستقبل في جزين – صيدا ضد المرشح الدكتور أسامة سعد المدعوم من حزب الله وأمل؟
وحدّدت المصادر المستقبلية شكل التحالف مع التيار الوطني الحر بأنه «لا يتعدّى كونه اتفاقاً تعاقدياً لمقايضة الأصوات بين الطرفين، حيث لكل منهما أصوات يستفيد من الآخر في الصوت التفضيلي والحاصل الانتخابي».
أما في دائرة طرابلس فتضيف المصادر المستقبلية أن «التيار سيشكل لائحة مكتملة مستقلة ويستطيع أن يؤمن الفوز بمعظمها منفرداً من دون تحالفات». وعن العلاقة مع «القوات اللبنانية» أوضحت المصادر أن «المشاورات لم تفضِ حتى الآن الى نتيجة»، ولفتت الى أن «العلاقة السياسية مستقرة مع القوات، لكنها لم تعد الى طبيعتها قبل أزمة احتجاز الرئيس الحريري في السعودية». وكشفت أن اللقاء بين الحريري ورئيس القوات سمير جعجع ينتظر تحديد التوقيت والإخراج المناسبين، وأكدت أن «إطلالة جعجع على تلفزيون المستقبل في الشكل ومواقفه التي أعلنها في الضمون يؤشران الى أن اللقاء بات قريباً والعلاقة تتقدم الى الإيجابية». غير أن مصادر مراقبة استبعدت التحالف الانتخابي بين «القوات» و»المستقبل» إذ إن الأخير «لا مصلحة له بالتحالف الا مع التيار الوطني الحر لحصد أكبر عدد ممكن من النواب وأن خوضه الانتخابات منفرداً سيؤدي الى خسارته عدداً كبيراً من المقاعد»، وتُقِر المصادر المستقبلية بأن «حجم كتلة المستقبل لن يكون كما كان في المجلس الجديد، لكن هدفنا تقليص حجم الخسارة الى حده الأدنى. وهذا يعتمد على الإدارة الذكية للعملية الانتخابية واللوائح في ظل طبيعة القانون الجديد».
وأكد الحريري ، خلال استقباله جمعية تجار وصناعيي شارع عفيف الطيبي أن «لوائح المستقبل في الانتخابات المقبلة، ستشمل تمثيلاً مميزاً للشباب والمرأة. لكن تحالفاتنا الانتخابية ما زالت في طور النقاش، وسنقوم بكل ما يخدم مصلحة أهلنا و تيار المستقبل والمناطق التي نمثلها، بغض النظر عن تحالفاتنا السياسية».
لا تحالف بين «التيار الحر» و«القوات»
وعلى الخطوط «العونية» «القواتية» سُجل أمس، لقاء في منزل النائب ابراهيم كنعان، ضم الى الأخير، الامينة العامة لحزب «القوات» شانتال سركيس ومنسق الانتخابات في التيار نسيب حاتم. وأشارت المعلومات الى انه انتهى الى اتفاق على متابعة البحث في التحالف الانتخابي بين الحزبين. غير أن مصادر «التيار» و«القوات» استبعدت لـ «البناء» التحالف بين الحزبين، باستثناء دائرة بيروت الأولى.
خرقُ جنبلاطي للنأي بالنفس
الى ذلك سُجل أمس، خرق جديد للنأي بالنفس من رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط الذي انتقد النظام في سورية، بسبب ما يحصل في الغوطة الشرقية، ما يُعَدّ تدخلاً في شؤون دولة عربية جارة للبنان يرتبط معها بمصالح عميقة على مختلف الصعد وخرقاً للنأي بالنفس الذي وعد الحريري بالسهر على تطبيقه، فهل يرفع رئيس الحكومة «البطاقة الحمراء» لضبط «الفاول السياسي» الذي ارتكبه جنبلاط، كما رفعها عندما انتقد جنبلاط السعودية بسبب استمرار عدوانها على اليمن، وكما فعل الحريري عند جولة بعض المسؤولين العراقيين على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة؟