عون يلتقي نظيره الأرميني ورئيسَيْ مجلس النواب والحكومة: عدم الاعتراف بمجازر الماضي والمحاسبة عليها شجّعا على ارتكاب مجازر الحاضر

شدّد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على ضرورة العمل من أجل الوصول إلى توافق دولي يؤمن عودة النازحين السوريين إلى المناطق الآمنة في بلادهم، والتي باتت تحت سيطرة الدولة السورية. وإذ جدد تأكيد تمسك لبنان بحدوده البرية والبحرية، وبحقه في الدفاع عنها بكل الوسائل المشروعة، فإنه لفت إلى أن لبنان يعوّل على صداقاته الدولية للمساعدة في جبه التهديدات «الإسرائيلية» وعدم تفاقم الأوضاع. وأشار رئيس الجمهورية إلى تمسكه بتمتين الصداقة والتعاون بين لبنان وأرمينيا، مشدداً على الوقوف إلى جانب أرمينيا وحق شعبها الطبيعي بالسيادة والسلام والازدهار.

مواقف الرئيس عون جاءت خلال لقاء القمة اللبنانية – الأرمينية التي عُقدت بينه وبين الرئيس الأرميني سيرج سركسيان في القصر الجمهوري في يريفان. وتحدث رئيس الجمهورية عن دور اللبنانيين الأرمن ومساهمتهم في الحياة الاقتصادية في لبنان، مقدراً مجدداً مشاركة أرمينيا في القوات الدولية العاملة في الجنوب «اليونيفيل». وأكد دعم لبنان لسيادة واستقرار أرمينيا وتطلعه إلى استمرار تنسيق المواقف في المحافل الدولية لتعزيز التعاون بين البلدين. وجدّد التأكيد على ضرورة مشاركة أرمينيا في مؤتمرات دعم لبنان، والعمل على عودة النازحين، وتمنى النجاح لأرمينيا في استضافتها للقمة الفرنكوفونية.

وركّز الرئيس عون على اعتزاز لبنان بالعلاقات التاريخية مع أرمينيا وبارك الدستور الذي أقرّ لأرمينيا. وأعرب عن أمله بأن تحمل الانتخابات المقبلة كل الخير لهذا البلد. وقال الرئيس عون إن لبنان وأرمينيا يتشابهان في العديد من الأمور، بدءاً باعتماد النظام الديموقراطي، إلى تقارب عدد السكان وغير ذلك. وأكد سركسيان من جهته، دعم بلاده مواقف لبنان ودفاعه عن حقوقه المشروعة في أرضه ومياهه وثرواته. وأعرب عن تقدير بلاده للوجود اللبناني الفاعل والتوسيع المستمر للاستثمارات اللبنانية في أرمينيا، كما نوّه بالتعاون المثمر والتأييد المتبادل بين لبنان وأرمينيا في المحافل الدولية، لاسيما في المسائل ذات الأهمية الحيوية بالنسبة لبلاده.

وإذ شدّد على «أهمية مساهمة لبنان في مكافحة الإرهاب والتطرف»، مثمناً عالياً مساعداته الإنسانية للشعب السوري خلال سنوات الحرب، فإنه لفت إلى أن «أرمينيا تمكنت أيضاً من تقديم مساهماتها المتواضعة في استقرار وتوفير أمن لبنان الصديق عبر المشاركة في قوات حفظ السلام الـ UNIFIL التابعة للأمم المتحدة في جنوب لبنان».

وقال الرئيس الأرميني إن رئيس الحكومة الأرمينية سيزور لبنان في 12 و13 آذار المقبل، تلبية لدعوة من رئيس وزراء لبنان، وذلك للبحث في المزيد من التعاون على صعيد العلاقات الثنائية ولتوقيع اتفاقات بين الجانبين اللبناني والأرميني. كما تحدث عن التعاون في المحافل الدولية بين البلدين، معرباً عن أمله في أن يستمر.

أما في المجال الاقتصادي، فأشار سركيسيان إلى أن أرمينيا بلد واعد ويمكن أن تكون هناك استثمارات متبادلة مع لبنان، لافتاً إلى أن السياحة هي جزء من العلاقات الثنائية داعياً الى تطويرها وتعزيزها. وشدّد الرئيس الأرميني على تعزيز العلاقات بين البلدين وتطويرها في المجالات كافة، معرباً عن سعادته بزيارة الرئيس عون والوفد المرافق لأرمينيا.

ثم جرى حديث حول التعاون في المجال العسكري بين البلدين حيث كان تأكيد وجوب تعزيزه، وأن أرمينيا مستعدة لمساعدة الجيش والقوى المسلحة اللبنانية. وتناول البحث قضية إقليم ناغورني كاراباخ، فشرح الرئيس الأرميني ظروف العلاقات بين أرمينيا وأذربيجان التي تحتل هذا الإقليم، والصعوبات التي تواجه المفاوضات معها لحل الأوضاع هناك والتعقيدات التي يطرحها الجانب الأذري.

وجرت محادثات بين أعضاء الوفدين اللبناني والأرميني تناولت سبل التعاون بين البلدين وتطويرها في المجالات كافة.

وتحدث الوزير نهاد المشنوق عن سبل تبادل الخبرات والمعلومات في المجال الأمني، عارضاً ما حققته الاجهزة اللبنانية في محاربتها الارهاب.

أما الوزير حسين الحاج حسن، فأشار الى دور الأرمن في لبنان في تطوير الصناعة، والتبادل التجاري مع أرمينيا الذي أكد العمل على زيادته بالإضافة الى الاستثمارات في البلدين. وتحدث الوزير افيديس كيدانيان بدوره عن آفاق التعاون السياحي بين البلدين، مشيراً الى أن أرمينيا تُعدّ محطة مهمة للبنانيين في هذا المجال.

وبعد انتهاء المؤتمر الصحافي، ودَّع الرئيس الأرميني الرئيس عون الذي غادر القصر الرئاسي متوجهاً إلى مقر مجلس النواب حيث كان في استقباله لدى وصوله الوفد المرافق وعن الجانب الأرميني: نائب رئيس مجلس النواب إدوارد شارمازوناف، نائب وزير الخارجية أرمان بابكيان، سفير أرمينيا في لبنان صامويل ماكردجيان، رئيس لجنة الصداقة الأرمنية – اللبنانية في مجلس النواب اغفان فاردنيان، والنواب: فاهيه انفاجيان، غاكيك مليكيان، ارسين بابيان وأربي اراكليان، إضافة الى رئيسة قسم العلاقات الخارجية أربي اراكليان.

في مستهل اللقاء، رحّب الرئيس بابلويان بالرئيس عون والوفد المرافق، واصفاً زيارته بالمهمة بسبب الصداقة بين البلدين والشعبين اللبناني والأرميني، معتبراً أن العلاقات التي تربطهما أخوية. وأشار بابلويان إلى أن هذا اللقاء يجمع ممثلي جميع الأحزاب في البرلمان، الذين برغم تمايزهم السياسي إلا أن لديهم جميعاً موقفاً إيجابياً موحداً من لبنان. أما بالنسبة إلى العلاقات اللبنانية الأرمينية، فأكد الرئيس بابلويان إنه من المهم جداً التعاون البرلماني بين البلدين. وقد تشكلت لجنة للصداقة اللبنانية الأرمينية داخل البرلمان. وأشار إلى أن فتح خط جوي مباشر بين لبنان وأرمينيا رفع بنسبة 80 عدد اللبنانيين الذين يزورون أرمينيا.

وردّ الرئيس عون معرباً عن سروره لزيارة أرمينيا والتعرف على المسؤولين فيها عن قرب. وقال: إن «نظامنا في لبنان هو ديمقراطي برلماني، قائم على المشاركة في الحكم. ورغم مما أحاط بنا من حروب أغرقت البلاد المجاورة بالدم والنار بقينا بمنأى عنها. وهذا لم يمنع الارهابيين من محاولة الدخول الى بلدنا، ولكننا قضينا عليهم، وحققنا الاستقرار والأمن في لبنان رغم وجود خلايا نائمة كما في البلدان كافة».

وتحدث خلال اللقاء النائب هاغوب بقرادونيان فأشار الى أنه سيتم في المجلس النيابي المقبل تشكيل لجنة جديدة لتنشيط العلاقات بين مجلسَيْ نواب البلدين. واشار إلى أن الوزير السابق بو صعب أصدر قراراً بإقفال جميع المدارس حين كان وزيراً للتربية في يوم ذكرى الإبادة الأرمنية. فأوضح بو صعب أن ذلك جاء بتوجيهات من رئيس الجمهورية.

ولفت الوزير الحاج حسن إلى ما تمّ التطرق إليه في المحادثات مع الرئيس الأرميني حول تطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين. وقال: «نتمنى أن تشهد العلاقات اللبنانية – الأرمينية تطورات إيجابية أكثر في المجالات كافة، ونسجل للبنانيين من اصل أرمني مساهمات كبرى عبر تاريخ لبنان في الاقتصاد والسياسة».

وأكد الوزير كيدانيان من جهته، ان «العلاقات بين الشعوب تتطور من خلال السياحة، وكوني وزير سياحة لبنان ومن اصول أرمنية، أؤكد ان العلاقات السياحية بين بلدينا ستتطور».

كما تحدث عدد من أعضاء الوفد الرسمي الأرميني مؤكدين عمق الصداقة اللبنانية الأرمنية، ودور لبنان المهم بالنسبة للشعب الأرميني روحياً وثقافياً وسياسياً، وأهمية تطوير العلاقات بين البلدين في المجالات كافة، منوّهين بأهمية مساهمة اللبنانيين من اصل أرمني بازدهار لبنان وحياته الاجتماعية.

وفي ختام جلسة المحادثات الموسّعة، دوّن الرئيس عون كلمة في السجل الذهبي.

ثم ودَّع رئيس الجمهورية مضيفه، وغادر مع الوفد المرافق للمشاركة في غداء عمل مع رئيس مجلس الوزراء الأرميني الذي قال: «إن العلاقات السياسية الرفيعة المستوى يجب أن تنعكس على العلاقات الاقتصادية بين البلدين. هناك مجالات مهمة للاستثمار اللبناني في أرمينيا، والخط الجوي المباشر سيساهم في تعزيز هذه العلاقات، وهناك زيادة في التبادل التجاري، إلا أن النسبة تبقى قليلة، إذا ما قيست بما يجمع بين بلدينا من علاقات».

وحدّد رئيس الوزراء أربعة مجالات للتعاون بين البلدين، الأول القطاع المصرفي حيث الخبرة اللبنانية مهمة جداً، والثاني قطاع الصناعات الخفيفة، والثالث قطاع الزراعة. اما القطاع الرابع فهو في مجال الاتصالات والتقنيات التكنولوجية.

وردّ الرئيس عون شاكراً رئيس الوزراء على دعوته، مؤكداً عمق العلاقات اللبنانية الأرمينية وضرورة تعزيزها في المجالات كافة. وقال: «سوف أتشاور مع رئيس الحكومة اللبنانية والوزراء لتحضير زيارتكم إلى بيروت الشهر المقبل كي تكون نتائجها ناجحة، ويتحقق فعلياً التعاون الذي نريده في المجالات الاقتصادية والانمائية والمصرفية».

واكد عون أن الخبرات اللبنانية واسعة وقديمة وهي كفيلة بالمساعدة على تطوير الاقتصاد الأرميني، مقترحاً تعيين منسقين بين البلدين لمزيد من تفعيل الحركة الاقتصادية اللبنانية الأرمينية.

وجرى خلال غداء العمل تبادل الأحاديث بين الوزراء اللبنانيين والأرمن، كل في مجال اختصاصه، حيث اتفق على زيارات متبادلة بينهم.

وخلال حفل العشاء الرسمي الذي أقامه الرئيس الأرميني على شرف نظيره اللبناني والوفد المرافق، بحضور رئيسي مجلسي النواب والوزراء في أرمينيا وكبار أركان الدولة وعدد من سفراء الدول المعتمدين، رأى الرئيس عون أن الفكر الإلغائي الذي عمّ المشرق أوائل القرن الماضي عاد ليظهر من جديد خلال السنوات الأخيرة حاصداً مئات آلاف الضحايا. وقال إنه من المؤكد أن عدم الاعتراف بمجازر الماضي، وعدم المحاسبة عليها، شجّعا على ارتكاب مجازر الحاضر.

ولفت إلى أن «ما يجمع الشعبين الأرميني واللبناني كبير وجذوره عميقة في تاريخنا، فالأرمن في لبنان ليسوا جالية، بل جزء لا يتجزأ من الشعب اللبناني، اندمجوا فيه، وأثروا ايجاباً في اقتصاده وسياسته وثقافته، وحملوا هويته، مع احتفاظهم بتقاليدهم وثقافتهم. ومزيج الثقافات هذا هو دائماً مصدر غنى للمجتمع اللبناني الذي يتميز بتعدديته وبكونه أرض لقاء لمختلف الطوائف، ومساحة حوار يحتاج العالم لمثيلها اليوم».

واعتبر الرئيس الأرميني من جهته، أنها ليست صدفة، أن مصير الشعبين اللبناني والأرميني «متشابك بنسيج تاريخ مشترك، وصعوبات تغلبنا عليها معاً بألفة روحية – ثقافية».

وأضاف: «هذا يجعلني أفتخر بأن أبناء أمّتي تمكنوا من إثبات وجودهم بشكل جيد كمواطنين لبنانيين جديرين»، معتبراً أن «الجالية الأرمينية في لبنان ليست حلقة وصل متينة في علاقاتنا الثنائية فحسب، بل هي بمثابة النبض الروحي والثقافي والتعليمي للأرمن في جميع أنحاء العالم».

وقال إن أواصر الصداقة الأرمنية – اللبنانية تمتد بين أنطلياس وبرج حمود وعنجر لتصل إلى قلب العاصمة يريفان حيث شارع بيروت وبمحاذاته تمثال الكاتب والفيلسوف والفنان اللبناني الشهير جبران خليل جبران. وفي هذه الفسيفساء تنجلي الجالية الأرمنية الكبيرة في لبنان التي تحيا بسلام وإبداع، ومع دوام الوفاء للبنان، ومحبة أرمينيا.

وأضاف اليوم وللأسف لا يزال الشرق الأوسط يعيش مآسي جديدة تؤكد مجدداً أن العقلية المسيطرة في سنوات الإبادة الجماعية للأرمن لا تزال مستمرة في القرن الحادي والعشرين، وأن كفاحنا في سبيل منعها لم ينته بعد. وأكد سركيسيان استعداد أرمينيا دعم لبنان، وأعرب عن أمله في أن الشعب اللبناني القدير ذا الحكمة والقيم الوطنية سيواجه بكرامة وتلاحم فريد جميع التحديات.

وعبّر الرئيس سركيسيان عن امتنانه «للبنان الشقيق لوقفته بجانبنا في اللحظات المأساوية من تاريخنا واحتضان أبناء الأمة الأرمينية الذين نجوا من الإبادة الجماعية».

وبعد انتهاء العشاء، صافح رئيس الجمهورية مضيفه مودعاً، شاكراً له «حسن الضيافة والحفاوة التي لقيها والوفد المرافق خلال زيارته الرسمية الى أرمينيا»، ثم توجّه الى مطار «Zvartnots» في يريفان، حيث قدّمت له التشريفات الرسمية، وأقلعت الطائرة الرئاسية بعدها الى بيروت.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى