سورية «تمسك» تركيا وترسم معادلة «عفرين ـ الغوطة»

روزانا رمّال

وكأنها المرّة الأولى التي تشارك فيها روسيا وحلفاؤها بعملية عسكرية داخل الاراضي السورية كي تصور العملية استثناء وتتوالى اخبار الاعتصامات احتجاجاً على الخيار الروسي بدعم الحكومة السورية في القتال أو مباركة نشاطه في الغوطة الشرقية وبينها اعتصام جرى أمام السفارة الروسية في بيروت احتجاجاً على العمليات في الغوطة الشرقية، لكن الأمر يبدو استثنائياً فعلاً نظراً لما تشكله الغوطة من ثقل عسكري يحيط دمشق عاصمة الدولة كما تسمّى. وهو متمثل بحوالي 35 الف مسلح. وهو رقم لا يستهان به من المسلحين، حسب مصدر سياسي محيط بأجواء العملية بدمشق لـ «البناء» الذي اكد ان القرار بخوض المعركة حتى النهاية وتطهيرها اتخذ ولن يتمّ التراجع عنه من القيادة السورية مع دعم كامل من حلفائها الذي يدركون أهمية إنهاء هذا القتال الذي استنزف العاصمة لسنوات طويلة. واليوم هو الوقت المناسب لذلك. ويتابع «أن دقة العمليات ودلائل الخسارة الممكنة للمسلحين هناك هي دلالة سياسة كبيرة على خسارة مشروع كبير يعني الإسرائيليين والأميركيين قبل كل شيء، لذلك فإن تحرك الحكومات الغربية والعربية كان لافتاً وسريعاً جداً تحت مسميات إنسانية».

عسكرياً، يمكن ربط التناغم بين عمليات عفرين وفتح جبهة الغوطة الشرقية بشكل مباشر ويؤكد على ذلك كلام المتحدث باسم الحكومة التركية أمس ان «قرار الامم المتحدة بشأن الهدنة في سورية لن يؤثر على الهجوم التركي في عفرين «، لكنه بالواقع يحمل تساؤلات عديدة عن نيات تركيا في مجريات المعارك وأهمه ما يمكن أن تقدمه انقرة قبل فوات الأوان.

معركة الغوطة الشرقية ستكون مؤشراً على جدية أردوغان في الكشف عن مصير الارهابيين المسلحين، بالأخص جبهة النصرة وتسهيل تنازلات على غرار تلك التي جرت في حلب الشرقية، ذلك لتكامل التنسيق مع روسيا وضمان أمنها في الشمال السوري والتأكد من هواجس أنقرة مقابل وضع مقلق شكلته واشنطن بدعمها الأكراد واستنزافها على غرار استنزاف المعارك ككل.

لا يمكن فصل معارك عفرين عن معارك الغوطة الشرقية وتبدو العاصمتان المعنيتان موسكو وواشنطن مدركتين أن شيئاً لن يعود الى الوراء وأن هذه الهدنة الإنسانية لا تعني ان القتال سيتوقف. وأشار مصدر أمني لـ«البناء» أن قصف الحكومة السورية لم يتوقف منذ صباح أمس على الرغم من الهدنة المعلنة. وهذا دليل على أن هدنة من اي نوع لن تنطبق على الإرهابيين مقابل توقف المسلحين عن الردّ. وهذا وحده اختبار للهدنة ودوامها». وبالعودة الى الحسابات السياسية والعسكرية فتركيا اكثر من يعوّل عليه لتوازن قوى ممتد من عفرين الى الغوطة الشرقية. ويبدو أن الحكومة السورية استفاد وبكل ذكاء من إمكانية ابتزاز انقرة بملف الغوطة، خصوصاً إذا امتدت المعارك نحو دوما وما تحويه من مجموعات متطرفة مع انتماء قديم لـ«الاخوان المسلمين»، فتصبح تركيا أكثر من يتوجب عليها التدقيق بين مصلحتها في حماية أمنها من شمال سورية أم محيط العاصمة دمشق. وبالتأكيد فإن أمنها الحيوي والقومي كأولوية واقع على الحدود بعد أن فشل مشروعها التوسعي ككل في كل الاراضي السورية.

تسليم قيادات جبهة النصرة ووقف الدعم وتقليبهم على جماعات مدعومة سعودياً، سيكون اكثر العوامل تأثيراً في إحداث نتيجة سريعة تماماً، كما حصل في الكثير من المعارك التي كان للقتال بين الإرهابيين على اختلاف كتائبهم وألويتهم الحصة الأكبر في الهزيمة التي سمحت للنظام التقدّم واليوم وبعد أن تخلّت واشنطن عن حماية تركيا امام الأكراد ودعمهم بالسلاح الذي أدى لتدخل تركي مباشر وتحقيق خسائر كبيرة، أكان من جهة الحكومة او الأكراد فإن الوثوق بالأميركيين صار أصعب ومسألة فصل المعارك بين تقاطع مصالح أميركية تركية في الغوطة وتباعد مصالح في عفرين لم يعد وارداً. وبالتالي فإن العيون على ما ستقدمه انقرة قبل موعد القمة الكبرى بين الرؤساء بوتين وروحاني وأردوغان في اوائل نيسان المقبل الموعد الذي صار معروفاً لجهة تحديده بعد أشهر إفساحاً للمجال لإحداث نتيجة فارقة في الميدان قبله.

من جهتها روسيا التي تبدو أكثر ارتياحاً على الرغم من اتهامات المجتمع الدولي، فإن الكرملين اعلن عن إجرائه اتصالات موسعة أبرزها ببحث الرئيس فلاديمير بوتين الوضع في سورية في اتصالات هاتفية مع كل من نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية انجيلا ميركل. وأكد الثلاثة أهمية التعاون لتطبيق هدنة دعت إليها الأمم المتحدة في سورية، لكن ومن جهة أخرى تدرك روسيا أن ما يتوجب على الأطراف جميعاً هو تقديم التعاون الأمني والاستخباري عدم المضي قدماً بالمشروع الذي أثبت تراجعاً كبيراً، خصوصاً بعدما أثبتت الوثائق تورّط فرنسي في العديد من محطات الإمداد المباشر للتعاون على مستوى عسكري واستخباري صبّ في مصلحة المسلحين، إضافة الى وجود الإسرائيلي والذي يدرك الحكومة السورية انه اكثر المترقبين لما يجري في الغوطة الشرقية إحدى أكبر الساحات وربما آخرها تأثيراً على الازمة من جهة تمتين قوة الحكومة السورية وعرقلة التحرك الإسرائيلي الذي كان ينطلق لدعم المجموعات المسلحة فيها وينفذ غارات إسناد صارت هي الأخرى أصعب بعد استهداف الطائرة المقاتلة اف 16 بالدفاعات السورية الجوية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى