صبراً دمشقُ…

صبراً دمشقُ…

لي كاميرا ابتعتها لمآرب شخصية، منذ زمن ليس ببعيد. لألتقط صوراً وأصلبها على جدار غرفتي كي أورثها لأحفادي بعد أن تصمت مطحنة الشرّ وأسرد لهم أن جيشنا السوري كان مرهم الشفاء لكلّ داءِ..

ها أنا أتمعّن الصور الملتقطة لمدينة الياسمين بعد أن أمطرتها الغوطة بوابل قنابلها وصواريخها. والصمت يتمدّد في مساحات حنجرتي. تقف الآه في مفرق الأنفاس وتأبى الخروج. أضحت هذه الأبنية المدمّرة جزءاً من تضاريس الحي، في حي فرنسي لديهم برج إيفل، وفي آخر إيطالي لديهم برج مائل، ونحن أطلقنا اسم برج على بناء من سبعة طوابق آلى اليوم للسقوط بسبب تصدّع أساسه. لم أجد فرقاً يُلحظ. والركام جعل من الشارع معرضاً للفن القديم..

تُرى ما هو الطعم الذي استخدموه حتّى حصلوا على هذه المشاهد الدامية؟ لا بدّ أنهم قرأوا الحكمة القديمة «من أجل نوع معين من الأسماك يجب أن يكون لديك الطعم الصحيح». يا لأفعالهم وهي تعكس ماهيتهم القذرة مثل ضفدع ازدرد ثوراً فانفجر الضفدع وبقي الثور شاهداً على حماقته.

المكان يخلو من الناس. لا بدّ أنّ كارثة حدثت في حسابات التوزيع السكاني. مع أنّ الصور حديثة الالتقاط إلا أني أرى زواياها تآكلت. لا تودّ الإفصاح عن شيء ما. ربما أنّ صورة هذا الطفل تخبّئ الكثير من الألم تُرى هل كان يدب على يديه ورجليه، أم يتمرغ في الأوحال.

ينتظر مَن ينقذه؟ كثيرة هي الأشياء التي يمكن أن تفعلها. فليس المهم أن تفعل أموراً عظيمة، ثمة أمور بمنتهى البساطة يمكن أن تفعلها بحبّ عظيم.. فالبذور عينها التي ألبست التراب البكر أوّل حلّة خضراء. هي من ذرية هذا الطفل بكل براءته..

وهذه صورة أخرى لعسكري كان يقرأ الرسائل الآتية من وطنه من حبيبته التي عاهدته أن تبقى جديلة شعرها التي أهدتها إليه معلّقة في الغرفة حتى عودته. تحلم بالعرس ومن أين لنا برائحة الأعراس وقد تحوّلت مواسمنا العربية جنائز تكفي لقتل إحساسنا بالحياة..

على الجدار المقابل صورة رتل عسكري جاء لينقذ مَن بقي على قيد الحياة. بواسل الجيش السوري. حدّة نظراتهم تثبت قوة إيمانهم المنبثقة من رحم الأرض، المتجددة بتجدد الفصول، مهما تآلبت عليه صروف الدهر لا يتزعزع معتصماً بعدل ربه. فقد تكون النار تحت الرماد حيناً وتحت التراب حيناً آخر، وفي قلب مخادعهم أحياناً. ما كان أضعف نبينا موسى في حضرة فرعون وجنوده. لكنّ فرعون هزم هو وجيوشه أمّا نور النبي فما زال يشعّ من أعالي طورينا. إيماننا بكم بواسل الحق كبير جداً. لن نضع الآمال على الرف. بفضل سواعدكم سيكون الضغط على زر عودة الأمان قريباً جداً دون تحديد سقف زمني وسنعوض صيامنا بكثير من الحب والأمل…

صباح برجس العلي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى