نقاط على الحروف ميلاد يستحق الاحتفال
ناصر قنديل
– ليس ضرورياً أن تتبنّى عقيدة الزعيم القومي أنطون سعاده كي تراه فيلسوفاً عبقرياً وقيادياً استثنائياً وصاحب مشروع نهضة مميّز ومؤسّس حزب حيّ وعقيدة تستوعب الكثير من المتغيّرات، وشهيداً بطلاً، وإذ يحمل تاريخنا القريب والبعيد الكثير من القادة العظام، لكن أغلبهم ارتبطت زعامته وشخصيته القيادية بتولّيه الحكم، ونادراً ما جاء قائد للعمل السياسي من موقع الكاتب والمؤلف وصاحب النظريات، ونادراً ما تقع على كتاب ينبض بالعمق والفلسفة تعبّر عن نبض يشبه عمق ما قدّمه سعاده، والقادة العظام في التاريخ ليسوا كلهم كتاباً وفلاسفة. وهذا لا ينتقص من مكانتهم التاريخية ولا من شخصياتهم الفذّة أو ثقافتهم النادرة أو ذكائهم الخارق، ولا من شفافية أخلاقياتهم وثباتهم الوطني والقومي على خطوط الأمانات التاريخية، كحال الزعيمين الراحلين جمال عبد الناصر وحافظ الأسد، أو كشخصيات معاصرة تصنع الإنجازات والانتصارات كالرئيس بشار الأسد والسيد حسن نصرالله، بقوة الإيمان العميق بحقوق الأمة، وصناعة الفرص ومواجهة التحديات بحكمة وشجاعة قلّ نظيرهما.
– أسوأ ما يمكن أن يصيب بحثاً علمياً في شخصية قائد شهيد كسعاده، هو أن يقيم مفاضلة بينها وبين سواها ممّن تركوا بصمات لا تنسى في تاريخنا، أو مَن لا يزالون يجلبون لنا الفخر بأننا نعيش في زمانهم. فالتقييم هنا ليس أبداً من نوع المفاضلة، لأنّ التعدّد في الفضائل لدى القادة التاريخيين تأكيد لحيوية أمتنا وقدرتها على إنجاب القادة العظام، والإضاءة على الجوانب التي تتميّز بها شخصية سعاده تأتي من هذا القبيل، لإشهار الاعتزاز بالانتماء لأمة تنجب القادة العظام.
– جمع سعاده في سنواته الخمس والأربعين بين تأليف وكتابة العشرات من الكتب والمقالات التي يشعر من يقرأها اليوم أنها تحاكي الواقع الراهن وتجيب على تحدّياته، وربما أكثر مما بدت يوم نشرها لأول مرة، وبين تأسيس حزب مكتمل العقيدة، وهو في الحادية والثلاثين من العمر، بينما بدأ محاولات تأسيسه لمجموعات المقاومة بوجه الانتداب وهو لا يزال في المغترب وفي الحادية والعشرين من عمره، وخلال أقلّ من خمس عشرة سنة من قيادته للحزب السوري القومي الاجتماعي، حوّل هذا الحزب مؤسّسة لا تزال القيم التي زرعها سعاده فيها تنبض بالحياة، سواء في أخلاقيات المناضلين القوميين، أو في قدرتهم على العيش في عالم لا مكان فيه لعصبيات الطوائف والقبائل، التي تمزّق أوطاننا وأمتنا وقد تآكلت تحت وطأتها أحزاب تأسّست على أسس علمانية، وبقي حزب سعاده صامداً بوجه رياحها العاتية كجبل لا تهزّه العواتي. ولا زال حزب سعاده حياً حاضراً في كلّ محطات النضال وساحاتها، قيمة مضافة فيها.
– تشكل شهادة سعاده تتويجاً نابضاً بحجم إيمانه بما كتب وما نشر وما دعا وما فعل، ليقف كطود شامخ يتحدّى جلاديه، معمّداً حزبه بدمائه أمانة ثقيلة لمواصلة العزف على الوتر الذي أشعله في قلوبهم. فالدماء التي تجري في العروق أمانة الأمة، والحياة وقفة عزّ فقط، وأنا أموت وحزبي باق، هي كلمات عبقري فيلسوف، لكنها كلمات قائد شجاع، كلمات شهيد بطل، والخلود للقادة له مصادر، أقوال خالدة، وأفعال باهرة، وشهادة مدوّية، وقد جمعها سعاده جميعاً، فاستحق الاحتفال بميلاده وميلاد حزبه ويوم ارتقى شهيداً.