الحرب على اليمن: صمود بمؤشرات استراتيجية كبرى
روزانا رمّال
قد تكون هي الحرب الأغرب التي تخوضها الدول الخليجية على منظمة «أنصار الله» أو التيار الحوثي المدعوم من إيران أو الحليف للاستراتيجية الإيرانية بالمنطقة وما يعنيه ذلك من تناغم ما بين رؤيته ورؤية الحلف وصولاً الى سورية، وصار لزاماً ربط الملفات ببعضها بعضاً لاحتساب نتائج تلك الحرب وأين يمكن احتساب حاصل المواجهات.
الحرب على اليمن التي صارت بشكل أو بآخر جزءاً منسياً من يوميات الإعلام المموّل لأهداف اساسية، أولها ان لا يمعن الإعلام بنقل صورة التحدي الذي صارت تشكله هذه الحرب وعجز السعودية عن إحداث فارق حاسم، لأن إطالة عمر الحرب وحدها هي إدانة للحسابات السعودية التي كان من المفترض أن تكون أدق. كيف بالحال إذا ما كان هذا الملف بالتحديد يتعلق بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وبمستقبله السياسي. وهو أول اختبار له كوزير دفاع كلّفه تعريض المدن السعودية للخطر بعد أن أصابت صواريخ الحوثي عمق المملكة وبعض دول الجوار التي ترفض إعطاء معلومات واضحة لا تتعدّى النفي كالإمارات.
وبغض النظر عن هذا وذاك فإن الحرب التي تعرض أمن الخليج وأهله الى الخطر والتي لم تستطع حمايته من مجموعة مسلحة، حتى ولو كانت مدعومة من دول لانتفاء التكافؤ العسكري هي حرب مقلقة للسلطات وتأكيد على فشل كبير منيت به الأجهزة الأمنية المعنية بذلك.
تشير المعلومات الى ان أكثر ما وطد العلاقة بين الاجهزة الامنية الإسرائيلية والاجهزة السعودية هي الحرب على اليمن وكيفية مواجهة «أنصار الله» الذي يُعتبر شبيه حزب الله «ببداياته» بالعيون الخيليجة والإسرائيلية. وبالتالي فإن المساندة الإسرائيلية في هذه الحرب أساسية، خصوصاً أن «إسرائيل» تعتبر اليمن جزءاً من الأمن الحيوي والقومي لها خصوصاً المنافذ البحرية ومسألة نقل السلاح وبالتالي فإن تقاطع المصالح إسرائيلياً مع السعودية قرّب المسافات، ولأن الخسارة باليمن تعني الكثير، ولأن الخسارة الإسرائيلية نفسها تكفّلت بها الحرب على سورية بأكثر المفاصل استراتيجية بعد أن تبين الحضور الأمني الإسرائيلي المباشر وغارات إسرائيلية مكثفة دخلت على خط مساعدة المسلحين وبالحد الأدنى استغلال الفوضى هناك لقصف ما تعتبره مخازن اسلحة لحزب الله، فإن الربط في اليمن «إلزامي» بعد ان ربطت «إسرائيل» كل الملفات ومفاصل الأمن ببعضها.
الحرب التي تبدو عبثية للبعض على اليمن هي في الحقيقة حرب استطاعت أن تثبت إنجازات في كل من سورية والعراق والبحرين والمنطقة الشرقية في السعودية. ولولا هذه الحرب التي تبين من خلالها أن اليمنيين قادرون على مواصلتها بدون استسلام او حتى الحوثيين بغض النظر عن الموقف من نشاطهم لكانت الأمور مختلفة تماماً وموضوعياً لا شك في أن صمود منظمة من هذا النوع في بلد فقير يصل لها سلاح بالتأكيد لا يوازي أبداً السلاح السعودي القوي والحديث، فإن هذا يستحق الدرس، لأن هذا الصمود أدى الى التالي:
أولاً: منع الولايات المتحدة الأميركية من التفكير بحرب على إيران تخوضها مع السعودية والحلفاء الخليجيين في المنطقة بعد أن تبين ان الرياض وغيرها من المناطق والمدن في الخليج ستكون امام مرمى صواريخ الحوثي وغير الحوثي في ذلك الوقت عندما تعم الفوضى في حرب إقليمية كبرى. وأن السعودية ليست حليفاً مناسباً لخوض مغامرات من هذا النوع لعجزها عن إقفال ملف هذه الحرب لثلاث سنوات بعد أن كان مقرراً أن تكون خاطفة وحاسمة.
ثانياً: الصمود في اليمن أدى الى حماية المعارضة في كل من البحرين والسعودية، لأنها والتي تحمل الشبهة أو الصبغة نفسها بالتأييد السياسي لإيران، وهي ليست حتى الساعة معارضات عسكرية ومنعت النظامين من التمادي كي لا تتدهور الامور اكثر ويقع ما لم يكن بالحسبان.
ثالثاً: الحرب على اليمن طوقت «إسرائيل» من منافذ البحر التي أرادت ان تضع اليد عليها لمحاصرة إيران ومنع تقدم سفن السلاح المحملة والبعض منها يصل للقيادات الفلسطينية والمقاومة الفلسطينية عبر مضيق هرمز الذي تملك مفاتيحه إيران. وهو محمي الآن ضمن هذه المعادلة.
رابعاً: صمود القوى المقاتلة في اليمن يعني اعادة النظر والمراجعة بمستوى طموحات «إسرائيل» التي تهدد لبنان في شن حرب كبرى. وبهذا الإطار كان قد أكد أمين عام حزب الله ان هناك جيوشاً غفيرة من مستعدة للدخول على خط هذه الازمة، ومن ضمنهم أفغان، أي أن الساحة اليمنية وسّعت نطاق تأثير ونفوذ حزب الله أكثر. وهو أمر بحد ذاته يشكل نتيجة كارثية عند الاسرائيليين.
خامساً: الحرب على اليمن نشرت الفوضى في الديوان الملكي المعارض لسياسة محمد بن سلمان وبسببها تمّ عزل وتعيين مسؤولين سعوديين جدد بمناصب أمنية مباشرة تتعلق بها، بغية خلق نتيجة مغايرة قبل فوات الأوان، لأنه سيصعب على الامير محمد بن سلمان تسلم قيادة بلاده في مثل هذا الظرف الخطير أمام تحديات داخلية وخارجية تحيط به وتصوّب الإصبع اتجاهه.