الجانب المظلم في السياسة اللبنانية
العلامة الشيخ عفيف النابلسي
يبدو أنّ الفساد في لبنان ليس محدوداً. لا شيء يجعلنا نفترض أنّ له حدوداً وحافة نهائية. مع كلّ مرحلة نأمل منها أن تصطلح الأمور فيعاد الاعتبار لموقعية المواطن وكرامته وحقوقه، نخيب. وفي كلّ مرة نقول إنّ المسؤولين الحاكمين منذ سنين طويلة لن يكرّروا الأخطاء ذاتها، وسيزينون مواقفهم على أساس الحق وحده بفعل ما عاينوه بأنفسهم من مآسي الناس وشقائهم، نخيب أيضاً. لأنّ المراحل والتجارب ما لم تكن مشمولة بالقيم والالتزام بالمبادئ والقوانين لا تكفي وحدها لتحسين الحال ونمو العقل ورشده. لم نتوصل بعد كلّ تلك السنوات المريرة إلى امتلاك قدرة استبعاد الأفكار الرديئة واستكشاف مصالحنا كلبنانيين مرتبطين بهذه الأمة. لو عددنا الفساد في مؤسسات الدولة والمجتمع فلن نجد أنفسنا إلا أمام رحابة وسعة كلما تقدّم بنا الزمن. الزمن هنا يكشف تضخم سرطان الفساد وكأنه محكوم بالتمدّد اللانهائي. لأنّ المشكلة الأساس في الإنسان نفسه الذي لا حدّ لطمعه وشهواته وأهوائه! في الحديث: «لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثاً ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب». إنّ كثيراً من أحسن مفكرينا السياسيين والاقتصاديين والدينيين كرّسوا أنفسهم للإجابة على كلّ الإشكالات التي تعيق إصلاح نظامنا وواقع مجتمعنا، ولكن الحلول كان يتمّ تجاهلها على نحو دائم. اليوم نحن نعيش في ظلّ فساد سديمي مستدام، والحقيقة التي نعرفها عن فاسدين من الصغار والكبار تظلّ غير مجدية وبدون فعالية طالما لا تقترن بأيّ إجراءات وتدابير إصلاحية وعقابية.
وبينما يتجه اللبنانيون قريباً إلى انتخابات تظهر فقاعات سياسية تريد تحميل المقاومة الكوارث التي خلّفتها الطبقات السياسية المتعاقبة. وهذا يكشف جانباً آخر من هوية أعداء المقاومة في الداخل الذين كلما حاولنا الاقتراب معهم إلى الأسئلة الجوهرية المتعلقة بحماية لبنان هربوا إلى التعصّب والطائفية وإحراق البلد بنيران الفتنة. بالنسبة إلينا ستبقى المقاومة مادة الكرامة والشرف الأولى لشعبنا، والعقل الواعي والرشيد والنزيه لبلدنا، والقبّة الرحبة للأمان والسلام التي ظلّلت كلّ لبناني كان يعرف مصيره المظلم فيما لو أقدمت إسرائيل أو الجماعات التكفيرية على احتلال أرضنا! الفاسدون الذين يأكلون أموال اللبنانيين بالباطل والانهزاميون الذين يريدون بيع مستقبلنا للمشروع الأميركي الصهيوني هم الجانب المظلم في هذا البلد، هم مَن تسبّبوا بكلّ هذا الأذى والظلم والتراجع والتردّي في السياسة والاقتصاد والثقافة والتعليم. ففي كلّ ملفّ وقضية سنجد هؤلاء يعرقلون مشاريع الإصلاح، يشاركون في منع الكهرباء والماء عنّا، يمنعون الكفاءات والطاقات الشبابية المبدعة أن تحلّ في مراكز المسؤولية، يثبطون العزائم عندما يهدّد بلدنا غاشم، يمنحون للأعداء يداً لقتل شعبنا، يساهمون في تهشيم الحياة بكلّ أبعادها، يبتزّون المواطن بلقمة عيشه حتى يبقى رهينة لجشعهم وأحقادهم ومصالحهم التي لا تعرف طريقاً إلى الاستقامة والهدى. أيّها اللبنانيون أنتم مدعوّون إلى بناء غد آخر وليفعل كلّ واحد منكم ما يتطابق مع تطلّعاته لا ما يتناقض معها!