مع وقف التنفيذ
مع وقف التنفيذ
عندما أراد الصينيّون القدماء أن يعيشوا بأمان بنوا سور الصين العظيم، واعتقدوا أنّه لا يمكن لأيّ عدوّ أن يتسلّقه نظراً إلى ارتفاعه الشاهق. لكنّ المفاجأة كانت أنّه خلال السنوات المئة الأولى بعد بناء السور، تعرّضت الصين للغزو ثلاث مرات، وفي هذه الغزوات الثلاث لم تكن الجيوش بحاجة إلى تسلّق السور الشاهق، إنّما كانوا يدخلون من الأبواب بعد أن يدفعوا رشى للحرّاس.
لذا، فقبل بناء الجدران كان ينبغي عليهم أن يبنوا الإنسان وما أقصده السلوك. فالجائع لا ولاء له إلّا للرغيف، لست أفضّل دائماً سوق أمثلة لتأكيد صحة ما أقول لكن هناك الكثير منها وعلى مرّ التاريخ تثبت أننا ما زلنا جياعاً. فمن المؤكّد أن الذين جعلوا منّا ريشة لن يستطيعوا أن يجعلوا من الريشة طوداً، والذين أطلقوا علينا الرياح الهوجاء لن يكون في وسعهم أن يجعلوا من تلك الرياح نسائم عليلة. لذا تحقّق ما أرادوه وها نحن ننجرف بهذا التيّار الهائل ولا ندري إلى أين ستسوقنا الأقدار.
لقد أصبح موضوع فهم الآخر يستلزم بشكل مباشر فهمه عقائدياً ودينياً. إذ يقول آينشتاين: «الإيجابيون لديهم حلّ لكلّ مشكلة، والسلبيّون لديهم مشكلة لكلّ حلّ». لذا، اُترك شيئاً من نفسك لنفسك ولو من باب التحفيز كي يرتفع معدّل هرمون السعادة في جسدك. فبناء القيم الإنسانية أهم من بناء ناطحات السحاب.
نحن أحياء بمقدار ما تكون قيمنا الداخلية حيّة بمقدار ما يكون سلوكنا سليم، تسقط الدولة عندما ينهشها سوس خلافاتنا قبل أن تنهشها سيوف أعدائنا. الأندلس لم يسقطها الإسبان وإنّما أسقطها ملوك الطوائف وأمراء المدن المتناحرة. وهولاكو لم يسقط بغداد، جاء فوجدها مهيّأة للاحتلال فاحتلها، لذا نعود ونؤكّد على بناء القيم الإنسانية. فالكراهية تكلّف أكثر من الحبّ لأنها إحساس غير طبيعي وإحساس عكسي مثل حركة الأجسام ضدّ جاذبية الأرض، تحتاج قوّة إضافية وتستهلك وقوداً أكثر. قولوا للذين حصروا غاية الإنسان من حياته في تجديد النسل وتكثيره أنّ البعوض يتناسل ويتكاثر. ألعلّ الإنسان والبعوض سيّان؟ فأهمية البحر تختلف عن أهمية الساقية، وقيمة الإنسان بما يملك من قيم ومعايير أخلاقية، لذا لا نريد أن نترك الحبل على الغارب، فهذه السيقان الصغيرة التي تركض بين الصفوف سيأتي يوم وتنتصب بانتظام.
فقط قليل من الصبر وكثير من الحبّ. وجبران لصق طابعه على مجلّداتنا الخالدة بقوله: «الحياة ليست طويلة لنجرب كلّ شيء ولا قصيرة لنتذكر كلّ شيء لكنها بالحبّ وبما يملك الإنسان من قيم أخلاقية تبقى خالدة».
صباح برجس العلي