مسرحية مملّة… لكن مسمّة!

حسين حمّود

بصرف النظر عن براءة زياد عيتاني أو تورّطه في العمالة للعدو «الإسرائيلي». وبعيداً من فبركة التهمة والمتهمين أو المشتبه فيهم بفعلها عمداً، أو براءتهم منها.

كذلك، من دون تبرئة القضاء أو إدانته بالتسرّع في أحكامه أو بطئه فيها، أو تسريب ملفات التحقيق في جرائم معينة ومحددة، وإشراك الرأي العام فيها قبل صدور الأحكام، وتوسّل ضغط شعبي أو سياسي يؤثر في مسار القضايا وبتّها. أو اتهام الأجهزة الأمنية بذلك أو إبعادها عن تلك الشبهة.

بعيداً من كل ذلك وغيره من تصرفات تسيء إلى القضاء والأجهزة، أو تفيدهما وتجعلهما محل إشادة الرأي العام والطبقة السياسية، فإن ما جرى في الآونة الأخيرة، بشأن قضية زياد عيتاني والمقدم سوزان الحاج حبيش والمشتبه فيه إيلي غبش، كاد يطيح، أو بالأحرى جرّح وشكّك من دون ريب، بصدقية القضاء والأجهزة الأمنية معاً، وأشاع جواً من الارتياب والهلع من أن يكون اللبنانيون يعيشون في دولة تفتري على مواطنيها وحرياتهم وكراماتهم، أو بالعكس، تعمل هذه الدولة وسلطاتها في خدمة السياسة والسياسيين، فتجعل المتّهم بريئاً والأبيض أسود أو الأسود أبيض.

وكلا الأمرين مرّ ومخيف لدرجة الهلع من مستقبل هذا البلد الصغير وأهله المساكين.

والأغرب في هذا الأمر هو مقاربة قضية عيتاني من من جانب بعض الوزراء من زاوية طائفية ومذهبية وحتى عنصرية، وكأن بعض الطوائف والمناطق، منزّهة عن بعض الجرائم التي لا يُعقل أن تقترفها الله أعلم لماذا ، ومجرد الاتهام أو الشبهة مرفوض. ففلان هو ابن منطقة عريقة في قوميتها ووطنيتها فكيف يمكن أن تتّهموه بجرم من هذا النوع، فهو حتماً بريء!؟

هذا التصريح الذي لحقت به مواقع التواصل الاجتماعي، وأحدث بلبلة كبيرة، رغم أنه أيضاً أثار موجة عارمة من الاستياء، جاء قبل أن ينطق القضاء بحكمه، وقبل تقديم فرع المعلومات تقريره في المعاينة التقنية لبعض جوانب التحقيق في القضية المشار إليها والتي كلّفه بإجرائها قاضي التحقيق العسكري ليبنى على الشيء مقتضاه، الأمر الذي أظهر، ربما، أن النتيجة معروفة سلفاً.

وتوجّهت أصابع الاتهام إلى جهاز أمن الدولة، الذي أوقف عيتاني وأعلن أنه أجرى التحقيق الأولي معه بإشراف قاضٍ والاعترافات موثّقة ومصوّرة من دون أن يمارس على المدعى عليه أي ضغط مادي أو نفسي.

وإزاء هذا التضارب، بدأ فوراً التشكيك مباشرة بصدقية السلطة القضائية والأجهزة الأمنية معاً، لكن لا الأولى ولا الثانية، مسؤولتان عن ذلك، بل الأهواء السياسية والحمى الانتخابية المجنونة للفريق السياسي الذي فتح النار على القضاء وبعض الأجهزة الأمنية من دون حساب النتائج، وتبين في ما بعد أن غريزة الانتقام من مرحلة معينة ما زالت تسيّر بعض السياسيين، وليس العلم والحكمة ومبادئ العدالة والإنصاف، وبالتالي المصلحة الوطنية العليا.

وهذا السلوك ليس غريباً عن الفريق المشار إليه، بالرغم من أنه يرفع شعار «لبنان أولاً» وـ«العبور إلى الدولة» دائماً، لكنه دائماً، وفي محطّات كثيرة، يفعل ما هو ضدّ هذين الشعارين.

فالدولة هي أرض وشعب ونظام يعمل بواسطة مؤسسات. الأرض لا تعني شيئاً لدى الفريق المذكور، طالما أنه لا تعنيه ولا يتمسّك بأي عناصر من عناصر قوة لبنان لمواجهة العدو الصهيوني، وأبرزها المقاومة التي لم يتوقّف ولا للحظة، في التحريض عليها وتشويه صورتها في الداخل والخارج. ولا يفكّر للحظة بضرورة حمايتها والتمسك بها ولو إلى حين التمكّن من تزويد الجيش اللبناني بأسلحة متطوّرة تجعله قادراً بمفرده على مواجهة العدو في أي عدوان ضد لبنان، الأرض والشعب والنظام. حتى أن هذا الفريق لم يستنكر في كل أدبياته السياسية الخرق «الإسرائيلي» المتواصل يومياً للسيادة اللبنانية.

أما الشعب، فهو أيضاً في آخر اهتمامات ذاك الفريق. إذ، بات في عهود حكوماته في أدنى مستويات معيشته واقتصاده ما عدا المصارف ، في تاريخ وجوده، وبات هذا الشعب كما بلده، غارقاً في مديونية تتعاظم يوماً بعد يوم، ويسدّدها من خلال ضرائب ورسوم باهظة. كما ارتفعت نسبة البطالة وإفلاس الشركات والمؤسسات التجارية.

وأخيراً، النظام ومؤسساته التي رسخ فيها الفريق المذكور، الطائفية والمذهبية، وطيّف من خلالها أي مطلب شعبي أو سياسي، لإجهاضه. كما أنه حوّل بعض المؤسسات الرسمية الكبرى في فترة سابقة من عهده، صالة أفراح لنجل أحد مسؤوليه، ودور عبادة تلقى فيها الخطب الطائفية.

وهناك المزيد والكثير. فهل يُعقل، بعد كل ذلك، إدخال البلد ومؤسساته في مسرحية طائفية مملّة، لكن مسمّة؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى