عون: إداراتنا لا تزال دون المطلوب بدرجة كبيرة ولا يمكن لأي قطاع أن ينطلق في ظلّ إدارة ينخرها الفساد عزّ الدين: نحتاج ثورة تقنية وإدارية لمواكبة العصر ولبناء أحد مداميك الاقتصاد الحديث
اعتبر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون «أن الإدارة في لبنان، وعلى الرغم من بعض محاولات التحسين والتطوير في بعض الوزارات، فإنها لا تزال دون المطلوب بدرجة كبيرة، ولا يمكن أي قطاع أن ينطلق كما يجب ويحقق إنجازاً، في ظل إدارة تكبلها البيروقراطية والتقنيات القديمة والتقليدية، وينخرها الفساد».
من جهتها، رأت وزيرة الدولة لشؤون التنمية الإدارية عناية عز الدين أننا «نحتاج إلى ثورة تقنية وإدارية لمواكبة العصر ولبناء أحد مداميك الاقتصاد الحديث».
هذه المواقف جاءت خلال مؤتمر «التحول الرقمي 2018» الذي نظمته وزارة الدولة لشؤون التنمية الإدارية بعنوان «استراتيجية وطنية نحو مستقبل افضل» في فندق «فينيسيا»، برعاية الرئيس عون وحضوره، ويستمر يومين.
وشارك في المؤتمر وزيرة الدولة لشؤون التنمية الإدارية الدكتورة عناية عز الدين، وزير الاتصالات جمال الجراح، وزير الدولة لشؤون مكافحة الفساد نقولا تويني، وشخصيات سياسية وديبلوماسية وعسكرية ونقابية واجتماعية.
قدم المؤتمر الإعلامي سامي كليب الذي اعتبر «أن لبنان يشهد لحظة مفصلية لدخوله الحداثة والتطور».
ثم عرض فيلم قصير يعبر عن أهم الأفكار نحو لبنان الرقمي شرحت خلاله الوزيرة عز الدين «الوسائل الممكنة للتحول الرقمي للبنان».
الكلمة الأولى كانت لرئيس أبحاث علوم البحوث المستشار الاول للحكومة الرقمية البروفسور علي عبدالله الذي أشار إلى أنّ الاستراتيجية «تهدف إلى تحويل الدولة في فترة قياسية، وهي اربع سنوات، الى مؤسسة رقمية بجدارة».
ثم تحدث الخبير البريطاني في التحول الرقمي للحكومة البريطانية توم لوزمور عن تجربته في تحول بلاده التي تمكنت في الوصول الى المرتبة الاولى على مستوى الحكومات الرقمية».
وشدّد المسؤول في البنك الدولي في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا بيتر موصلي على «أنّ لبنان يتمتع بقدرة ريادية رقمية كبيرة وموهبة على مستوى الشباب مما يعزز دوره في التحول الرقمي».
وزيرة التنمية الإدارية
ثم كانت كلمة للوزيرة عز الدين التي أشارت إلى أنّ الواقع الإداري في لبنان «لا ينفصل عن الواقع السياسي والاقتصادي». وقالت: «نحن في دولة نظامها يعاني أزمات بنيوية وقلة ثقة المواطنين بالدولة وبالنظام الاقتصادي المتبع، الذي أوصلنا إلى حد حذر معه فخامة رئيس الجمهورية من اضطرارنا إلى الاستدانة للحفاظ على سعر صرف عملتنا. بدل أن نكون قادرين بواسطة الإنتاج على حماية الليرة ورواتب اللبنانيين وقدرتهم الشرائية. وفي زمن عزت الموارد، أصبح التعديل في بنية النظام الاقتصادي وتطوير وترشيق وترشيد لآلية العمل الإداري وتخفيف أعبائها وجعلها أكثر شفافية وملاءمة لتلبية حاجات المواطنين للخدمات الاساسية وتطلعاتهم وحقهم في الحصول عليها بأقلّ الأعباء والمشقات أصبح حاجة ملحة. كل هذا يحتاج إلى بنية تحتية من نوع آخر، بنية تحتية تواكب العصر الرقمي».
وأضافت: «بقاؤنا كدولة لبنانية في واقعنا الحالي يعني أنّ الهوة بيننا وبين ما يتجه إليه العالم اليوم بسرعة تتجاوز الخيال أحياناً، ستتسع يوماً بعد آخر، ونحن على أبواب الثورة الصناعية الرابعة».
وذكّرت عز الدين بأن لبنان كدولة «قد حقق 4.7في المئة من طاقاته الرقمية Digital Potential، بينما حقق اللبنانيون كأفراد مستويات أعلى بكثير متفوقين بذلك على دولتهم»، مشيرة إلى «أنّ موقع accenturestrategy نشر دراسة في العام 2016 ذكر فيها أنّ الاقتصاد الرقمي سيشكل نسبة 25في المئة من الدخل القومي للدول بحلول العام 2020 وأنّ الدول التي لا تتوفر فيها البنى التحتية اللازمة للدخول إلى هذا العالم ستصبح متخلفة وغير قادرة على اللحاق بركب الاقتصاد العالمي».
وتابعت: «بعد سنوات قليلة، سيبدو الأمر كما لو أننا في كوكب لا صلة له بباقي دول العالم. نحتاج إلى ثورة تقنية وإدارية لمواكبة العصر ولبناء أحد مداميك الاقتصاد الحديت. وهنا تكمن أهمية هذا المشروع الذي يشكل البنية التحتية الناعمة الضرورية واللازمة لإيجاد نهج جديد معاصر لمعالجة ما ذكرناه من مشاكل وتحديات وللتمكن من إدارة كل مشاريع البنى التحتية الأخرى المأمول تنفيذها لإصلاح الادارة والأوضاع في مختلف القطاعات، في بيئة إدارية شفافة رشيقة وفاعلة. لكل هذه الاعتبارات كانت هذه الاستراتيجية التي ستحول الدولة بإداراتها ومؤسساتها المختلفة إلى مؤسسة رقمية تكون فيها البرامج الرقمية في الإدارات المختلفة قابلة للتواصل فيما بينها بدل أن تعمل كجزر متفرقة ومنعزلة كما هو الحال الآن، في عالم أصبح فيه لكل فعل بعد رقمي وتكنولوجيا المعلومات أصبحت ضرورية لأي نشاط ناجح، فاعل ومؤثر، خصوصاً في القطاع العام».
وشدّدت على «أننا لسنا في صدد شراء تكنولوجيا، إنما في صدد القيام بعملية جذرية للإصلاح الاداري تستخدم التحول الرقمي أداة عصرية لاجتراح آليات ولفتح أفاق واسعة أمام عمليات الاصلاح المزمع القيام بها»، لافتة إلى «أنّ المعلومات Data تعتبر إحدى أكبر ثروات الحكومات الحديثة، كما أنها تعتبر المادة الأولية في عصر الرقمية، كما هي حال النفط والغاز في الصناعات الاخرى، وعدم مقاربة المعلومات بما تحمله من امكانات للاقتصاد سيعتبر هدرا لهذه الثروة والفرص المتأتية عنها. كما أن الادارة غير المدروسة وغير الممنهجة وغير المنظمة لهذه المعلومات ستؤدي أولاً إلى خرق خصوصيات المواطنين Privacy وثانيا لأمن الدولة».
وقالت: «عملنا على اتباع نهج جديد في العمل وفي التعامل مع مختلف الأطراف المعنيين بهذا المشروع:
– المواطن: نحرص على ان تكون العلاقة مع المواطن قائمة على التشاركية والتعاون والانفتاح وعلى جعل المواطن محورا لعملية التحول الرقمي ووضعه في صلب الاهتمام واعطائه حق المبادرة والمشاركة عبر منصات رقمية يقوم من خلالها بعملية تفاعلية Interactive منظمة وهادفة مع الدولة. ما نقصده هنا أن المواطن سيصبح شريكاً في تصميم الخدمات من خلال عرض النسخة الأولية على المواطنين لفترة معينة من الزمن نتلقى خلالها تفاعل المواطنين وآراءهم وبعدها نعمل على تعديل النموذج الأولي بما يتلاءم مع حاجاتهم وآرائهم، وهذا نهج جديد للتعاطي مع مواطنينا. واليوم ندعو اللبنانيين إلى الاطلاع على النموذج الأولي للنافذة الموحدة لخدمات الدولة والمعلومات التي تخص المواطنين عبر Portal.gov.lb. ويمكنهم الآن الدخول إلى كل صفحات هذا الـPortal وتزويدنا آراءهم واقتراحاتهم لتحسينه لنعمل بعدها على الانتقال إلى المرحلة الثانية بحيث يتم إكمال وتوسيع هذه المعلومات، على أمل أن نطلق قريبا موقع www.gov.lb ليكون نافذة المواطن على الدولة.»
ـ «منهج التشاركية لا يقتصر على المواطن فقط، انما بدأنا بوضع أسس للتشاركية مع كل الاطراف ذوي الصلة سواء داخل الدولة او القطاع الخاص او المجتمع المدني والجامعات بحيث أننا أنجزنا وضع برنامج لطلاب الجامعات Internship Program لإعطاء الفرصة لهم بإجراء دورات داخل وزارة التنمية الادارية للاطلاع على طريقة العمل والمشاكل التي نواجهها والحلول. هذا البرنامج بالإمكان تطبيقه في كل الوزارات الأخرى.
هذا النهج الجديد سيتجلى أيضاً في:
– الوسائل المتبعة لتنفيذ هذا المشروع بحيث أننا سنعمل وفق الأسس التالية:
– العمل وفق آليات المصادر المفتوحة Open Source بما يساعد على الإفادة من الخبرات العالمية والتعلم من نجاحاتها واخفاقاتها وبكلفة أقل بكثير مما هو عليه الحال الآن.»
– سيتم العمل على انشاء منصات موحدة Common Digital Platforms ، مثلا، ستكون هناك طريقة موحدة يتبعها المواطنون لاثبات الهوية الرقمية لهم authentication ، طريقة موحدة للدفع وطريقة موحدة للاتصال بالمواطن، وهذا من شأنه أن يسهل التعامل مع المواطن ويعزز تجربته الرقمية ويحسن جودة الخدمات».
انعكاسات إيجابية على الموظفين والاقتصاد
وأوضحت الوزيرة عز الدين «أن التحول الرقمي له انعكاسات ايجابية على عمل الموظفين بحيث أن الدولة المترابطة تجعل المعلومات data في متناول أيديهم ما يجعل عملهم أكثر فعالية وشفافية وسرعة ما يؤدي حتماً إلى تطوير الادارة».
وقالت: «نحن نتحدث اليوم في الموازنة عن محاولة لخفض 20 من موازنة كل ادارة. والتكنولوجيا هي بمثابة مفتاح لانجازات اكثر بكلفة أقل من ذلك بكثير make more for less . انجازات اكثر يعني خدمات اكثر بطريقة مرنة قابلة للتطور مع تطور حاجات المواطنين وكل ذلك بكلفة أقل. وقد تم اختبار هذه المعادلة بنجاح في العديد من الدول. وتقول أجهزة التدقيق الدولية ان تكلفة العملية التجارية الالكترونية اقل بعشرين مرة من تلك التي نقوم بها عبر الهاتف، وأقل بستين مرة من الخدمات التي نقوم بها وجها لوجه.»
وأضافت «إنّ المعلومات تعتبر على ابواب الثورة الصناعية الرابعة الفيول أو المادة الأولية الخام لهذا العصر الرقمي الحديث، هي ثروة تختزنها كل دولة في إداراتها تماما كما تختزن الارض النفط في جوفها وهذه المعلومات يجب العمل على استخراجها وتنقيحها ووضعها ضمن كاتالوغات، ونشرها على منصات مفتوحة open data ، طبعاً نتكلم على المعلومات التي لا علاقة لها بالأمن القومي، لتشكل البنية التحتية الناعمة لاقتصاد المعرفة knowledge economy عندها ستصبح متوافرة للدولة وللجامعات والشركات لتستعملها في صنع الخدمات وتقديمها رقمياً إلى المواطنين بشكل سريع وعملي وبأقل كلفة ممكنة. والا ستكون هذه المعلومات ثروة مهدورة».
تأثير التحول الرقمي على مكافحة الفساد
وأكدت وزيرة الدولة لشؤون التنمية الإدارية أنّ التحول الرقمي «يعزز الشفافية في القطاع العام وقد أثبتت تجارب التحول الرقمي في العالم ان هذه الوسيلة تشكل عنصراً رادعاً للفساد»، كما أنه «يؤمن بشكل تلقائي الآليات اللازمة لنقل قانون حق الحصول على المعلومات الى حيز التطبيق العملي والفعلي.»
ورأت أننا «نعيش في بلد يعاني نقصاً حاداً، وعدم استقرار في إنتاج الطاقة الكهربائية وتوزيعها»، معتبرة أنّ هذا الواقع، «لا بد أن يترافق مشروع التحول الرقمي مع مشروعين اثنين، لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر: توفير الاستقرار الدائم في انتاج الطاقة الكهربائية ونقلها وتوزيعها، واستكمال مشروع شبكة الألياف الضوئية، التي ستنقل قطاع الاتصالات من حيث هو الآن الى مكان يجعله قابلا لحمل مشاريع كبرى كمشروع التحول الرقمي. وهذا المشروع يحتاج أيضاً إلى ورشة تشريعية تواكبه، تدعم الابتكار وتنتقل بمفهوم تطوير الإدارة من مجرد مكننة العمليات الإدارية الورقية المعمول عليها حالياً – لأننا رغم ما لدينا من مشاريع مكننة متفرقة ما زلنا دولة ورقية – إلى وسائل رقمية مبتكرة وعصرية للأعمال الإدارية».
رئيس الجمهورية
وألقى الرئيس عون كلمة ذكر فيها بأنه «عندما اعتبرت في خطاب القسم، تأليل إدارات الدولة هدفا وجزءا أساسيا من خطة الإصلاح الاقتصادي، فذلك لإيماني بأن هذا هو المدخل لتحديث الدولة ولمكافحة الفساد في الإدارة، وأيضا للحد من هجرة الأدمغة. «
وقال: «مع التطور المتسارع في عالم التكنولوجيا في مختلف القطاعات، صار تحديث الدولة والتطوير الإداري ضرورة وليس ترفاً أو من الكماليات».
أضاف: «فيما نحن نتلمس خطانا نحو الحكومة الرقمية وال E Government، نجد العديد من الدول قد تخطاها وصار في مرحلة حكومة الموبايل M Government، بحيث يمكن المواطن القيام بجميع معاملاته في الدولة عبر الموبايل».
وأعلن «أن الإدارة في لبنان، وعلى الرغم من بعض محاولات التحسين والتطوير في بعض الوزارات، فإنها لا تزال دون المطلوب بدرجة كبيرة، ولا يمكن أي قطاع أن ينطلق كما يجب ويحقق إنجازاً، في ظل إدارة تكبلها البيروقراطية والتقنيات القديمة والتقليدية، وينخرها الفساد».
واعتبر «أن الفساد في الإدارة هو وجه من أوجه الفساد العام، ومكافحته ضرورة على كل الصعد، فهو يسيء الى سمعة الدولة ككل، ويضرب ثقة المواطن بمؤسساته الرسمية، ويعرقل سير العمل». وقال: «التأليل أو التحول الرقمي هو إجراء عملي لقطع دابر هذا الفساد لأنه يؤمن شفافية الإدارة، ويقطع الطريق أمام كل أنواع الرشوة والسمسرات والعرقلة، ويمنع التزوير، ويؤمن أيضا سلامة المحفوظات وحمايتها وسهولة حفظها والعودة اليها عند الحاجة، ويوفر الوقت والجهد».
ورأى أن «هجرة الأدمغة هي مشكلة لبنان الكبرى، على الصعيد الاقتصادي كما الاجتماعي، فنحن نصدر خيرة أبنائنا الى الخارج، ونتابع من الإعلام العالمي أخبار نجاحاتهم وإبداعهم، وكل ذلك لأن وطنهم غير قادر على توفير سوق العمل المناسب لمؤهلاتهم».
وأكد «أن مشروع التحول الرقمي للحكومة سيحتاج الى الكثير من الكفايات والخبرات وسيفسح المجال للإبداع اللبناني أن يبرع في وطنه وبين أهله».
وقال: «إن المعلوماتية والتكنولوجيا الذكية والرقمية صارت ثقافة عصرنا هذا، وولد نوع جديد من الأمية، يشعر به كل من لا يزال بعيدا من هذا العالم، مهما بلغت ثقافته «التقليدية» ودرجة تعليمه».
أضاف: «انقلبت الأدوار، صار صغير العائلة هو المعلم، يشرح بسهولة فائقة ما يستعصي على الأهل فهمه في هاتفهم أو حاسوبهم، وفي هذا مؤشر إضافي الى أن عالم الغد هو لهذه التكنولوجيا، وأنها ستكون من أكثر القطاعات جذباً للاستثمار».
وتابع: «سأترك التقنيات لأهل الاختصاص، ولكن ما أود تأكيد هو أن وضع استراتيجية للتحول الرقمي يشكل الخطوة الأولى في مشروع، إذا أحسنا تنفيذه، يجعل من لبنان نقطة استقطاب في المنطقة للتكنولوجيا الرقمية، مع ما يعنيه ذلك من نهضة على مختلف الصعد».
وأشار إلى أن «مؤسسة «أوجيرو» أعلنت منذ فترة وجيزة عن استراتيجية «الرؤية الجديدة» لتطوير قطاع الإنترنت، فإذا تمكن لبنان فعلاً من تنفيذ هذين المشروعين المتلازمين فسيكون قد خطا خطوة جبارة تؤسس لاقتصاد جديد، يفتح له آفاقا جديدة». وقال: «نحن بدورنا، نسعى إلى تأمين الظروف الملائمة التي تسمح بالتنفيذ، خصوصاً ما يتعلق منها بتثبيت الاستقرار السياسي والأمني».
وحيا رئيس الجمهورية «العمل الدؤوب للوزيرة عناية عز الدين ولفريق العمل، ولكلّ القيمين على هذا المشروع»، متمنياً «أن تثمر جهودكم وتتكلل بالنجاح».