مسؤولية الدولة توفير الأمن والإنماء
نور الدين الجمال
المهمة الوطنية الكبيرة التي انطلق الجيش اللبناني لإتمامها في الشمال والبقاع وعلى الحدود اللبنانية ـ السورية هي أمل للبنانيين في فرض الأمن والاستقرار ومجابهة خطر الفوضى والإرهاب التكفيري الذي نجحت استخبارات الجيش اللبناني في تفكيك العديد من منظوماته وهياكله القيادية في الأشهر القليلة الماضية، فعزّزت ثقة المواطن العادي بهذه المؤسسة الوطنية الكبيرة التي هي رجاء اللبنانيين بترسيخ وحدتهم الوطنية وسلمهم الأهلي ولاحتواء نتائج العبث السياسي والإعلامي بالاستقرار عبر موجات التحريض والتطرّف وتعميم ثقافة الانقسام والعصبيات التي تورّطت فيها قوى «14 آذار» برهاناتها الخاطئة والخاسرة، عبر احتضانها الجماعات الإرهابية التي حشدتها ودعمتها للانخراط في العدوان على سورية، فورّطت مئات الشباب اللبناني من الشمال والبقاع في الأتون ولم تقدم أيّ إجابة تشفي الغليل للعائلات المفجوعة بموت أبنائها في سورية، أو الحائرة في مصائرهم المجهولة، في حين وضعت الخطة الأمنية التي بوشر بتنفيذها في طرابلس قيادة تيار «المستقبل» أمام نتيجة خطفها عاصمة الشمال وتغذية الفوضى المسلحة التي اجتاحت المدينة والاختراع المسمى «قادة المحاور» ومعه بعض المشايخ المتطرفين الذين يوجهون التهديدات إلى الجيش اللبناني، إذ لا يكفي مجرد الكلام المستنكر الصادر عن البعض.
الجيش اللبناني يتفوّق معنوياً على جميع خصومه وعلى مريدي تخريب الأمن، حاظياً بالالتفاف الشعبي الكبير حوله، بعدما أصاب التعب والقلق المواطنين من مظاهر الفوضى المسلحة الميليشيوية التي احتلت عاصمة الشمال وبعض أنحاء عكار. أمّا الاعتداءات التي يتعرض لها الجيش فتثير استنكاراً شعبياً كبيراً، خاصة في عكار التي ينخرط معظم أبنائها في صفوف المؤسسة العسكرية، ومن جميع الطوائف.
القرار الحكومي بتأمين غطاء سياسي للمؤسسة العسكرية سيبقى نظرياً ما لم ينعكس سلوكاً حازماً من تيار «المستقبل»، الجهة الرئيسة المتورطة في احتضان الجماعات التكفيرية التي عاثت فساداً في أمن المواطنين في أكثر من منطقة والتي تضم خليطاً لبنانياً وسورياً وفلسطينياً، بالإضافة إلى عناصر أخرى استجلبت إلى لبنان في سياق الحرب على سورية. علماً أنّ إنجازات الجيش العربي السوري وقوات الدفاع الوطني والمقاومة على الأرض حقّقت تقدماً كبيراً ونوعياً في اتجاه إغلاق معابر الموت على الحدود اللبنانية ـ السورية، لذا ما زال الجيش اللبناني، الذي يحظى بدعم الناس ويجسّد تطلعاتهم إلى الاستقرار والأمن، يفتقد حرارة الدعم السياسي الذي يفترض أنه، نظرياً، مجال تضامن وتعاون بين جميع الأطراف المشاركة في الحكومة، وحتى الآن يتلعثم بعض متحدثي تيار «المستقبل» ويبررون تصرفات وتصريحات الذين يحرضون على الجيش، وهذا مرفوض جملة وتفصيلاً ويقتضي ملاحقة من القضاء وإجراءات وتدابير رادعة تضع حداً لأيّ تطاول على المؤسسة العسكرية التي تبذل تضحيات جسيمة في سبيل حماية لبنان ويسقط شهداؤها بأيدي مرتزقة يحملون الجنسية اللبنانية ويحظون بحماية قوى مشاركة في الحكومة.
في هذا السياق، ترى مصادر سياسية وحزبية وجوب السؤال عن الخطة الأمنية الحاضنة للخطة الإنمائيّة في المناطق المحرومة، سواء في الشمال أو البقاع، أي تلك المناطق التي خبرت الوعود الكاذبة منذ التسعينات وتفاقم حرمانها بعدما تبخرت جميع الخطب الحماسية حول الإنماء المتوازن ومعالجة مشاكل الفقر والحرمان والتهميش في البقاع والشمال بخطط للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. إنّ مسؤولية الحكومة، رغم قصر عمرها كما يردّد الرئيس تمام سلام، وضع لائحة بتدابير على المدى القصير والمتوسط لمعالجة المشاكل الاجتماعية وللتعامل بجدية مع شكاوى الحرمان المتصاعدة، آخذة في الاعتبار أن الشباب المضلّل الذي يُورّط في مخططات استهداف الدولة والجيش اللبناني والسلم الأهلي يتمّ اصطياده بالعوز وبمبالغ مالية مصدرها الخارج، وعلى الدولة احتواء هذه المشكلة بتدابير عاجلة حيال قضايا البطالة والتهميش. وثمّة العديد من المشاريع الإنمائية النائمة في أدراج الوزارات ورئاسة الحكومة التي تمكن من استيعاب الألوف وتأمين فرص العمل اللائقة بهم، بدلاً من توريطهم في علاقة نفعية وارتزاقية على حساب الأمن الوطني.
تحصين الجيش اللبناني وخطته الأمنية ممكن ومتاح إعلامياً وسياسياً وقضائياً وإنمائياً، لكن لم يلمس اللبنانيون حتى الآن في العمل الحكومي توجهاً على هذا الطريق الذي يفترض أن يكون أولوية جداول الأعمال، قبل حصص التعيينات التي يتسابق عليها المسؤولون لإمرار المحسوبين عليهم وإيصالهم إلى هياكل الدولة على أبواب العهد الرئاسي.