إميلي نصر الله استبقت طيور أيلول لتهجرنا إلى عالم الخلود

غيّب الموت صباح أمس، الأديبة الكبيرة إميلي نصر الله عن عمر ناهز 87 سنة، على أن تقام مراسم الدفن اليوم الخميس في زحلة.

إميلي نصر الله أديبة لبنانية ولدت عام 1931 في قرية الكفير الجنوبية ونشرت عدداً من الروايات والمجموعات القصصية للأطفال وحصلت على جوائز عدّة منها «جائزة الشاعر سعيد عقل» في لبنان، و«جائزة مجلة فيروز» و«جائزة جبران خليل جبران» من رابطة التراث العربي في أستراليا، و«جائزة الهيئة العالمية لكتب الأولاد IBBY» عن رواية «يوميّات هرّ».

تلقّت تعليمها الجامعي في الجامعة الأميركية في بيروت وحصلت على شهادة الماجستير عام 1958، تزوّجت من فيليب نصر الله وأنجبت أربعة أولاد: رمزي، مهى، خليل ومنى.

عملت كروائية، صحافية، كاتبة، معلمة، محاضِرة، وناشطة في حقوقِ المرأة.

الرواية الأولى التي نشرت لها عام 1962 كانت «طيور أيلول» وحازت على ثلاث جوائز أدبية، وتُرجم عدد من رواياتها إلى الإنكليزية والفرنسية.

من مؤلفاتها: «طيور أيلول» رواية ، «شجرة الدفلى» رواية ، «الرهينة» رواية ، «تلك الذكريات» رواية ، «الجمر الغافي» رواية ، «روت لي الأيام» قصة قصيرة ، «الينبوع» قصة قصيرة ، «المرأة في 17 قصة» قصة قصيرة ، «خبزنا اليومي» قصة قصيرة ، «لحظات الرحيل» قصة قصيرة ، «الليالي الغجرية» قصة قصيرة ، «الطاحونة الضائعة» قصة قصيرة ، «أوراق منسيّة» قصة قصيرة ، «أسود وأبيض» قصة قصيرة ، «رياض جنوبية» قصة قصيرة ، «الباهرة» قصة أطفال ، «شادي الصغير» قصة أطفال ، «يوميات هرّ» قصة أطفال ، «جزيرة الوهم» قصة أطفال ، «على بساط الثلج» قصة أطفال ، «أندا الخوتة» قصة أطفال ، «أين تذهب أندا؟» قصة ، «نساء رائدات من الشرق والغرب» 6 أجزاء .

وقد نعاها وزير الثقافة غطاس الخوري في بيان قال فيه: برحيل الأديبة والكاتبة إميلي نصر الله، يفقد لبنان وجهاً نسائياً مشرّفاً في تاريخه الثقافي والأدبي والنضالي، الراحلة التي تميّزت بين أترابها من السيدات بدعم المرأة ومساندتها حقوقها وصحة تمثيلها، وهي التي كانت تردّد دائماً: «لبنان غنيّ بمبدعيه وهو مشتل الإبداع». وقد أبدعت وأغنت المكتبات اللبنانية والعالمية بمؤلفاتها التي تُرجمت إلى لغات عدّة، لإيمانها بأنّ الكتاب يبقى الأساس للحضارة في العالم وهو مرساة الأمان. ستبقى إميلي نصر الله في ذاكرة كلّ إنسان من خلال إرثها الأدبي المميّز.

ونعاها أيضاً نقيب محرّري الصحافة اللبنانية الياس عون في بيان قال فيه: بالأمس القريب زرناكِ، أعضاء مجلس النقابة وأنا، لتقديم درع النقابة لك تقديراً على كل ما قمت به من أجل لبنان وصحافته وتقديراً لوفائك ولصدقك وإخلاصك لربك ووطنك وأمتك وصحافتك، التي بأمثالك تبقى مصانة ورائدة للحرّيات.

وأضاف: قصف الموت، أمس، صحافية طليعية وأديبة رائدة من كبيرات أديبات لبنان والعالم العربي. كنت قمة في العطاء البارز الناصع الوجه الوضاء الجبين الذي أثرى المكتبة العربية والمكتبات في العالم.

وتابع: بغيابك، يا أيقونة نقابة المحرّرين، يعزّ شأن الفراغ ويصحو المعجبون الذين واكبوا عطاءاتك وإنتاجاتك، بالمهج والمواظبة على نقص وخواء هيهات أن تمليها الدهور، فلا يحفل كل قرن بإميلي نصر الله التي تطعم الخلود زاد بقائه.

وختم: يا من ترحلين إلى حيث جاهدت في حياتك على هذه الأرض لتكوني، عشت آلام لبنان وجنوبه وأنت ابنته، فكنت الريشة المتأنية المعبّرة. بكيت لا من موقع وهن، بل من مشارف صلابة وعناد. ذلك أن الدموع في عيون الأقوياء، هي رشح حرارة أعصاب وليست ذوبان أعصاب، شأنها عند الضعفاء. ولك أقول في عليائك، وهل تموت من تطعم الخلود زاد بقاء؟

أما «دار هاشيت أنطوان/نوفل»، فقد نعتها على لسان رئيس مجلس إدارتها إميل تيان، الذي قال: عرفناها عن قرب سيدة مثقّفة محبّة وحنوناً، تختار كلماتها بلباقة، وديعة هادئة بسيطة وقوية ككتاباتها، وتتمتع بشخصية فريدة عازمة مكتنزة بالتجارب. فلا يمكن التمييز بين إميلي نصر الله الكاتبة وإميلي نصر الله الإنسانة. لقد مثّلت الأديبة الراحلة الزمن الجميل بأخلاقها وأدبها وفكرها وثقافتها الشاملة وانتمائها إلى وطنها وتعلّقها بجذوره.

وأضاف: ارتبط اسم إميلي نصر الله وأدبها بذاكرة اللبنانيين والعرب جميعاً، فنصوصها تدرّس في المدارس. ونحن في «دار نوفل» تربطنا بها علاقة متينة عمرها سنوات طوال منذ أُسّست الدار التي تشكل الأديبة الراحلة أحد أعمدتها.

تركّزت أعمالها بشكل أساسي على الحياة القروية في لبنان، وجهود المرأة التحرّرية، والمشاكل المرتبطة بالهوية القومية خلال الحرب الأهلية اللبنانية، والهجرة. وتُرجمَت كتُبٌ كثيرة لها إلى الإنكليزية والألمانية والدنماركية والفنلندية والتايلندية.

قبل رحيلها بأيام، صدر عن «هاشيت أنطوان/ نوفل» كتاب «الزمن الجميل» الذي كان بمثابة تحية إلى مسيرة الكاتبة الطويلة وإلى سنواتها الذهبية في عالم الصحافة.

«الزمن الجميل»، رحلة جديدة تأخذنا فيها الأديبة إميلي نصر الله إلى لبنان الخمسينات والستينات. بأسلوبها الدافئ والحنون، ونصّها الغنيّ من دون بهرجة، والكثيف من دون استعراض، تجول بنا في عوالمها الخاصة ولا نشعر بالغربة. تغدق علينا الأديبة الرائدة التي كانت لا تزال في جِلد الصحافية تجربتها في «الزمن الجميل»، تذكّرنا بأسماء نسيناها وتقدّم إلينا أخرى لا نعرفها، من خلال وجوه قابلتها وحاورتها. هنّ نساء في الغالب. نساء مناضلات، كلّ على طريقتها، في المجال العام أو الخاص، جهاراً أو صمتاً: من إدفيك جريديني شيبوب إلى الملكة فاطمة السنوسي، وسيدة الرائدات ابتهاج قدورة، ومغنّية الأوبرا اللبنانية الأولى سامية الحاج، حتى البصّارة فاطمة، ومارتا، الطالبة الثمانينية في الجامعة الأميركية. نساء نصر الله لم يكنّ من حبر فقط. اتّخذن أشكالاً أيضاً على يد الرسام جان مشعلاني الذي دأب على مرافقة الصحافية الشغوف، وتزيين مقالاتها على صفحات مجلة «الصياد» على مدى سنوات.

«البناء»، إذ تكرّم الراحلة الكبيرة، تنشر عدداً من المرثيات القصيرة، لأدباء وشعراء وإعلاميين وأساتذة جامعيين، أبوا إلّا أن يودّعوا ـ مشكورين ـ إميلي نصر الله من نزف حبرهم.

المستوطنة في القلب

أحمد طيّ

لئيم هو الموت حتّى لو كان حقّاً أو قدراً، يخطف منّا أعزّاء وأحبّاء وهاماتٍ وقامات، وسنديانات عتيقات، وأيقونات وغادات… ليأسرنا في دوّامةٍ من الحزن، نستعيد الذكريات، ونجلد أنفسنا إن قصّرنا في الواجبات، ونمنّي النفس أنّ العظماء يحيون حتّى في الممات.

لئيم هو الموت، كيف عن سابق غفلة، يترصّد أناساً دلفوا القلوب خِفافاً واستوطنوها.

إميلي نصر الله، التي التقيتها بين دفّتَي كتاب القراءة وأنا حدث بعد، والتي كنت أحلم أن ألتقيها وأتحدّث إليها وأغرف من مَعين فكرها المتّقد، رحلت أمس، بفعل الموت اللئيم، هي التي تركت لنا إرثاً لا يرحل مع «طيور أيلول»، ويبقى كما هو «زمناً جميلاً»، ننقله لأبنائنا وأحفادنا وأجيالنا.

زرتها منذ أسابيع في بيتها في شارع «المكحول» المتفرّع من شارع «الحمرا» في بيروت. ذهبت أهنّئها بالوسام الذي منحها إيّاه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ولأطمئنّ إلى صحّتها.

أهديتها روايتي الأخيرة «بلاد النور» وعدداً من كتبي الموجّهة إلى الأطفال، وأثنت على ما أقوم به، فيما أنا كنت أتعطّر بنورانية حضورها البهيّ.

عندما هممتُ بالمغادرة، بادرتني: «أنسيتَ أمراً ما؟». أجبت متفقّداً ما كان معي: «لا أظنّ يا مبدعتنا». فتابعت: «غريب… كلّ من كان يأتي إلى هذا البيت في الآونة الأخيرة، كان يطلب صورةً أو أكثر معي… فهل نسيتَ أم أنّه تكبُّر؟».

أجبتها: «جئت أعودكِ وأطمئنّ إلى صحّتكِ، وأهنئّكِ بوسامٍ استحققتِه ومنحوكِ إياه في حياتك، ولم آتِ لنيل شهرةٍ من خلال صورةٍ أنشرها هنا وهناك، وأقول للناس اُنظروا… تصوّرتُ مع إميلي نصر الله».

صرخت بي بصوتها الناعم المثقل بالألم: «رجاع شوي لهون». عدتُ، وطبعَتْ على خدّي قبلةً لن يمحوها موت لئيم.

على ركب عصام العبد الله…

إميلي نصر الله تطعن كمين الملقى!

طلال المرتضى

مكفهرّ النوايا ربيعُك يا بيروت. زرقة البحر وحدها لا تفي. النوارس تموت وقوفاً على سدرة المنارات، ما لي أراك فتحتِ سفر الوداعات؟

يا بيروت… هذا الدمع يشجي الفؤاد، لا تتركي أرز روحك ينتحب اليباس.

ما عادت أصابع شوقي تشتهي عناقك. ما عاد أوار اللهفة ينضج ريق العناقات.

يا بيروت… مدّي كفّ رقّتك، عانقي «زحلاكي» وكفكفي ماسات ملح عيونها. ما عهدتك غليظة النبض شيمتك الهجر.

صباح أمس كان مثقلاً بآلهات الحبر الحزانى اللواتي ضللن درب «الطاحونة الضائعة» في الحلم.

«طيور أيلول» كلُّها غادرت نحو منفاها الأخير، كلّ ما تبقى من «تلك الذكريات» رمادٌ أخرق تململ تحت كانون «الجمر الغافي».

يا بيروت… من علّمك اجتراع «محطات الرحيل»؟

صار كلّ شيء في هالة عينيك «أبيض وأسود»، وعلى غير موعد عصفت بك «رياح جنوبية».

وقتذاك أولم عصام العبد الله لها «على بساط الثلج»، «خبزنا اليومي» كي لا تستفيقي متوهلة من حلمك الوردي تاركة في «أوراق منسيّة» لجّة السؤال مفتوحة.

«ما حدث في جزر تاميا» لم يكن في الحسبان. فقط ضلّ السؤال المحيّر ولغز معناه بلا جواب، «أين تذهب أندا»، كلّ ليلة؟ ولماذا كان «الإقلاع عكس الزمن»؟ هو «في البال» كخيار أوّل نفكّ به أكواد «جزيرة الوهم»!

كان يكفي يا إميلي وقوفك الطويل مثل «الرهينة» تحت «شجرة الدفلى» التي «روت لي الأيام» بأنها شربت من مداد عينيك، على أمل عودة «شادي الصغير».

هل عاد شادي يا إميلي من هوج اغترابه؟

آن لنا إيلام «الليالي الغجرية» «الباهرة» من جديد. لم يعد هناك متّسع من وقت لنذهب معاً إلى «الينبوع». قد جفّت أضرع اللغة حين أسدلت على قلبك الأزرق عباءة الغياب!

كلّ مقامات الحبر القديم اليوم ثكلى يا حبيبتي. هل تركتِ وراءكِ «نساء رائدات» فقط كحجّة تلوذين بها لتكتبي بتجرّد ومن دون رقيب «يوميات هرّ» لعين همّه الأوحد، إلقاء القبض على فأر الوقت الذي كما عصام عبد الله خان تفاصيل ملقانا؟

كاتب سوريّ/ فيينا

الروح الوضّاءة

ناريمان علّوش

من ينابيع قلمها تفجّرت محابر الأدب فأسرت الحقول والمعاجم بفرادة كلماتها التي تقتبس المعاني من روحها الوضّاءة، ومدى أخيلتها التي تسلك الطريق إلى الأفق على صهوة الضوء.

جاءت «طيور أيلول» لتحمل الأديبة إميلي نصر الله إلى اللامكان، إلى حيث ترحل المادة تاركةً خلفها تاريخاً عابقاً بالإبداع، وذاكرة أدبية ساطعة فيها ما يكفي من غذاء للروح والوجدان.

روحك ستبقى رهينةً فينا، مشتعلةً بالجمر الغافي على وسادة الرحيل، لتروي الأيام ذكراك… كلّما فاح ظلّ على الأوراق المنسيّة.

شاعرة وناشرة لبنانية

أيقونة الأدب

رنا صادق

وأنا ألملم سطورهم وأراءهم، عانقت محبّتهم لها، تعلّقهم الطفوليّ بتلك الأديبة، الكاتبة، والمرأة الطموحة المثابرة، إميلي نصر الله.

هي تاريخٌ غادرنا أمس، لا بل مستقبل أجيالٍ هي، ارتسمت الفرحة بقصصها للأطفال، وطغت ملامح الإبداع على تلك الكتابات، تاركةً معها بصمة، يتذكّرها من عاصَرها ومن بعدها، ومن سيُحكى له عنها.

يمكن التكهّن أنها ستعاصر أبنائي وأحفادي ومن يخلفهم، لذلك أطمئن. لعلّ إميلي تضحى، ليس فقط حكايةً تُحكى للأطفال، بل أيقونة الطفولة والكلمة.

ما بين تاريخ آتٍ وتاريخ زال، فاصلة تدعى إميلي نصر الله، عاشت، وكبرت ودارت حكاياتها ولملمتها في أحضان كتاباتها وكلماتها.

دمتِ هناك مشعّة يا ذاكرة الطفولة المضيئة.

ونهايةً، أقتبس في رثائها بعض كلماتها التي تقول: «هناك أبداً نافذة، كوّة صغيرة يطلّ منها النور، مهما ادلهّمت الظلمة، يظلّ الإنسان يصارع باحثاً عن الكوّة». ونحن بدورنا نعدك أن نبحث دائماً عن الكوّة في سطوة الظلام.

التواضع الصاخب

حسن م. عبد الله

قدّيسة الكلمة هي إميلي نصر الله، وهي الثريّة والعميقة والمناضلة والعذبة واللطيفة والقادرة في زمن تسطّحت فيه النفوس واعتكرت الأرواح وتصحّرت. تترك العالم الذي ذابت في تفاصيله وتجرّعت أيامه بكلّ ما فيها من عذاب وحبّ، فنجد أنفسنا في فراغ وعراء.

امرأة مثقّفة حفرت هويتها بإزميل الإبداع بعفوية وخفر، من دون استعلاء وتنمّر، لأن لها من صفاء الروح ما يضيء تواضعها الصاخب، على غير عادة اللاهثين وراء المنابر والاستعراضات الهشّة. حظيت بالاحترام بين النخب المثقفة، وعاش أدبها في أوساط أجيال متفاوتة، من خلال قدرتها على التعبير والصوغ والسرد والرواية.

حزين لفقدها بقدر ما لها من حبّ ومكانة في الذاكرة والزمن الجميل. زمن الكتابة التي لا تمحى.

إعلاميّ وشاعر

مسكونة بالسؤال

قاسم إسماعيل

ماذا أنتظر؟

والآن

أنت، تتطاولين

إلى حدود سؤالك

تطرقين

ما كان في عينيك

عتبة غدك

تلجين

عمق صفحتك

المكتوبة بك

أما زال التراب

يطالعنا

إلى هروبنا

الساكننا

منذ الأزل؟

وتكتمل الدوائر

إلى بياض

صفحة

تمدّ كهولتنا

إلى طفولتنا البريئة

نترك ما كنّاه

لنمسك موتنا

أبِهِ نكتمل؟

هذه أعمارنا

ويمهرها الرحيل

بأسمائنا

ماذا ننتظر؟

ربّما

ويزهر الزرع

في مساكب الأمل.

شاعر لبنانيّ

الشمس الساطعة

جميل حسين معلّم

وأنا إزاء شجرة دفلاك، أراقب طيور أيلولك، فتلفحني رياحك الجنوبيّة، أنكت في رماد العمر لأوقظ جمرك الغافي، فتطلع في البال لياليك الغجريّة، ومحطّات الرحيل التي شئتِها أن تكون إقلاعاً عكس الزمن.

ها أنتِ تنتظمين كالرهينة في شلّال الوقت لتتدفّقي جدولَ حَرْفٍ ونهْرَ أدبٍ يُحرّك الطاحونة الضائعة في حقولنا المتعطّشة منذ الأزل إلى الأبد لنور كلمتك.

إميلي نصر الله، أيقونة جنوبيّةٌ لبنانيّة شاءها الأدب وشاءتها الرواية أن تكون شمساً ساطعةً في سمائهما، طوبى للتراب الذي ستعودين إليه لتمنحيه خلودَك.

شاعر لبنانيّ

صاحبة البصمة الهامّة

كامل فرحان صالح

الأديبة والكاتبة اللبنانية والعربية إميلي نصر الله يعدّ إنتاجها الأدبيّ السرديّ بصمة هامّة في تاريخ الأدب العربي المعاصر، ولا شكّ في أنّ قصصها قد كان لها كبير الأثر في ذاكرتنا، لا سيّما أنّنا بدأنا نتعرّف إلى هذه الأديبة من خلال النصوص المنشورة في كتب القراءة المدرسية.

لغة الأديبة إميلي نصر الله، لغة رشيقة، شيّقة، واضحة، سهلة، تركيبتها غير معقّدة، وفي الكثير من الأحيان الجمل الروائية لديها قصيرة، تتجنّب الحشو والإطالة، ولديها غنى في الصوَر والتعابير وفي بناء الأحداث الروائية الشيّقة.

ومن هنا، كان لها الأثر الهامّ والواضح في البناء السرديّ العربيّ عموماً واللبنانيّ خصوصاً، ولا شكّ في أنّه يغلب على معظم أعمالها الحنين، وهي قد عالجت هذا الموضوع في غير محلّ لها، وهو الصراع الشرس بين المدينة والقرية. بطبيعة الحال كان لها هذه اللغة. لغة الحنين، البساطة، الطيبة، ولغة الناس الطيبين المحبّين، لغة الأرض وما تقدّمه من عطاءات وفائدة للإنسان.

وطبعاً، كتبت الراحلة الحرب اللبنانية وما فعلته في المجتمع اللبناني، من تفكّك، وهجرة أبنائه إلى الخارج، والعذابات والبحث عن لقمة العيش المغمّسة بالدموع والتعب والقهر.

اتجهت إميلي نصر الله «عكس الزمن»… وداعاً للأديبة صاحبة البصمة الهامّة في تاريخ السرد العربي المعاصر.

أستاذ في الجامعة اللبنانية

وفاءً لذكراها

ليندا نصّار

البارحة، هناك، في مكان عريق في بيروت، مكتبة تحرس كتباً في منزل واسع تقطنه إنسانة تميّزت بروحها الآسرة وبعفويّتها وصدقها وبساطتها. واليوم أفاق الفجر حزيناً على خبر رحيلها… إنّها إميلي نصر الله الأمّ والأديبة التي عبرت بالمشهد الثقافيّ اللبنانيّ حدود العالم بإرث من الروايات والقصص التي ستبقى زاداً وذكرى للأجيال.

إميلي نصر الله الإنسانة الشاهدة على مجتمعها ومحبّيها، وثّقت عمراً وحياة في كتابات للكبار والصغار، وقد كانت حريصة على أن تحوّل الموت إلى حياة عبر مزج الواقع بالمتخيّل الذي يلطّف من لحظات الحزن أحياناً.

أتذكّر عندما زرتها في بيتها في الحمرا، حدّثتني كثيراً عن الماضي والذكريات التي لا تبارح الإنسان، وفي هذه اللحظات كانت عيناها تومئان بالدموع، متأسّفة على أيّام انقضت، وعلى أشخاص رحلوا، فكأنّ رواية «طيور أيلول» أشبه بسفينة تنظّم الرحلات على دفعات، واليوم آن موعد كاتبتها.

في هذا الموقف القاسي، سيبقى الصدى يتردّد في الأرجاء معلناً موعد الحزن، مطلقاً العنان للذكرى. فلا يسعنا إلّا أن نقول هنا: إميلي نصر الله، سيبقى حضورك جميلاً في كتاباتك، وستبقى في منزلك تلك المكتبة، الغنيّة بإبداعك، حارسةً روحَك التي ستمكث فيه دائماً…

إميلي نصر الله إلى اللقاء.

شاعرة وكاتبة لبنانية

لنا موعد

سناء البنا

نامت طيور أيلول باكراً هذا المساء

غفت على أحلام لغة الرفيف في جنّة الخلد

أغمضت بين دفّات الورق

لا رفات للحبر في الذاكرة

يا أمّنا في الأدب والحياة

كيف لأمومة ألّا تعود لي

لإميلي أن تغلق كتابها على حزننا

لرحلة الحياة أن تنتهي بدمع المحبّين

سافري يا حبيبتي.

اِرخي هدبيك بأمان

لنا موعد في فصول آتية.

شاعرة وصحافية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى