هل يدفع «أمن الدولة» ثمن إنجازاته؟
محمد حمية
بموازاة الاستغلال الانتخابي الفاضح الذي واكب محطات ووقائع ملف المسرحي زياد عيتاني مُنذ اعلان وزير الداخلية نهاد المشنوق براءته قبل أن يفصل القضاء في القضية وحتى إخلاء سبيله، كان جهاز أمن الدولة يتعرّض لعملية استهداف سياسي ممنهجة ومبرمجة. فلماذا استهداف هذا الجهاز الأمني الحديث التجديد مع العهد الرئاسي الجديد بعدما استردّ موقعه الطبيعي في المعادلة الأمنية الداخلية؟ ولمصلحة مَن المسّ بمعنويات قيادته وضباطه وعناصره والتشكيك في كفاءاتهم الأمنية والمعلوماتية في كشف الجرائم واتهامهم بممارسة التعذيب مخالفة للقانون؟
وبعيداً عن المضمون القانوني والقضائي والأمني للملف الذي تبقى الكلمة الفصل فيه للقضاء، لا بدّ من التذكير بالقرار الذي اتخذه رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة لإلغاء جهاز أمن الدولة في العام 2005 وتسليم فرع المعلومات دفة القيادة الأمنية في البلاد، قبل أن يعيد الرئيس سعد الحريري الجهاز الى وضعه السابق بمرسوم جديد في مجلس الوزراء.
لا شك في أن جهاز أمن الدولة ومنذ إعادته الى الخدمة الفعلية وتشكيل قيادته الجديدة بتوافق سياسي، لعب دوراً هاماً ونوعياً بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية الأخرى في حماية الأمن الداخلي والقومي للدولة، لا سيما في مكافحة الإرهاب والتجسس لصالح العدو الإسرائيلي، الى جانب دوره في مكافحة جرائم التزوير والسرقة والاتجار بالمخدرات وتهريب الأشخاص من سورية الى لبنان بطرقٍ غير شرعية، حيث أحبط عمليات إرهابية عدة وكشف خلايا وشباكات إرهابية لتنظيمي داعش وجبهة النصرة وأشخاص إرهابيين أو ما يعرف بـ «الذئاب المنفردة».
فهل تعرَّض أمن الدولة لفخٍ أمني للإيقاع به وإفشاله في مهده؟ أم أن ثمة مَنْ استغل خطأً أمنياً وتقنياً مقصوداً ارتكبه أحد ضباط قوى الأمن الداخلي لتحميل جهاز أمن الدولة المسؤولية؟ وهل مسارعة وزير الداخلية في «بيان التبرئة» الشهير الى فتح النار على أمن الدولة وتحميله مسؤولية الفضيحة في ملف عيتاني هو فِعل لحظة عاطفية أم جزء من عملية استهداف الجهاز؟
أمن الدولة نجح حيث فشل الآخرون، هكذا تصف مصادر مطلعة عمل الجهاز خلال العام المنصرم، وتشير لـ «البناء» الى أن «أسباب هذا النجاح لا يعود لامتلاك الجهاز الإمكانات التقنية والمعلوماتية التي يتفرّد بامتلاكها فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، بل لامتلاك الجهاز العنصر البشري الاستخباري الفاعل في مختلف المناطق اللبنانية». وتضيف المصادر بأن «رئيس الجمهورية طلب من قيادة الجهاز منذ تسلمها القيادة ضرورة التعاون والتنسيق مع كافة الأجهزة الأمنية من خلال غرفة عمليات مشتركة للتشارك في المعلومات المتوافرة للإسراع في كشف الجرائم وملاحقة المجرمين، لكن يبدو أن لا مصلحة للبعض بذلك».
وتضيف المصادر أن المحققين في الجهاز قاموا بواجبهم في التحقيق مع مشتبه به بالتواصل مع جهات في «إسرائيل» بناءً على شبهات ومعطيات وأدلة أولية كما يفعل أي جهاز آخر خلال التحقيقات الأولية، وبالتالي أرسل محاضر التحقيق الى القضاء وانتهى دوره عند هذا الحدّ. والقضاء هو المعني بمتابعة التحقيق وإصدار الأحكام، أما إذا برزت معطيات جديدة في تحقيقات جهاز أمني آخر وظهر مشغّلون وهميون لعيتاني لتوريطه، فهذا ليس من مسؤولية جهاز أمن الدولة.
وينفي مصدر معني بالملف لـ«البناء» نفياً قاطعاً أن يكون عيتاني قد تعرّض لأي نوع من الضغط النفسي أو التعذيب الجسدي، كما يُشاع، كاشفاً أن «عيتاني مكث خمسة أيام لدى أمن الدولة، حيث أنهى المحققون تحقيقاتهم منذ اليوم الثالث وبقي عيتاني في مقرّ الجهاز لعدم وجود نظارات للتوقيف الاحتياطي في النيابية العامة، وخلال اليومين الرابع والخامس لقي عيتاني أفضل معاملة». ويضيف المصدر: «لو صحّت ادعاءات عيتاني بتعرضه للتعذيب والضرب والتهديد على يد المحققين لظهرت آثارها على جسده، علماً أن لبنان وقّع على المواثيق والاتفاقات الدولية التي تمنع تعذيب الموقوفين والسجناء وتحمي حقوقهم الى جانب أن كل محاضر التحقيق موثقة لدى أمن الدولة، علماً أن بعض منظمات حقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة تطلب عادة من الأجهزة اللبنانية عيّنات من التحقيقات مع الموقوفين».
ويشير المصدر الى أن «عيتاني وفور انتهاء التحقيق معه مع محققي أمن الدولة تمّ الكشف على جسده من قبل القضاء وثبت عدم تعرّضه للضرب، كما عاد وكرر أقواله واعترافاته بالتواصل مع العدو أمام قاضي التحقيق ووقع عليها، والاعتراف سيّد الأدلة». ويكرر المصدر نفي «تعذيب عيتاني أو تهديده بقتل ابنته».
ما تقدّم يجعل السؤال مشروعاً: لمصلحة مَن محاولة استبعاد أمن الدولة من قلب المنظومة الأمنية الذي أمسك بناصيتها فرع المعلومات منذ العام 2005 حتى ما قبل العهد الجديد؟ لمصلحة جهات أمنية داخلية في إطار الصراع بين الأجهزة؟ أم بعض الجهات السياسية أم أجهزة استخبارات خارجية؟
لا يُخفى على أحد الصراع الخفيّ بين الأجهزة الأمنية أو بين المرجعية السياسية لكل جهاز من جهة ثانية، وهذا ما عكسه بيان أمن الدولة الأول بعد إعلان براءة عيتاني وما تلاه من اشتباك سياسي وإعلامي بين وزيري العدل والداخلية، غير أن مصادر رسمية ترفض التشكيك في عمل أي جهاز أمني، لكنها لا تنكر هذا الصراع ولا تستبعد دوراً للاستخبارات الإسرائيلية في استهداف جهاز أمني يعمل خارج الحسابات السياسية والطائفية واستبعاده من المسرح الأمني الداخلي لا سيما أنه سجل إنجازات أمنية عدة قياساً الى المدة الزمنية منذ إعادة تفعيله حتى الآن».
وإذ تشير مصادر إلى امتعاض رئيس الجمهورية من التصويب السياسي على أداء أمن الدولة والاستفراد به لأهداف سياسية، تؤكد مصادر معنية لـ «البناء» حرص الرؤساء الثلاثة على استمرارية عمل الجهاز وحمايته من الاستهداف السياسي ورفض التشكيك في قدرته وكفاءته الأمنية العالية التي أثبتها في الآونة الاخيرة وما إدراجه على لائحة الدعم الدولي في مؤتمر روما الا دليل على ذلك، وتلفت الى موقف رئيس الحكومة بأنه لا يجوز تحميل الجهاز المسؤولية عن خطأ قد يحصل.
ويبقى السؤال: هل يدفع جهاز أمن الدولة ثمن إنجازاته؟