هل يستجيب الأميركيون لطموحات إبن سلمان؟

د. وفيق إبراهيم

ما يطلبهُ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان من الأميركيين يكفيه ليصبح ملكاً للعرب على كلّ المسلمين، لكن ما يبتغيه الأميركيون منه، يطيح بهذا الطموح نحو مزيد من إفلاس المملكة من دون أن تصنع حلولاً لأزماتها الداخلية والخارجية.. فما مصلحة واشنطن في إنهاء «الخطر الإيراني المزعوم» وإنهاء الحرب السعودية على اليمن، وعرقلة تركيا اللاهثة وراء الزعامة الإسلامية، وإلغاء قطر، وتصفية آلاف الأمراء المنافسين لولي العهد داخل المملكة؟

فلو نفّذَتْ للأمير نصف مطالبه، لتحوّل قيادة قوية بوسعها الاستقلال النسبي عن ولي الأمر الأميركي كحال أوروبا واليابان.. وحتى تركيا.

فأين أنت من هذا يا طويل العمر؟ وهل يمكن بناء الدول بالتقليد وإضفاء لمحات صحية على جسد رميم، مع مزيد من الدعاء والتوسّل؟

السعودية إلى أين مع إبن سلمان وفي عصر الرئيس الأميركي ترامب؟

منظر الرجلين في قاعات استقبال البيت الأبيض يوحي بانهيار سياسي كبير أزال الأقنعة الدبلوماسية التي كانت تحجب سابقاً الطموحات الاقتصادية، ولمَ لا.. والعصر عصر سماسرة وأقزام.. طالبه ترامب بقسم كبير من ثروات السعودية «الغنية» على حدّ قوله، فابتسم الأمير الخفيف متعهّداً، لكن الكاوبوي لم يكتفِ معتبراً انّ ألف مليار دولار كلفة صفقات يدفعها الأمير للأميركيين منذ أشهر متواصلة عدة لا تساوي تسلية «بالفستق السوداني» عند الأمراء السعوديين.

كان لا بدّ من هذا العرض للكشف عن مستوى ممثلي هاتين الدولتين المتحالفتين ويظهر أيضاً الاستسلام السعودي الكامل، لدولة أميركية قوية تطلب ما تريد من سعودية تطيع على الفور «معلّمها».. تطبيقاً لنظرية «السمع والطاعة» التي تتبنّاها القراءة الوهابية للإسلام وتفرضها على السعوديين منذ مطلع القرن الفائت.

للإشارة فإنّ إبن سلمان في واشنطن الآن للمرة الثانية، إنما للمرة الأولى ولياً للعهد، ودغدغه ترامب بصوت غليظ قائلاً «تستحق أكثر من ولاية العهد.. ما نزع ستار السرية عن أنّ زيارة ترامب الأولى إلى الرياض منذ أشهر عدّة أدّت إلى تنصيب إبن سلمان في ولاية العهد وضربه معظم المنافسين له من العائلة المالكة مقابل أكثر من 500 مليار دولار. وجولته الأميركية اليوم المقدّرة بعقود بـ600 مليار دولار مع شركات سيغما وغوغل وآبل وأمازون وكبار الماليين وصناعات السلاح والنفط وشركات السواحل الغربية في لوس انجلوس ولاس فيغاس.. ولوكهيد للصناعات العسكرية. أتؤدّي إلى إزالة الصعوبات التي تعترضه في الداخل السعودي والخارج العربي والإقليمي؟

يحاول ولي العهد إحداث إصلاحات داخلية على مستوى التشدّد الديني والاقتصاد، وإلغاء استقلالية الأمراء داخل مناطق يحكمونها في السعودية، التي مساحتها نحو مليوني كيلومتر مربع. ويقول إبن سلمان بهذا الصدد إنّ هناك 5000 أمير يحكمون 5000 منطقة ولديها خمسة ملايين مؤيّد وموالٍ. متابعاً «بأنّ التشدّد الديني سببه سيطرة الاخوان المسلمين على التعليم المدرسي والديني في السعودية.. وهو هنا يهرب من ضرورة مجابهة الفكر الوهابي الذي لا يقلّ تخلفاً عن الفكر الاخواني، ويسبقه في الولادة التاريخية متحالفاً معه منذ مطلع القرن الصداقة بين حسن البنا وإبن سعود ..

لجهة الاقتصاد، فإنّ ما كدّسه إبن سلمان من الاستيلاء على بعض ما سرقه أولاد أعمامه، ورفع أسعار الكهرباء والمياه والضرائب.. بدّدهُ على العقود مع الأميركيين. أما، الأمراء في ممالكهم فيبدو أنّ الأميركيين أجازوا له القضاء عليهم لمصلحة بناء مملكة فيها نظام ملكي عمودي أيّ من محمد بن سلمان إلى أولاده وهكذا دواليك. ما يسقط نظام التوريث الأفقي بين الأخوة وأولاد العمومة. أيّ من دكتاتورية آلاف الأمراء إلى دكتاتورية الملك الواحد.

حتى الآن لم يستوعب إبن سلمان أنّ التغيير عمل فكري في البداية.. يشترط تحديد هوية الدولة، وبرنامجها للبناء.. فتصبح قيادة السيارة للمرأة عملاً ثانوياً مقابل تعليم المرأة، وحق الرجل في التصويت والعمل الحزبي والنقابي والتعليم المدني من أساسيات التطوير.. وإلا ما نفع استبدال حنا بحُنين؟

إنّ هذا يدلّ على أنّ ما يحدث في الداخل السعودي مرتبط بتوفير ولاءات كاملة لعهد محمد بن سلمان المقبل وقولبته ليصبح منتجاً بالتوازي مع تراجع أسعار النفط، وذلك عبر الاستغلال السياحي والديني لإمكانات المملكة، والتحايل بإضفاء لمسات تحديث اجتماعية لخداع الرأي العام الغربي الذي لا يفرّق بين محمد بن سلمان وحاشيته وبين الصورة التي كرّستها السينما الغربية للبدو في عصر لورنس العرب.

أما عن المعوقات الخارجية، فهنا تكمن مأساة بن سلمان، الذي يطلب حلاً لأزمته اليمنية التي تستنزف منه نحو 180 مليار دولار سنوياً وهي تُنهي سنتها الثالثة..

أليس ترامب أحقّ بهم؟

ويلتمس تدمير إيران منافسته الأساسية المنتمية إلى «محور الشرّ» إلى جانب تركيا والإرهاب، وهذا ممكن برأيه في إطار تحالف أميركي ـ سعودي، مع الصديقة الجديدة «إسرائيل».. ولا يوفر إبن سلمان تركيا التي يرى فيها عدواً كبير راعياً للإخوان المسلمين المهدّدين للعروش في المنطقة، ومنافساً قوياً في العالمين العربي والإسلامي.

كما يصرّ على البدء بـ «الخطة بـ« في موضوع قطر.. باعتبار أنّ «الخطة أ» أيّ حصارها والتضييق عليها جرى تنفيذها إنما من دون السماح الأميركي باجتياحها، فهل يسمح الأميركيون لإبن سلمان باستتباع قطر التي توجد فيها أكبر قاعدة برية أميركية في العالم العُديد ؟ وغازٌ لا ينضب…؟

بالاستنتاج يتبيّن، أنّ ولي العهد يريد مزيداً من التغطية الداخلية في مشروع تحويل المملكة إلى «لاس فيغاس» الخليج. أما خارجياً فيريد ضرب الحوثيين في اليمن وتدمير إيران وحزب العدالة والتنمية الإخواني في تركيا، وحزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق.. وإذا كان بالإمكان تهجير المذاهب الإسلامية غير الموالية للوهابية من العراق.. إلى أقاصي الأرض…

مبدياً استعداده لإعلان التحالف مع «إسرائيل» وإنهاء القضية الفلسطينية عبر «صفقة القرن»، والاستفادة من الخبرات اليهودية والأميركية في ميادين السياحة والانفتاح لإدارة مشروعه «نيوم» في المدينة السياحية التي يريد بناءها قبالة مصر وفلسطين المحتلة قرب شواطئ البحر الأحمر.

فهل هذه طلبات ممكنة؟ بداية يجب تأكيد أنّ السياسة الأميركية تسيطر على الخليج بوسيلتين: منعه من التقدّم والحداثة، يفرض عائلات متخلّفة لإدارته، تسجن الناس في إطار القرون الوسطى فكرياً وحياتياً، أما الثانية فبتخويفه من عدو خارجي مفترض، شكّل العراق «البعثي» عنواناً تخويفياً في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.. وأكملت «إيران» دور الخوّافة التي فبركتها واشنطن منذ ذلك التاريخ.. ما يؤكد أنّ التخويف من «إيران الفارسية والشيعية» هو أسلوب يفيد السياسة الأميركية في ترويض بلدان الخليج والإبقاء عليها داخل الجلباب الأميركي الوسخ.

لذلك فإنّ تدمير إيران بالكامل ليس مصلحة أميركية، إلا أنّ القضاء على الحوثيين يلقى استحساناً من البيت الأبيض، لأنه يضع باب المندب في إطار دولة يمنية تابعة لولي الأمر.. الأميركي، من دون نسيان إمكانات اليمن في النفط والغاز.

على مستوى تركيا، تعتقد واشنطن أنّ استمرار الصراع السعودي ـ التركي ـ القطري ـ الإيراني، إنما يشكّل أفضل آلية لتكريس التصدّع والضعف في العالم الإسلامي، وهذا يكرّس ولاءات الدول الإسلامية الضعيفة المتقاتلة بينها للسيد الأميركي.

ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ السياسة الأميركية لا تأبه بنشر العلم المدني في السعودية، ولا تريد إلغاء التطرف الإسلامي، بل السيطرة عليه لاستعماله عند اللزوم الأميركي فقط، أيّ تربية وحش داخل القفص السعودي وإطلاقه حين تدعو الحاجة لاستخدامه.

هذا هو الحوار العميق القائم بين سمسار يريد المزيد من المال وأمير غرائزي يشتري يختاً ولوحة فنية بأكثر من ملياري دولار ويحلم بمملكة وراثية له على حساب تقدّم السعوديين.

هذا هو الإطار الذي تقبل به السياسة الأميركية لتوافق على ملكية لمحمد بن سلمان تلعب دوراً حصرياً في تأمين مدى سياسي واقتصادي يخدم النفوذ الأميركي في العالمين العربي والإسلامي ولا يؤدّي إلى استيقاظ الشعوب من سباتها التاريخي العميق وقمع المصالح الفعلية لشعوبها لتتناسب مع الجيوبولتيك الأميركي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى